اقتصاد، مجتمع

“تحديد أسعار الأدوية” يكلف المغاربة 360 مليار سنتيم ويرفع أرباح مستوردي الدواء

كلف المرسوم رقم 2-13-852 المتعلق بشروط وطرق تحديد أسعار بيع الأدوية المصنعة محليا أو المستوردة جيوب المغاربة ما يزيد عن 3.6 ملايير درهم (360 مليار سنتيم) خلال الفترة ما بين 2014 و 2020، أي منذ دخول المرسوم حيز التنفيذ.

كما أن المرسوم وبفعل الامتياز الذي منح لمستوردي الأدوية عبر هامش 10 في المائة، عمق من عجز الميزان التجاري الدوائي المغربي إلى نحو 6 ملايير درهم.

 3.6 ملايير تحملات إضافية للمرضى وهيئات التأمين

بحسب دراسة أنجزها الخبير ومحلل الأسواق الصيدلية، عبد المجيد بلعيش، فإن إنفاق المرضى المرتبط بشراء الأدوية خلال الفترة 2014-2020 ، كان الهامش الإضافي المحدد  10 في المائة الممنوح للمستوردين، مصدرا لزيادة أسعار البيع للعموم للأدوية المستوردة، وأدت هذه الزيادات في الأسعار إلى زيادات في إنفاق المرضى لشراء الأدوية، حيث بلغ الإنفاق التراكمي خلال الفترة 2014-2020 الى 123,6 مليار درهم عوض 119,9 مليار درهم في حال لم يتم  إقرار هذا الهامش.

وأوضحت الدراسة أن الخسارة بالنسبة للمرضى والهيئات المدبرة للتأمين الصحي وصلت إلى 3 مليار و675 مليون درهم مند تطبيق مرسوم تحديد أسعار الأدوية،مشيرة إلى أن الهدف الأول لمرسوم تحديد الأسعار كان هو جعل الأدوية أكثر ولوجية بالنسبة للمرضى وخاصة الأدوية المرتفعة الأسعار، غير أن المرسوم كان له تأثير عكسي بسبب منحه هامشا إضافيا للمستوردين، كما كان له تأثير كبير على أسعار الأدوية المستوردة.

عجز الميزان التجاري الدوائي

بالإضافة إلى ذلك، أكدت الدراسة أن المرسوم المذكور، كان له أثر سلبي على الميزان التجاري الدوائي، بحيث يعتبر هامش 10 في المائة للموردين “مكافأة” أو علاوة عند الاستيراد.

وهكذا، كانت عواقب إضافة الهامش الإضافي بنسبة 10 في المائة للمستوردين ثقيلة على الاقتصاد الوطني، حيث بلغت الواردات الدوائية إلى 7,3 مليار درهم عكس الصادرات التي لم تتجاوز 1,3 مليار درهم مما فاقم عجز الميزان التجاري الدوائي إلى 6 مليار درهم، مسجلا أقوى هبوط مند 2011.

وأبرز المصدر ذاته، أن قيمة أنواع الأدوية التي يمكن صناعتها محليا تمثل نصف قيمة الأدوية المستوردة. وأكد أنه لو كانت تلك الأدوية مصنعة محليا لكان بالإمكان تخفيض الواردات بقيمة 3,6 مليار درهم أي توفير حصة مهمة العملة الصعبة مع تحويل نصف الواردات إلى صناعة محلية توفر الكثير من فرص العمل والقيمة المضافة الصناعية المحلية.

واعتبرت الدراسة أن هذا التوجه، يشكل قطيعة مع السياسيات الحكومية سابقا، والتي كانت تهدف تعزيز مزيد من التصنيع في البلاد بشكل عام وتطوير التصنيع المحلي للأدوية بشكل خاص. وأضافت أن  القرارات الملكية والحكومية سعت دائما إلى حصر واردات الأدوية في الحد الأدنى الضروري، أي الأدوية التي يكون تصنيعها معقدا جدا أو تلك التي لا تستطيع أحجام استهلاكها المنخفضة تبرير الاستثمارات الصناعية الثقيلة اللازمة لتصنيعها.

دعوة إلى مراجعة المرسوم

كان الهدف الأول لمرسوم تحديد الأسعار الذي نشر في سنة 2013، هو تأطير أفضل لأسعار الأدوية من أجل تحسين الولوجية للعلاجات. وكان لإقحام هامش الاستيراد الإضافي، آثار عكسية تتعارض مع الأهداف المنشودة، وفق ما جاء في الدراسة.

وعلى هذا الأساس، دعت إلى مراجعة المرسوم وتصحيحه وإلغاء الهامش الإضافي الممنوح للمستوردين. و أشارت الدراسة في الوقت نفسه، إلى أن هذا المرسوم يطرح مشاكل أخرى تستحق الوقوف عندها  وتصحيحها. ويشكل صدور هذا المرسوم في أواخر عام 2013 دون دراسته والموافقة عليه من طرف مجلس المنافسة، انتهاكا لقانون حرية الأسعار والمنافسة.

وبالإضافة إلى ذلك تؤكد الدراسة، فإن هذا الهامش الإضافي يشكل رسالة سيئة مرسلة إلى لمصنعي الأدوية. والذي من المفروض أن يصنعوا قدر الإمكان بدلا من اللجوء إلى الحل السهل المتمثل في اللجوء إلى الواردات. ودعت الدراسة  مديرية الدواء والصيدلة،  إلى التأكد قبل منح أي رخصة للتسويق A.M.M.  عبر الاستيراد، من أن الدواء المعني بالأمر لا يمكن إنتاجه تقنيا في المغرب أو أن حجم استهلاكه المنخفض لا يمكن أن يبرر استثمارات صناعية إضافية.

مزايا واختلالات

في دجنبر 2013 نُشر في الجريدة الرسمية المرسوم رقم 2-13-852 المتعلق بشروط وطرق تحديد أسعار بيع الأدوية المصنعة محليًا أو المستوردة، حيث اقترح المرسوم نظاما جديدا لتسعير الأدوية.

ويهدف هذا النظام إلى مراقبة أسعار الأدوية بشكل أفضل لجعلها أكثر ولوجية بالنسبة للمرضى. حيث تقرر اختيار أدنى سعر للمصنع بدون احتساب الرسوم أو (P.F.H.T.) لكل دواء أولي، مقارنة مع 6 إلى 7 دول (فرنسا وبلجيكا والبرتغال وإسبانيا وتركيا والمملكة العربية السعودية وبلد منشأ الدواء)، أما بالنسبة للدواء الجنيس، فيتم الحصول على السعر المرجعي عن طريق خفض سعر الدواء الأولي، وفقًا للشروط التي حددها المرسوم الجديد. ويتم تحديد سعر البيع للعموم أو P.V.V.  ابتداء من سعر المصنع بدون احتساب الرسوم مع زيادة هوامش الصيادلة والموزعين والرسوم. وتم نشر قائمة أسعار البيع للعموم في أبريل 2014، وأصبحت الأسعار الجديدة سارية المفعول اعتبارًا من شهر يونيو من نفس السنة.

ورغم أن لنظام التسعير الجديد العديد من المزايا مقارنة مع النظام القديم إلا أنه يتضمن أيضا على العديد من الاختلالات. حيث وردت الفصل 4 من المرسوم فقرة تقول “بالنسبة للأدوية المستوردة، فإن سعر المصنع بدون احتساب الرسوم أو P.F.H.T. المحدد، يضاف إليه نسبة 10 في المائة تغطي “هامش المستورد” وتكاليف المناولة والرسوم الجمركية “.

والواقع أن الفقرة المذكورة في الفصل 4، وفق الدراسة ، منحت “علاوة” للمستوردين على حساب الاستثمار في وحدات صناعية دوائية تؤمن تزويد المغرب بالأدوية وتخلق فرص العمل مع توفير العملة الصعبة.

وتساءلت الدراسة: لماذا أعطي هامش إضافي، بحجة تغطية “هامش المستورد” ورسوم المناولة والرسوم الجمركية؟ في حين أن الشركات المصنعة المحلية تؤذي نفس رسوم المناولة والرسوم الجمركية للحصول على الآلات والمعدات الصناعية والمواد الأولية وغير،  بينما يتم تضمين هوامشها فعليا في سعر البيع العمومي دون إضافة أي هامش أخر وغالبًا ما يكون سعر الأدوية المصنعة محليا أقل بكثير من سعر الأدوية المستوردة وخاصة في حالة الأدوية الجنيسة التي تنخفض أسعارها بكثير بالنسبة للأدوية الأولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *