وجهة نظر

أزمة “درس التاريخ والجغرافيا”

جائحة الإمبراطورة كورونا زحزحت الكثير من المفاهيم والقيم المجتمعية والإنسانية، وغيرت عنوة السلوكات وأنماط العيش، ولم تترك دولة إلا وأربكتها ولا حكومة إلا وعرقلت خططها وبرامجها، ولا إدارة أو مؤسسة، إلا ولخبطت توجهاتها ومشاريعها، وفرضت عليها تكييف إيقاعاتها مع الطقوس الوبائية في محاولة لضمان استمرارية عملها وخدماتها، والإبقاء على جسور التواصل قائمة مع مرتفقيها وزبنائها، هي إذن، أزمة وبائية غير مسبوقة في تاريخ المغرب المعاصر، أرخت بكل ثقلها وتأثيراتها على عدد من القطاعات من ضمنها “قطاع التعليم” الذي استطاع الصمود والتحمل، بالاستنجاد بأنماط بيداغوجية “غير مألوفة” تباينت بين “التعليم التناوبي” (تعليم حضوري، تعلم ذاتي) و”التعليم عن بعد”، والرهان على “نظام التفويج” الذي تم اللجوء إليه كضرورة، تحكم فيها هاجس الالتزام بما تم تنزيله من قبل السلطات العمومية من إجراءات وقائية وتدابير احترازية.

وهذه البدائل والخيارات البيداغوجية، وإن منحت المنظومة التعليمية “مناعة” الصمود والتكيف الاضطراري مع هذه الظرفية الخاصة والاستثنائية، فإنها بالمقابل، جعلت عموم المدرسين ومنهم مدرسي مادة التاريخ والجغرافيا بالسلك التأهيلي، يتموقعون في صلب مشكلات موضوعية وإكراهات واقعية على مستوى سبل التفعيل والأجرأة، في ظل غياب إجراءات موازية، بات الإفصاح عنها يشكل “ضرورة ملحة”، من قبيل استعجال إعادة النظر في البرامج الدراسية عبر التقليص من عدد الوحدات/الدروس (العبرة في الكيف وليس الكم)، وتكييف ما يؤطر العمليات التعليمية التعلمية من وثائق تقويمية (مذكرات، أطر مرجعية)، مما أدخل ويدخل المدرسات والمدرسين في خانة الارتباك والارتجال والضبابية والابهام، وفي حالة من القلق والتوجس، بخصوص سبل إنجاز وإتمام المقررات الدراسية خاصة بالنسبة للمستويات الإشهادية، وفي هذا الصدد، يظهر واقع الممارسة، أن مدرسات ومدرسي مادة التاريخ والجغرافيا بالسلك التأهيلي يعانون كغيرهم من مدرسي المواد الأخرى، على مستوى سبل أجرأة وتدبير نمط “التعليم التناوبي” في ظل تبني نظام “التفويج”، وهذه الخيارات البيداغوجية والتدبيرية، تنعكس بشكل مباشر على زمن التعلمات، وعلى إيقاعات إنجاز فروض المراقبة المستمرة وعلى مواعيد مسك النقط على مستوى منظومة التدبير المدرسي “مسار”، وتزداد الصورة تعقيدا وارتباكا، اعتبارا لإكراه العطل المدرسية البينية وعطل المناسبات الوطنية والدينية، واستحضارا لمعطى موضوعي لايمكن إغفاله أو إهماله، كون معظم المتعلمات والمتعلمين، يفتقدون للمسؤولية والجاهزية والقابلية للتعامل مع نمط التعليم التناوبي خاصة في شقه المرتبط بالتعلم “الذاتي” لأسباب مختلفة، على رأسها حداثة هذا النمط البيداغوجي في منظومة تربوية لازال المدرس(ة) يعد حجرها الأساس ومحركها ومحورها، في تنافر مع فلسفة المقاربة بالكفايات وكل البيداغوجيات التي تتمركز حول ذات المتعلم، ويظهر واقع الممارسة أن الكثير من المتعلمات والمتعلمين يغيب عنهم الاستعداد والجاهزية في إطار “الدروس الحضورية” إما لضعف مستوياتهم الإدراكية أو لتهورهم وافتقادهم لروح المسؤولية والمثابرة والمواظبة، أو لغياب المراقبة والتتبع من جانب الأسرة، وهو معطى موضوعي، يصعب معه تحقيق الأهداف والمقاصد المرجوة من “التعلم الذاتي” الذي لايمكن تصوره إلا في ظل تواجد متعلم(ة) “مسؤول” و “واع” و”منضبط” و”مجتهد”.

ورغم تنزيل الوزارة الوصية لأطر مرجعية ذات صلة بالأنماط البيداغوجية المعتمدة، فإن عملية أجرأتها على مستوى واقع الممارسة “تخطيطا” و”تدبيرا” و”تقويما”، لم تسلم من مشاهد الغموض والإبهام، مما عبد ويعبد الطريق أمام المدرسين، ليمارسوا سلطة الاجتهاد والتصرف، حسب ما تمليه الظروف والمعطيات القائمة، وفي جميع الحالات، فما هو باد للعيان، أن مدرسي المادة يمارسون مهامهم الاعتيادية كغيرهم من المدرسين، في ظل أنماط بيداغوجية جديدة “غير مألوفة” (تعليم تناوبي (حضوري، تعلم ذاتي)، تعليم عن بعد)، لكن، استنادا إلى وثائق تربوية “متقادمة” (التوجيهات والبرامج الخاصة بتدريس التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، الأطر المرجعية للامتحانات، مذكرات التقويم …) وبرامج دراسية “بلغت من العمر عثيا” ولازالت حاضرة في مشهد يقتضي استعجال التغيير والتجديد، ونرى أن ثنائية “القديم” و”الجديد”، تزيد من أزمة تدريس التاريخ والجغرافيا، وتفاقم متاعب مدرسي المادة، وتكرس مادة مقرونة في أذهان المتعلمات والمتعلمين بالنمطية والرتابة والذاكرة والحفظ والتخزيــن، وعليـه، فاللحظة، تقتضي من باب الاستعجال، التقليص من حجم البرامج الدراسية خاصة في المستويات الإشهادية، كما تقتضي “تكييف” الأطر المرجعية للامتحانات مع الأوضاع الراهنة، حتى يشتغل المدرسون بنوع من الأريحية والنجاعة، بعيدا عن مفردات اللخبطة والسرعة والارتباك والعشوائية، التي تأتي على حساب رهان “الجـودة”، في انتظار زحزحة ما يؤطر المادة ككل من وثائق تربوية.

لكن ومن باب توضيح الرؤية، نرى أن عملية تدريس مادة التاريخ والجغرافيا، لايمكن اختزالها عند حدود ما فرضته الجائحة الكورونية من أنماط بيداغوجية غير مألوفة، ولا في ما يؤطر المادة من وثائق تربوية عمرت لسنوات طوال، ولا أحد يقوى على مساءلتها ونفض غبارها، بل يمكن توسيع الدائرة لتستوعب ما شهده وما يشهده المغرب من تحولات عميقة سياسية ومؤسساتية ودستورية وقانونية وحقوقية واقتصادية واجتماعية وتنموية وتربوية وغيرها، وما يعرفه العالم من تحولات مرتبطة بالأزمة الوبائية القائمة.

على المستوى الوطني، فالمغرب شهد خلال العقدين الأخيرين زخما من الإصلاحات ذات طابع تنموي مست قطاعات الصناعة والفلاحة والسياحة والطاقات المتجددة والبنيات التحتية والمنشآت والتجهيزات الكبرى(طرق سيارة، سكك حديدية، مطارات، موانئ …)، برزت معها برامج ومبادرات واستراتيجيات تنموية رائدة منها “استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030″ و”استراتيجية غابات المغرب 2020-2030″ و”البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027″ و”المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في صيغتها الثالثة” و”القانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين” … إلخ، وهو مقبل غضون مطلع السنة القادمة، على “مشروع تنموي جديد”، تم الاستنجاد به لإعطاء نفس جديد للتنمية البشرية، بعد أن اعترفت أعلى سلطة بالبلاد بضعف ومحدودية وفشل الخيارات التنموية المعتمدة منذ سنوات، في ظل اتساع دائرة الفقر والبؤس والهشاشة وتعمق بؤرة الفوارق الاجتماعية والتباينات المجالية.

كما أن الجائحة، فرضت بالموازاة مع ذلك، استعجال تنزيل خطط تنموية قادرة على تجاوز الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الوبائية، فبرزت تدخلات وبرامج تنموية أعلن عنها الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 21 لعيد العرش المجيد، من قبيل “إحداث صندوق محمد السادس للاستثمار” لتمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى في القطاعين العام والخاص و “إصلاح عميق للقطاع العام ومعالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية” و”إطلاق برنامج لتعميم التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية والتعويض عن فقدان الشغل” بشكل تدريجي ابتداء من يناير 2021 و”إدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي والاجتماعي” … إلخ، دون إغفال عدة مشاريع مهيكلة كما هو الشأن بالنسبة لمشروع “تهيئة ضفتي واد أبي رقراق” بالرباط ومشروع “تهيئة بحيرة مارتشيكا” بالناظور ومشروع “القطار الفائق السرعة” وإطلاق “النموذج التنموي للصحراء” ومشاريع “الطاقات المتجددة الشمسية والريحية وعلى رأسها “محطة نور ورززات”، وكذا عدد من المشاريع الاستثمارية الأجنبية في المجال الصناعي ذات الصلة بصناعة السيارات والطائرات لايسع المجال لاستعراضها.

وهو “زخم تنموي”، توازيه وحدات دراسية جغرافية (دروس) خاصة في برنامج الجغرافيا بالسنة الأولى بكالوريا (مسالك العلوم الشرعية بالتعليم الأصيل، العلوم الرياضية، العلوم التجريبية، العلوم الاقتصادية والتدبير)، ويتعلق الأمر أساسا بالدروس الواردة في المجزوءة الأولى (خصائص المجال وإعداد التراب) على التوالي الوحدة 2 (المجال المغربي : الموارد الطبيعية والبشرية) والوحدة 3 (الاختيارات الكبرى لإعداد التراب الوطني) والوحدة 4 (التهيئة الحضرية والريفية : أزمة المدينة والريف وأشكال التدخل)، وهي دروس ذات مضامين “متقادمة”، حاملة لبرامج وخيارات تنموية “متجاوزة”، ومع ذلك، لازالت حاضرة في الكتاب المدرسي، وتقدم للمتعلمين كأساليب لتدبير المجال الحضري والريفي وتحسين مستوى التنمية البشرية، بينما لم يعد لها أي حضور يذكر ضمن السياسات العمومية إما لانتهاء مدة صلاحيتها أو لمحدوديتها وفشلها أو لتبني برامج ومبادرات تنموية بديلة، وهذا الواقع البيداغوجي، يحرم المتعلمين من التعرف على برامج تنموية رائدة ومحورية في النهج التنموي المغربي، وبالتالي الحق في التموقع في صلب المجهودات التي تقوم بها الدولة في سبيل كسب رهانات التنمية الشاملة، وتفقد المدرس(ة) القدرة على الاجتهاد وملامسة “الراهنية”، وهو مقيد بأطر مرجعية للامتحانات، تفرض عليه التقيد بما ورد فيها من مضامين ومفاهيم.

وإذا ما بقينا في حضن مادة الجغرافيا، يمكن النبش في حفريات أزمة أخرى، وهذه المرة مرتبطة أساسا بوحدة / درس “الاتحاد الأوربي نحو اندماج شامل” بالنسبة لبرنامجي السنة الثانية بكالوريا آداب وعلوم إنسانية والأولى بكالوريا علوم، وهو درس تحكمت فيه الرغبة في وضع المتعلمات والمتعلمين في صلب واحد من أبرز التكتلات الإقليمية وأكثرها تأثيرا في المجال العالمي (الاتحاد الأوربي) عبر جملة من الوثائق الديدكتيكية (نصوص، جداول، خرائط، صور، خطاطات …) التي تحاول في مجملها التعريف بالاتحاد ورصد مراحله تطوره وإبراز مظاهر اندماجه والعوامل المتحكمة في هذا الاندماج ومكانته الاقتصادية والمالية، لكن الخروج البريطاني من البيت الأوربي، شكل ليس فقط ضربة في الصميم للغاية التي تسعى إليها بلدان الاتحاد (الاندماج الشامل)، بل وأرخى بكل ثقله على الدعامات الديدكتيكية الحاملة للأرقام والمعطيات الإحصائية ذات الصلة بهذا الدرس، ونرى أنه من غير المقبول من الناحية المعرفية والمنهجية، أن يتم الاستمرار في تدريس هذا الدرس دون استحضار “المتغير البريطاني”، وتوضيحا للرؤية فالخروج البريطاني من التكتل الأوربي له آثار اقتصادية ومالية وقانونية ومؤسساتية وإحصائية اعتبارا لقوة ومكانة الاقتصاد البريطاني في الفضاء الأوربي، مما قد يؤثر على المكانة الاقتصادية (الصناعية، الفلاحية، التجارية) للاتحاد الأوربي خاصة في الحالات التي تتم فيها المقارنة بينه وبين بعض القوى الاقتصادية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وفي ظل غياب إرادة التحرك والتغيير، سيبقى هذا الدرس وفيا كل الوفــاء للقديم، وستظل بريطانيا رغم خروجها، حاضرة في دعامات كتاب مدرسي “متهالك”، وهذا “العبث البيداغوجي” لايمكن إلا إدانته.

إذا ما تركنا درس الجغرافيا جانبا، واقتحمنا خلوة برنامج التاريخ بالسنة الثانية بكالوريا آداب وعلوم إنسانية، يمكن الإدلاء بجملة من الملاحظات التي يتقاطع فيها المعرفي والمنهجي والمواقفي، لكن، وانسجاما مع متغيرات الدبلوماسية المغربية، لايمكن إلا الإشارة إلى إعلان المغرب استئناف العلاقات مع إسرائيل، وهو تحول جذري في مسار العلاقات الخارجية المغربية، يأتي في مسلسل “التطبيع العربي” مع إسرائيل، وهذه المستجدات القائمة، تسائل الدروس التي تقارب موضوع القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، ونخص بالذكر درس “القضية الفلسطينية : جذور القضية وأشكال التمركز الصهيوني” (الوحدة9/المجزوءة الأولى) ودرس “القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي” (الوحدة7/ المجزوءة الثانية)، وهذين الدرسين ربما كان هناك ما يبرر حضورها ضمن برنامج التاريخ في ظل الوضع السابق، لكن دينامية السلام العربية مع إسرائيل، تسائل الجدوى من حضورهما بما يحملانه من حمولات سياسية وفكرية ومواقفية، تضـع “إسرائيل” في خانة “العدو المشترك” و”الكيان الصهيوني”، كما تسائل “صناع القرار التربوي” ومدى قدرتهم على التحرك والتدخل انسجاما مع الموقف الرسمي المغربي، إما بإعادة بناء الدرسين معا وفق رؤية معرفية ومنهجية ومواقفية جديدة تستحضر متغيرات العلاقات العربية الإسرائيلية عموما والمغربية الإسرائيلية خصوصا، أو بحذفهما وتعويضهما بوحدة دراسية بديلــة، وفي انتظار ذلك، فلا خيار أو بديل أمام المدرس(ة) والمتعلم(ة) سوى التموقع في صلب مضامين دراسية باتت متجاوزة بحكم الواقع، إلى “أجل غير مسمى”.

ما تمت الإشارة إليه من ملاحظات ما هو إلا وجها من أوجه مادة تعاني من “كوفيدات” الرتابة والنمطية والبؤس والتواضع، وهي ضحية من يتملكون سلطة اتخاذ القرار التربوي، الذين حولوا المادة بإهمالهم وإقصائهم وتجاهلهم إلى مادة “بئيسة” على مستوى المنهاج والبرامج وطرق التقويم وأساليب التنشيط، باتت تشكل مادة إرهاق ومعاناة مستدامة للمدرس(ة) والمتعلم(ة) على حد سواء، لما تتخبط فيه من “كم” عصي على الفهم والإدراك، ولما يميزها عن غيرها من المواد، من نمطية في الوضعيات التقويمية، باتت تشكل مصدر عناء وإرهاق للمدرسين أثناء إجراءات تصحيح فروض المراقبة المستمرة والامتحانات الوطنية والجهوية.

وأزمة المادة، لا تنحصر فحسب فيما يؤطرها من وثائق تربوية تتجاوز في مجملها العقد من الزمن، ولا في بعض الوحدات الدراسية المتجاوزة أو المكرسة للبؤس المعرفي والمنهجي والمواقفي، بل أيضا، في غياب تلك الرؤية المتبصرة التي من شأنها تقدير “حساسية” المادة بمكونيها (التاريخ والجغرافيا) مقارنة مع غيرها من المواد، لارتباطاتها المباشرة بما يحدث داخل المجال من أحداث ومتغيرات وتفاعلات مستدامة، بشكل يجعلها في طليعة المواد التي لابد أن تخضع للتدخل والتغيير والتجديد بشكل مستدام، حتى تكون قادرة على مواكبة التحولات القائمة في أبعادها الوطنية والإقليمية والدولية، وفي مستوياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والتنموية والمجالية، وغياب هذه الرؤية المأمولة، يجعل المادة “متجاوزة” وبعيدة كل البعد، عما شهده ويشهده المغرب من متغيرات سواء اقتصادية أو تنموية أو سياسية أو دبلوماسية.

وفي انتظار أن تهب الرياح المرسلة للإصلاح، نثير انتباه القائمين على الشأن التربوي وتحديدا من لهم سلطة أو إمكانية تغيير المناهج، أن الموقف الأمريكي بخصوص قضية الوحدة الترابية والتقارب المغربي الإسرائيلي، وما تعرفه الصحراء من متغيرات في ظل “دبلوماسية القنصليات” ومن “نموذج تنموي”، من شأنه أن يقوي من مكانة المغرب ويكرسه كقوة إقليمية رائدة في إفريقيا ونموذجا ناجحا للتعاون جنوب-جنوب، ومن شأنه أيضا، أن يجعل من الصحراء المغربية فضاء اقتصاديا وتنمويا، وبوابة تنموية للمغرب نحو عمقه الإفريقي وحلقة وصل بين أمريكا وأوربا وإفريقيا، والحضور القوي والوازن للمغرب في إفريقيا، يستدعي التفكير في إدراج درس “الاتحاد الإفريقي” ودرس “التكتلات الجهوية الإفريقية” (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيداو” نموذجا)، كما أن ما يشهده المغرب من دينامية تنموية ستتقوى في ظل “النموذج التنموي المرتقب” وقوته الإفريقيـة المتنامية، يفرض تخصيص درس للمغرب باعتباره نموذجا تنمويا إفريقيا رائدا “، مع التفكير من الآن، في صياغة رؤية شمولية للدروس التي تقارب قضايا التنمية والمجال (برنامج السنة الأولى بكالوريا علوم) في سياق الدينامية التنموية التي يرتقب أن يدفع بها النموذج التنموي المرتقب، بشكل يقطع مع دروس ذات مضامين “منتهية الصلاحية” (بيريمي)، أما التقارب المغربي الإسرائيلي خصوصا والعربي الإسرائيلي عموما، فهو متغير حاسم في تاريخ العلاقات الخارجية المغربية وفي مسار القضية الفلسطينية الإسرائيلية، وهذا المتغير يستدعي التفكير في السبل الممكنة التي من شأنها تنزيل درس “القضية الفلسطينية” على ضوء التحولات القائمة أو الاتجاه نحو تقديم درس بديل كما تمت الإشارة إلى ذلك سلفا.

وفي جميع الحالات، فالأزمة قائمة بحكم الواقع، في مادة فقدت الكثير من مقومات الجاذبية وشروط الإشعاع والإبداع، وباتت مقترنة في أذهان المتعلمين بالرتابة والنمطية والرتابة والحفظ والتخزين والذاكرة والغش، وفي تصورات المدرسين، مادة مرادفة للتعب والإرهاق والمعاناة، وازدادت أزمتها في ظل تبني أنماط بيداغوجية “غير مألوفة”(التعليم التناوبي (حضوري، تعلم ذاتي)، تعليم عن بعد)، أدخلت مدرسي المادة كغيرهم من الأساتذة، في حالة من الارتباك والإبهام والتوجس والقلق “تخطيطا” و”تدبيرا” و”تقويما”، ونرى أن هذه الحالة ستزداد تعقيدا كلما اقترب موعد الامتحانات الإشهادية، ما لم تستعجل الوزارة الوصية الكشف عن الأطر المرجعية “المكيفة” للامتحانات، في ظل تبني نظام “التفويج” الذي يستحيل معه إتمام البرامج الدراسية، ولا حل في الأفق، ما لم تحضر الإرادة القوية التي من شأنها زحزحة ما يؤطر المادة من منهاج ومن وثائق تربوية “متهالكة” ومن “برامج دراسية متجاوزة” حاملة لوحدات دراسية “بئيسة”، وتبرز تلك “الرؤية المتبصرة” القادرة على استيعاب ما حدث وطنيا وإقليميا ودوليا، وتصريفه داخل وحدات دراسية، تضع المتعلم(ة) في صلب ما يحدث حوله من تحولات ومتغيرات متعددة المستويات، وإذا كنا قد وجهنا البوصلة نحو مادة “التاريخ والجغرافيا”، فلأننا أدرى بمشاكلها وأزمتها، ونحن على يقين أن الأزمة تتمدد دائرتها لتستوعب المواد الأخرى، في ظل منظومة تربوية لازالت تفصلها مسافات عن الإصلاح الحقيقي، على أمل أن ننام ونصحو على “منهاج” غير المنهاج و”برامج” غير البرامج”، و”وثائق مؤطرة” غير الوثائق و”أطر مرجعية” للامتحانات غير الأطر القائمة، وعلى أمل أيضا، أن تصل الرسالة إلى “صناع القرار التربوي” الذين يتحملون دون غيرهم، مسؤولية “التدخل” و”التشخيص” و”المعالجة” و”التغيير”، من أجل مادة لايمكن تصورها إلا داخل نطاق “الجاذبية” ومن المؤسف تخيلها داخل سرداب “الأزمة” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *