وجهة نظر

المجتمع المدني والقضية الوطنية.. الواجب والإشكال

لاشك أن القضية الوطنية الأولى، أقصد قضية الصحراء المغربية، قد مرت عبر عقود وعقود من التدبير، عبر مقاربات مختلفة، لها من الانجازات والإخفاقات والمستجدات والتعقيدات ما لها، من عهد المجال “المحفوظ” للقصر وحده، إلى عهد المناداة بالتدبير”المحوكم”، بإشراك الأحزاب الوطنية إلى حد ما، خاصة عندما قال جلالة الملك في افتتاح الدورة التشريعية أكتوبر 2013:”لا يمكن للملك وحده أن يحل مشكل الصحراء”، واليوم أيضا، كثر الحديث عن الدبلوماسية الموازية للمجتمع المدني ومقارباته الترافعية اللازمة حول القضية، ليبقى السؤال طبعا، لماذا تأخرنا إلى الآن كي ننادي على المجتمع المدني ونقر له بقدرته وإضافته النوعية في الموضوع؟، وهل هذه المناداة فرض وتوظيف مرفوض أم قرار واختيار ذاتي لهذا المجتمع، الذي لم يكن يوما بعيدا عن الملف ولكن مطلوب منه اليوم أن يتعاطى معه بقوة وشساعة، ترى هل المجتمع المدني مؤهل لهذه المهمة النبيلة والصعبة والتي أتعبت الآخرين فرادى وجماعات مجالس وهيئات؟، وأية قيمة مضافة ستكون لأدائه وانخراطه في هذا الالتزام الوطني الجماعي، وما هي الشروط اللازمة لنجاح هذه المشاركة المدنية المتميزة ؟؟.

طبعا، مما يعرف عن المجتمع المدني عبر تاريخه التطوعي..النضالي..السلمي..المستقل..، أنه مجتمع المبادرة حيث الجمود، والمقاومة حيث التطبيع، والعمل الجماعي حيث التخبط الفردي، والنجاح الباهر حيث الفشل الذريع، والقوة الاقتراحية والطاقات الترافعية والإصلاحية والخبرات التدبيرية التي أنقذت الجمعيات والهيئات والمؤسسات والجماعات والدول الناهضة، من التخبط في متاهات الجهل والتخلف والفساد والاستبداد، فساهمت بذلك في تحرير الشعوب وإطلاق ممكناتها وتحقيق نهضتها والحرص على دمقرطتها وإصلاح أنظمتها ومحاربة الفقر والهشاشة والإجرام في حق البيئة والكون؟؟. والمغرب ليس بدعا من ذلك، فمجتمعه المدني بطيفيه اليساري والإسلامي، وعلى حداثة سنه، قد كان له إسهامه الكبير في القضايا الوطنية الكبرى وملفاتها المعقدة نذكر منها على سبيل المثال فقط، إنعاش الحياة الثقافية والتربوية والاجتماعية مما عجز عنه غيره، نشر ثقافة الحياة الجمعوية والمقاربة التشاركية والتكوين على المسؤولية والديمقراطية وحقوق الإنسان، الحراك الوطني الذي تمخض عنه تجديد مدونة الأسرة لإنصاف المرأة والأسرة والطفولة، المساهمة الفعالة في إحداث المجلس الوطني الاستشاري لحقوق الإنسان، والمبادرة التاريخية لتقارب الدولة والإسلاميين عبر الجامعة الصيفية للصحوة الإسلامية، وترسيم الأمازيغية في الدستور و إنشاء معهد ثقافتها الملكي، المساهمة الكبرى في إنجاح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية…؟؟.

لذا فهو مؤمل جدا في انخراط المجتمع المدني في قضية الصحراء والنجاح فيها على غيرها من القضايا الوطنية التي تبناها ونجح فيها، كما أن هذا النجاح يمكن أن يكون على مستويين أساسين هما، المستوى الداخلي لهذه الهيئات المدنية بهضم تاريخ القضية وتطوراتها وتربية النشء من روادها و المتعاطفين معها على ذلك وهم الذين يجهلونه ويفتقرون إليه، خاصة الأجيال الفتية لما بعد المسيرة الخضراء (1975)؟؟، خاصة بالنسبة للجمعيات الجديدة على الملف، لأن هناك غيرها ممن هو قديم في التبني والترافع انطلاقا من قناعاته الذاتية و بمحض جهوده الذاتية، ومثلهم من يستنتجون مما يجدون من القبول والنتائج المرضية أن القضية لو عولجت منذ البداية بالاختيار الأهلي والقبلي وهو اختيار مدني بدل الاختيار العسكري والمخزني الصرف ما تعقدت كل هذه التعقيدات؟؟، ثانيا، على المستوى الخارجي حيث ينبغي الترافع حول القضية لدى الدول وفي المحافل الدولية وعبر العالم الرقمي والأنشطة ذات البعد الدولي، بما يلزم ذلك من الوسائل والأدوات، فشباب كثير من الدول وقادتها وربما بعض المقررون الأمميون، لا يعرفون عن القضية شيئا أو مجرد بعض النتف المشوهة مما يروج له الانفصاليون؟؟.

لكن،يبقى السؤال، هل هذا المجتمع المدني مؤهل لكذا مهام وطنية وبهذه الأهمية والخطورة؟، أو على الأصح كيف يمكن أن نؤهله؟، وسؤال التأهيل هذا يستلزم منا:
حق المجتمع المدني في حصوله على المعلومة، لبناء ترافعه على رصد ورصيد علمي متين، فماذا يعرف المجتمع المدني من تاريخ تطور القضية وتعقدها، وماذا يعرف عن “غالي” و”كوفي” و”كيمون” و”بيكر”، ومخطط بيكر1 وبيكر2 وما تمخضت عنه الجولات الماراطونية لمفاوضات “مانهاست”..؟؟.

حق المجتمع المدني في إشراكه الحقيقي في مختلف الهيئات التدبيرية والتقريرية والاستشارية بشأن القضية،(المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية نموذجا)،وهو الذي من غرائبه و رغم ما يبدو من عطالته الآن، تسيطر عليه أجيال الشيوخ لتقرر وتشير في شؤون الأجيال الشابة، وقد تراكمت معه مشاكلها؟؟.

ضرورة محاربة التشتت والقبلية – على أهميتها – خاصة في المجتمع المدني الصحراوي، فكم الجمعيات وانتماؤها لا يغني عن كيفها وكفاءتها، وقيود القبلي والحزبي والسلطوي أو أي جهة أخرى داعمة، لا تتماسك مع حبال الحرية والمساواة والحقوق، وينبغي التعاون والتكامل بين الجميع بدل الصراع والاستفراد والتضارب؟؟.

اكتساب آليات الترافع بشتى أنواعه الداخلي والخارجي، ومختلف مهاراته في العالم الرقمي والمحافل والأنشطة الدولية، التي ينبغي أن يحضرها شبابنا بملف القضية المتكامل كما يحضر شباب العالم بملفاتهم؟؟.

التنشيط الثقافي والتربوي والفني والرياضي وتبادل الزيارات بين شباب الجمعيات المهتمة، لتقاسم التجارب والتعاون في ائتلافات وطنية وجهوية تجمعها حملات التحسيس و إبداعات الترافع وزيارات الاستطلاع، تتجاوز الموسمي السطحي إلى الاستراتيجي البناء، فلا يعقل – كما قال أحدهم – أن يدافع شباب عن منطقة لم تسبق لهم حتى زيارتها؟؟.

اعتماد “ماستر” للترافع حول القضية في الجامعة المغربية، وتعميق الشباب لبحثهم في تاريخ القضية ورجالاتها وتعقيداتها وتطوراتها وانعكاساتها ومآلاتها، مع إطلاق قطاعات حكومية لعروض مشاريع جمعوية هادفة في الموضوع، وفي مختلف المجالات التنموية والثقافية والاجتماعية والتواصلية والفنية والرياضية والسياحية وغيرها؟؟.

الجرأة في طرح السؤال الحارق ومناقشة المسلمات، وليس مجرد التوظيف الأرعن للتهليل والاسترزاق في ما هب ودب بشكل من الأشكال، وكلنا يتذكر بعض الأحزاب الوطنية التي كانت ترفض مقترح الاستفتاء وترفض الانسحاب من الاتحاد الإفريقي لتبين الأيام بعد ذلك صواببة مواقفها، والشيء بالشيء يذكر اليوم، في هذا الربط التعسفي بين القضية الوطنية والتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، وكأننا لم نكتشف وهم أمريكا الساحر فتحملنا كل تكاليف المسيرة الخضراء وتضحياتها الجسام لاسترجاع الصحراء وتنميتها، وكنا نظن أن التعاون على أمنها مع الأمم المتحدة هو ما يلزمنا، فكيف أصبحت تدخل الولايـــات المتحدة اليوم على الخط، وكيف تقايضنا في الموضوع بالتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، وموقف المغاربة واضح وراسخ، مع اعتراف كل الدول..الصحراء مغربية..والمغاربة ضد التطبيع؟؟.

ومن الأسئلة المناقشة اليوم كذاك وبحدة وإن في الكواليس السياسية والمجتمعية:
ظاهرة الريع والتهريب والاسترزاق والاتجار في المهاجرين الأفارقة عبر الصحراء إلى متى؟؟
المسألة الحقوقية والمتاجرة فيها بما قد يقع من التعسف السلطوي أو التمييع الانفصــــــالي؟؟

مناقشة خيرات الصحراء وعائد ذلك على ساكنتها، وما تزخر به الصحراء من الحياة الجماعية والمدنية والبرلمانية..، وكيف لم يجنبهم ذلك كل ذلك الريع والاسترزاق لمن يقعون فيه – ولا أعمم -، و كيف لم يمتعهم بكلية أو مستشفى جامعي في مستوى غيرها من جهات المملكة؟؟.

كيفية ومتى السعي إلى تحقيق الجوهر الحضاري للصحراء بكونها بيئة الأمن والسكينة، وحاضرة علمية رائدة وإشعاع دعوي وتجاري مع إفريقيـــا عبر التـــاريخ ؟؟.

ما مصير الجهوية الموسعة إذا كانت متعثرة كما في بعض جهات الداخل، كدرعة تافيلالت نموذجا، أو لم تضمن حق حرية التعبير والتجمعات وحق الانتماء وتأسيس الجمعيات والأحزاب الجهوية كما يراها انفصاليو الداخل، ممن لا يرون العيون رغم كل تمدنها الضخم،غير مجرد مخيمات إسمنتية ربما ؟؟.

مناقشة بدائل الحلول المطروحة، ومن بينها – كما يذهب إلى ذلك البعض – الحكم الذاتي والجهوية الموسعة، ما مصيرهما إذا لم يرضى بهما الانفصاليون، أو أفشلوهما كما أفشلوا حل تحديد الهوية و إجراء الاستفتـــــــاء ؟؟.

دور المنظمات والهيئات الدولية المتدخلة في الموضوع، من “المينورسو”/ الاتحاد الإفريقي/ فرنسا /الولايات المتحدة/ هيومن رايتس ووتش..، ما حدود كل هذه التدخلات ونحن نقول:” المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها”؟؟.

انخراط المجتمع المدني في الدفاع عن القضية الوطنية الأولى، أو على الأصح مزيد من الانخراط في ذلك، سيربطه أكثر بالهموم الوطنية بدل استنبات بعض المعارك الوهمية والمستوردة، وسيعزز الإجماع الوطني حول القضية حتى يقتنع العالم باستحالة المساس بهم وطني يحمله الشعب قبل الدولة؟؟، وأكيد أنه سيقنع العديد من الدول لسحب اعترافها بالدويلة المزعومة، ويقنع برلماناتها وهيئاتها المدنية بجدوى الحلول المغربية وبالتالي عدم جدوى الترويج والدعم لأطروحة الانفصاليين أو مساعدتهم السياسية والاجتماعية في الاستمرار في غيهم الذي لا يؤطره غير الفهم الواهم والرأي العليل؟؟، لكن، ذلك يحتاج إلى تنمية الثقة في المجتمع المدني وتبسيط قوانين عمله بدل الحذر منه والتضييق عليه، وكذلك ينبغي معاملة كل أطرافه على قدم المساواة من حيث المنح والشراكات و تراخيص الفضاءات العامة، وحق تنظيم التظاهرات الدولية، فالقضية تستوعب الجميع وتحتاج إلى جهود الجميع وتوحيد المقاربات، وخاصة وخاصة، إذا وسعنا النظر إلى اعتبار كل الطيف المدني الداخلي والخارجي بما في ذلك جمعيات المغاربة في دول المهجر وهيئاتهم التنظيمية والسفارات..، وهي التي تستطيع فعل الكثير الكثير في الموضوع بفعل القرب والمخالطة من الآخر الغربي والإفريقي وغيره، وسيكون فعلا مدنيا راشدا بقدر ما نستطيع ونحرص على استيعابها وتحفيزها وإيقاظ جذورها وحسها الوطني وهو موجود والحمد لله دفين وطافح وتعبر عنه غير ما مرة وبكل الأشكال؟؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *