منوعات

“مملكة التناقضات”: لماذا يصدر المغرب كميات كبيرة من الحشيش؟ (ح 67)

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 67: لماذا يصدّر المغرب كميات كبيرة من الحشيش؟

الموضوع تفجر في عهد الحسن الثاني، ثم أصبح الاتجار بالحشيش تدريجياً موضوعا مفضلا عند الصحافة، في الروايات والمقالات وحتى الأفلام، في المغرب كما في فرنسا. ويقال إن المملكة هي أكبر مصدر للقنب الهندي في العالم (ما يسمى عجينة الحشيش أو الكيف في شمال البلاد)، ولكن أفغانستان لا تزال هي أكبر منتج عالمي.

إن الأرقام متناقضة لكن منذ الثمانينات وفر الحشيش للمغرب مليارات من الدولارات علما أن من يباشر البيع والتصدير وإعادة البيع هي مافيات “الريف” بمساعدة شبكاتها الاجرامية وحلفائها في أوروبا. وفي سنوات 2000 قُدِّر حجم السوق بما يتراوح بين 8 و10 مليار دولار وفي ذلك الوقت، طلب الاتحاد الأوروبي بهدوء من المغرب تقليص المساحات المزروعة بالحشيش في شمال البلاد، التي تقدر بـ 140 ألف هكتار.

في الواقع، استطاع الجيش المغربي تخفيضها إلى النصف وحصرها في قلب منطقة الريف لأن زراعتها قانونية بموجب ظهير يعود لفترة الملك محمد الخامس في عام 1954، بمبرر احترام التقاليد المحلية. كانت المساحات المزروعة آنذاك صغيرة ولم تكن عجينة الحشيش موجودةً. ومع ذلك، فإن كميات الحشيش المصدرة بكميات كبيرة وقيمة لم تعرف الانخفاض. وفي كل عام، يعبر ما بين 500 2 و500 3 طن (وهذا تقدير غير مؤكد) البحر باتجاه أكبر سوق استهلاكي في العالم، وهو أوروبا الغربية.

ويبلغ حجم إعادة البيع الآن إلى ما بين 15 و 20 مليار دولار، في حين أن مساحة الزراعة تنخفض. وفقا للمهندسين الزراعيين العارفين بالظروف الجيولوجية والمناخية للريف فإن آلاف الأطنان من الفوسفاط (المنتجة والمنقولة من وسط البلاد) ضرورية للحصول على مثل هذه الغلة ويلزم 100 كيلوغرام من الكيف لإنتاج كيلوغرام واحد من عجينة الحشيش بالإضافة إلى كمية كبيرة من الماء. إنه نشاط صناعي قائم بذاته.

وهذا النشاط يعيش من 800,000 فرد من أسر الفلاحين الفقراء، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المساعدين والمهرّبين والناقِلين في المغرب وإسبانيا، فضلاً عن الآلاف من الأشخاص المتخصصين في إعادة البيع في أوروبا. وفي فرنسا، تفيد التقارير بأن 000 200 من الشباب والرجال يعملون في هذا النشاط. وقد تجاوزت إعادة البيع أوساط المهاجرين من أهل الريف لتشمل الأوساط الجزائرية في مرسيليا، والمغربية في شمال المغرب وبعض الغجر في جنوب فرنسا والحشيش يمثل 80% من مجموع المخدرات التي تباع في فرنسا، متجاوزا في نهاية المطاف الاتجار في منتجات أخرى مثل الكوكايين.

هناك العديد من الأسباب لهذه الحركة الضخمة، التي تلبي 80% من الاستهلاك في أوروبا الغربية. وقد بدأت مؤخرا مناقشة بشأن إضفاء الطابع القانوني على الإنتاج في إطار الممارسات الثقافية.

والواقع أن المغرب يقاوم الدعوات لإضفاء الشرعية في فرنسا، بعد أن نجحت في هولندا، وهو ما لا يمنع هذا البلد من أن يكون هذا البلد هو ممر تهريب المخدرات في أوروبا الغربية. هناك عدة أطراف تستفيد من ذلك منها الإدارات المرتشية في الدول ورعاة هذه التجارة والبنوك وصناعة البناء التي تستوعب غسيل مليارات الدولارات كل عام، وخاصة في العقارات في المغرب أو إسبانيا؛ ثم الفلاحون الفقراء في الريف والمهربون والمتاجرون الذين يعتمدون على الحشيش للكسب اليومي ثم مئات الآلاف من الأفراد في أوروبا الغربية وآلاف العائلات في المغرب التي توصل بالتحويلات المالية والمستهلكون الأوروبيون البالغ عددهم 23 مليون فردا منهم 4 ملايين في فرنسا وحدها.

كما أنه سجل أرقاما قياسية في الاستهلاك، على الرغم من الأضرار النفسية والجنائية والاجتماعية التي تنتج عن هذه الآفة الجماعية. في جميع أنحاء المغرب، يبلغ حجم إعادة بيع القنب ما يقرب من 10-20% من الناتج الداخلي الخام، وكأنه أول مورد وطني وهو ما يسائل ضمير الفاعلين والمراقبين والمسؤولين جميعا.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *