ملف

“مملكة التناقضات”: أين يدرس أبناء النخبة المغربية؟ (ح 78)

مدرسة سيدتنا بيلار

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 78: أين يدرس أبناء النخبة المغربية؟

عندما عاد الاستقلال إلى المغرب في عام 1956، كانت المدارس الابتدائية والثانوية في البلاد تحت الإدارة الفرنسية تضم أكثر من 60,000 تلميذ والغالبية العظمى منهم من الفرنسيين أو الأوروبيين. وفي عام 1957 سمحت اتفاقية ثقافية وقعت بين فرنسا والمغرب للفرنسيين بالحفاظ على مؤسساتهم.

لقد التزمت فرنسا باستقبال المزيد من المغاربة وتدريب الطلاب المغاربة في مدارسها وجامعاتها الكبرى. وقد وضعت النخب المغربية، بما في ذلك النخب المنتمية إلى حزب الاستقلال، أطفالها في مؤسسات “البعثة” الثقافية الفرنسية.

والغريب أن ما يسمى “مدارس الراهبات” أي المدارس الكاثوليكية، سجلت حوالي خمسة عشر ألف تلميذ في عام 1956، وخاصة في المدارس الابتدائية التي حافظت على طابعها الفرنسي وما زالت هذه المدارس الموضوعة تحت خانة المدارس الخصوصية تمارس عملها في المغرب وتلاميذها من الأطفال المغاربة المسالمين في حين أن “الأخوات الراهبات” لم يعد لهن وجود في البلاد.

وقد سجلت مدارس البعثة الفرنسية ما يقرب من 16 ألف تلميذ في عام 2010، و85% منهم مغاربة أو فرنسيون-مغاربة من مزدوجي الجنسية.

وفي التعليم العالي، بلغ هذا الرقم 30 ألف مغربي في فرنسا في أعقاب الاستقلال، وهو رقم لم يتراجع قط على الرغم من وجود مجموعة كاملة من الجامعات والمدارس الكبرى في المغرب. هناك حوالي 40,000 طالب في عام 2017. وفي الستينات والسبعينات، كان التعليم في المدارس الفرنسية مجانياً، وكان على مستوى قريب جداً من المؤسسات المغربية.

ولكن منذ تعريب التعليم في مطلع الثمانينات، أصبح الضغط على المؤسسات الفرنسية هائلا: فالنخب المغربية تتهرب من المؤسسات العمومية لتسجيل أطفالها في المدارس الفرنسية المؤدى عنها، وهو أمر مكلف للغاية وفي غياب المقاعد فتحت الآلاف من المدارس الخاصة الناطقة بالفرنسية، في إطار الائتلاف الفرنسي أو البعثة العلمانية أو البعثات الإسبانية أو الإنجليزية (14٪ من التلاميذ في عام 2019). وبدلاً من إصلاح المدرسة الوطنية في محاولة لتحقيق التميز المنشود، تختار النخب المغربية التعليم الخاص.

ومن النتائج المباشرة لذلك الالتحاق الجماعي لأبناء النخبة المغربية بالخارج: في عام 2018، بلغ عدد الطلاب المغاربة 60 ألفا معظمهم في فرنسا، و15 ألفاً في إسبانيا وألمانيا وإيطاليا و من بين مئات الآلاف من الطلاب المغاربة، كم عدد الذين غادروا بلادهم بشكل دائم؟

لقد استغرق المغرب وقتا طويلا ليدرك معنى الرهان في هذا المجال كان الطلبة في الستينات والسبعينات يعودون إلى بلادهم لكن أزمة الثمانينات غيرت الحماسة السابقة… وبعد عشر سنوات، بدى من الواجب النداء على الأطر المغربية في الخارج وخلق الجمعيات للإشراف على أفراد الجالية المثقفة في الخارج وتأطيرهم.

المغرب يتأرجح الآن بين إغراء رؤية نخبة تلمع وتثري نفسها في الخارج، بعيداً عن المشاكل والتهديدات الداخلية، على أمل الحصول على نتائج إيجابية، والخوف من أن الرحيل المفرط للأطر سيجعل التنمية التي طال انتظارها في البلاد عملية مستحيلة وهذه المعضلة القاسية يجسدها القطاع الطبي: يوجد 7000 طبيب مغربي يمارسون المهنة في فرنسا، في حين أن بلادهم لا توظف سوى 25,000!

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • منذ سنة واحدة

    M.VERMEREN qui enseignait au lycée Descartes de Rabat se livre à des analyses jugées superficielles par des chercheurs marocains qu'ils soient économistes, historiens, sociologues ou politistes