حوارات، مجتمع، مغاربة العالم

أشرف.. طبيب مغربي ينقذ مرضى “كورونا” بـ”الإخلاء الطبي” في أزيد من 100 دولة (حوار)

طبيب مغربي يمارس الإخلاء الطبي بأزيد من 100 دولة لإنقاذ مرضى كورونا

في الوقت الذي يعبر فيه وباء “كورونا” الحدود دون جواز سفر، فإن أشرف سكري، وهو طبيب مغربي شاب مقيم بالعاصمة الفرنسية باريس، يعبر الحدود بدوره، لكن من أجل مواجهة الفيروس الخبيث الذي غيَّر طبيعة الحياة على سطح الأرض.

الطبيب المغربي الذي لا يتعدى عمره 30 ربيعا، قرر منذ بداية ظهور كورونا، تحدي هذا الوباء من أجل إنقاذ أرواح مرضى “كوفيد 19” الذين يوجدون في وضعية صعبة بالدول الفقيرة أو التي تعيش صراعات وحروب، وذلك عبر عمليات الإخلاء الطبي الجوي بين الدول.

فالإخلاء الطبي الجوي، يعتبره أشرف “أحد الحلول، إن لم يكن الحل الوحيد، أمام الأفارقة جنوب الصحراء الباحثين عن رعاية طبية أفضل من تلك التي تقدمها حكوماتهم”، مشيرا إلى أنه يشرف على نقل هؤلاء المرضى إلى دول مغاربية كتونس والمغرب، أو فرنسا ودول أوروبية أخرى.

في هذا الحوار الذي أجرته معه جريدة “العمق”، يكشف أشرف سكري تفاصيل تدخلاته في الإخلاء الطبي الجوي التي شملت ما يقارب 140 مريضا من أزيد من 100 دولة عبر العالم، أغلبهم في إفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط.

يقول سكري لـ”العمق”: “منذ ما يناهز السنة، أحاول قدر المستطاع تسخير الخبرة المغربية في مجال الإخلاء الطبي، تخفيفًا لمعاناة مرضى القارة الأفريقية، كوني أولا وقبل كل شيء طبيب مغربي”.

1) بداية.. من هو أشرف سكري؟

أشرف سكري، طبيب مغربي شاب يبلغ من العمر ثلاثين سنة، ابن مدينة المحمدية، متزوج وأب لطفل، مقيم بالديار الفرنسية وليد المدرسة العمومية المغربية وخريج كلية الطب والصيدلة بالبيضاء، حاصل على دبلوم جامعي من باريس في طب الفضاء والطيران الذي يعتبر أحد تخصصات الطب المهني (الوظيفي).

أشغل حاليا، ومنذ ما يناهز ثلاث سنوات، منصب مدير طبي بأحد أكبر الشركات الفرنسية المتخصصة في السياحة العلاجية والإخلاء الطبي، ناهيك عن وظيفتي كطبيب استشاري للسفارة الكويتية في باريس.

أشرف سكري .. طبيب مغربي في الإخلاء الطبي

2) تقوم بعملية الإخلاء الطبي لإسعاف مرضى “كوفيد 19” في عدد من دول العالم منذ أزيد من سنة.. كيف جاءت فكرة الانخراط في هذه التجربة؟

بالفعل منذ بداية الجائحة، قمت تقريبا بإخلاء ما يقارب 140 مريضا ومريضة من كافة أرجاء المعمورة، وبالخصوص من إفريقيا جنوب الصحراء. فالوباء يعبر الحدود دون جواز سفر ويدمر اقتصادات دول كانت في الأمس القريب محصنة لأقصى الدرجات بدون حسيب ولا رقيب.

وإن كانت دول الغرب المشهود لها بكفاءة أطبائها ونجاعة أنظمتها الصحية تعاني الأمرين أمام فيروس كورونا القاتل، فمعاناة دول العالم الثالث وبالأخص في إفريقيا جنوب الصحراء في ازدياد مضطهد، ويظهر ذلك يظهر جليا للقاصي والداني من خلال ندرة الأطقم الطبية وخصاص المعدات التي تجعل معدل إصابات الداء في القارة السمراء في تزايد مهول.

هذا الأمر جعلني أسخر خبرتي في الإسعاف الجوي في خدمة مرضى القارة التي أنتمي لها أولا، ولكي أؤكد أن الطب قبل كل شيء نبل وعطاء وتقديم للعون لمن هو في حاجة لذلك، ولنا في قسم الطبيب خير مثال في ذلك.

3) عرفنا على عمل “الإخلاء الطبي”.. كيف يكون ومن يقوم به ومن يستفيد منه؟

الإخلاء الطبي يمكن اختزاله في التحرك في الوقت المناسب وبكفاءة عالية لتنفيذ عملية نقل جوي أو بري بوسائل سريعة وفعّاله، لنقل الأشخاص المرضى، والتي تتطلب حالتهم رعاية طبية عاجلة في منشأة مجهزة بشكل أفضل، وذلك باستخدام سيارات مجهزة طبياً أو طائرات إسعاف جوي، يكون على متنها طبيب متخصص في التخدير والإنعاش، طب المستعجلات أو طبيب عام حاصل على كفاءة علمية في المجال.

أشرف سكري .. طبيب مغربي في الإخلاء الطبي

4) هل يمكن لأي شخص طلب الإخلاء الطبي أم فقط الحالات الخطيرة ووفق شروط معينة للدول المستقبلة لتلك الحالات؟

يخص الإخلاء الطبي الحالات الحرجة بالخصوص والتي تتطلب رعاية طبية أكثر دقة، وفي الحالة الراهنة التي نعيشها، أي وباء كورونا، يخص الإخلاء غالبا مرضى الإنعاش، وذلك عبر تنظيم سفر طبي يكون في غالبية الأوقات في ظرف عاجل من إفريقيا جنوب الصحراء صوب بعض الدول المغاربية كتونس والمغرب، أو إلى فرنسا ودول أوروبية أخرى لمن يمكنه تسديد نفقات الإسعاف الجوي لتلك الدول التي تحاول تمثيلياتها الديبلوماسية بإفريقيا تدليل عقبات الحصول على تأشيرات دخولها عندما يتعلق الأمر بحياة إنسان ينخرها فيروس “SARS COV 2” اللعين.

5) احكي لنا عن تجربتك في الإخلاء الطبي لمرضى كورونا.. والدول التي عملت فيها.

إلى حدود كتابة أسطر هذا الحوار قمت بزيارة 101 دولة، حيث كانت أغلب الزيارات تخص إسعاف أحد المرضى، وطبعا إخلاء مرضى كورونا يعتبر ذو خصوصية معينة نظرا لأنه يجب إيصال المريض في أحسن الظروف إلى وجهته النهائية بالإضافة إلى مراعاة جانب الوقاية للطبيب المرافق وطاقم الرحلة عبر اصطحاب الألبسة الواقية والكمامات والتعقيم المستمر للطائرة وعزل المريض أثناء السفر الطبي.

وإن كانت أغلب بلدان تدخلنا تخص إفريقيا، كالسنغال وغينيا والنيجر ومالي والبنين وساحل العاج والكونغو ونيجيريا، فذلك لا يمنعنا من الذهاب إلى مناطق صراع وحروب كاليمن وأفغانستان وباكستان وغيرها، وذلك فقط لخدمة الإنسانية وتعميم الرعاية الطبية لكافة المرضى.

6) ما هي مهتمك بالضبط في الإخلاء الطبي؟ 

مهمتي طبعا هي إيصال المريض في أحسن الظروف الطبية انطلاقا من مشفى المغادرة إلى غاية وصوله إلى مشفى الاستقبال، ويمر ذلك عبر تسخير الخدمات الأرضية من سيارات إسعاف مجهزة بالأوكسجين ومعدات الإنعاش، مرورا بالتأكد من استقرار الحالة في الاجواء بالنظر إلى أن شروط الإنعاش بين الأرض وعلى ارتفاع يفوق في كثير من الأحيان الثلاثين ألف قدم تختلف كثيرا، وطبعا تنتهي المهمة عندما يتم إيصال المريض لمشفى الوصول وتبادل التقارير الطبية والإرشادات مع الطبيب المعالج.

أشرف سكري .. طبيب مغربي في الإخلاء الطبي

7) هل واجهت مواقف صعبة أو خطيرة أو حتى طريفة خلال عمليات الإخلاء الطبي؟ 

طبعا هناك صعوبات تواجهنا وفي بعض الأحيان بعض الطرائف، وإن كانت الصعوبات تتمحور بالأساس في حاجة مرضى كورونا لكميات كبيرة جدا من الأوكسجين الطبي، يكون الطبيب المرافق بين مطرقة الحاجة الماسة لهذه المادة الحيوية وسندان شروط السلامة الجوية التي تشترط كميات محدودة، ولكن الألطاف الإلهية ولله الحمد تحمينا دائما.

لا أتذكر أنني فقدت أي مريض في الأجواء، ولكنني لن أنسى أبدا إحدى الإخلاءات التي قادتني إلى مدينة عدن اليمنية حيث تعرض الفندق الذي نزلنا به لهجوم صاروخي من طرف جماعة “الحوثيين”، وذلك في اليوم الموالي لمغادرتنا اليمن الذي صار للأسف تعيسا بعد أن كان اليمن السعيد، يمن حضارة سبأ.

8 ) انخراطك في الإخلاء الطبي هل تعتبره عملا تطوعيا أم عملا مهنيا؟

عملي في الإخلاء الطبي يدخل في إطار وظيفي محض، ولكن في الكثير من الأحيان تكون الجهة التي تتكلف ماديا بكلفة الإسعاف الجوي إحدى الجمعيات الخيرية أو منظمة الأمم المتحدة، وفي بعض الأحيان التأمينات الخاصة وجهات مانحة، وقلة قليلة يكون المريض هو من يتكلف شخصيا بالكلفة.

وعندما يخص الأمر إجلاء مريض مغربي من مطارات فاس، وجدة، الرباط، البيضاء، مراكش، أكادير وغيرها، فالحس الوطني وحب المغرب يجبرني على أن أتخلى عن واجباتي المادية.

أشرف سكري .. طبيب مغربي في الإخلاء الطبي

9) على ذكر المغرب.. نشطت في السنوات الأخيرة عمليات الإخلاء الطبي الجوي التي تقوم بها وزارة الصحة لبعض الحالات الخطيرة في مناطق بعيدة أو نائية.. كيف تقيم تجربة المغرب في هذا الصدد؟

تجربة المغرب في الإسعاف الجوي تعتبر جد مثالية في دول الجوار وبالخصوص في إفريقيا، وتعتمد في الغالب على تسخير طائرات الهيليكوبتر بالخصوص في المناطق الجبلية النائية صوب المشافي الجامعية للمملكة، ويدخل ذلك في إطار برنامج وطني تقوده وزارة الصحة تبعا للتعليمات السامية للسدة العالية بالله الملك محمد السادس سدد الله خطاه ونصره لما فيه خير للمواطن المغربي.

وإننا نتابع هذه التجربة عن قرب ونشجعها ونؤكد استعدادنا ككفاءات مغربية مستقرة بالمهجر لبذل الغالي والنفيس لتقوية مناعة نظامنا الصحي الوطني.

10) هل ترى أنه من الضروري تطوير عملية الإسعاف الجوي بالمغرب وترسخيه كثقافة طبية لدى المسؤولين والمجتمع على حد السواء؟

بكل تأكيد، فالطبيعة الجغرافية للمغرب ووعورة تضاريسه، ومع الأسف أمام التباين في الخدمات الطبية بين الجهات، يعتبر الإسعاف الجوي بمثابة حجر زاوية لتمكين المواطن المغربي من رعاية صحية ذات جودة كما ينص على ذلك دستور البلاد.

أشرف سكري .. طبيب مغربي في الإخلاء الطبي

11) كلمة أخيرة توجهها للمغاربة بخصوص فيروس كورونا وعملية التلقيح..

بخصوص الجائحة، أولا أدعو الله العلي القدير أن يرفع هنا هذا الوباء لكي تعود الحياة لما كانت عليه قبل شهر بداية الجاحة، وأناشد جميع فئات المجتمع المغربي الالتزام بوصايا وزارة الصحة عبر تطبيق كافة الإجراءات الاحترازية من تباعد اجتماعي ولبس الكمامة الواقية وغسل اليدين بانتظام.

كما أدعوا كل المغاربة من طنجة العالية إلى الكويرة الغالية، للتسجيل في الحملة الوطنية للتلقيح التي ستمكننا من الوصول لمناعة جماعية تفوق 80 بالمئة، وذلك لكي نتغلب على هذا الفيروس اللعين الذي غيَّب الكثير من الأحباب والأصدقاء، وشخصيا سأقوم باللقاح في باريس بداية الأسبوع القادم بإذن الله.

أشرف سكري .. طبيب مغربي في الإخلاء الطبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *