وجهة نظر

آن الأوان… لتخصيص “كوطا” لذوي الإعاقة في مجالس المنتخبة

عرف المغرب في الأشهر الأخيرة جدلا ونقاشا واسعين حول تعديل قانون تنظيم الاستحقاقات الانتخابية 2021، مما دفع بوزارة الداخلية لعقد عدة لقاءات ومشاورات مع الأحزاب السياسية الذين تقدموا بمقترحاتهم لوزارة الداخلية بشأن تعديل هذه المدونة.

وتقدمت مجموعة من الأحزاب السياسية المغربية،سواء التي تحظى بتمثيل داخل البرلمان أو غيرها من الأحزاب غير الممثلة، بمذكرات تتضمن مجموعة من المقترحات بشأن الاستحقاقات المقبلة والقوانين المؤطرة لها المتعلقة بتعديل قانون تنظيم الاستحقاقات الانتخابية 2021، واختلفت المطالب بين الأحزاب، حيث اتفقت في بعض هذه المطالب وتعارضت في أمور أخرى، وطفت على السطح مطالب بتخفيض عتبة الاستحقاق وإلغائها، والعودة إلى النظام الفردي كنمط من الاقتراع بدل اللائحي وتدبير الزمن الانتخابي، وكذلك الدعم العمومي ومشاركة مغاربة الخارج، وارتفاع عدد مقاعد البرلمان، وتقدمت الأحزاب السياسية مع مطالب إلغاء اللائحة الوطنية للشباب وإضافتها إلى لائحةالنساء وتكون جهوية، وبينما اقترحت بعض الأحزاب السياسية إحداث لائحة ثالثة تسمى “لائحة الأطر والكفاءات” مع تخصيص “كوطا” تضمن ولوج “شيوخ” الأحزاب إلى قبة البرلمان.

و في جملة هذه المقترحات الأحزاب السياسية التي قدمت إلى وزارة الداخلية، غاب فيها مقترح جد مهم إن صح القول من بين المطالب الأكثر أهمية في الوقت الراهن وهو “كوطا” للأشخاص ذوي الإعاقة ومن ثم تطبيق عدة مبادئ دستورية التي كرسها الدستور المغربي سنة 2011 أهمها الديمقراطية التشاركية ومبدأ المساواة وتحقيق المناصفة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع، نتساءل هنا عن السؤال الذي يطرح نفسه أين هو موقع أو مكانة هذه الشريحة من المجتمع “الأشخاص ذوي الإعاقة” باعتبارهم جزءا من هذه الوطن أليسوا هم أيضاً مواطنين مغاربة يمتلكون كامل الحق في الانخراط داخل المؤسسة الانتخابية وتمثيل؟

والواقع يبين للجميع أن مجلس النواب يضم 395 نائبا، نساء ورجال، شيوخ وشباب، ويعلم الجميع أن المشهد يخلو من أي تمثيلية لفئة ذوي الإعاقة، والتي ظلمتها القوانين التأطيرية بعدم فرض نظام “الكوطا” كما هو الشأن بالنسبة لباقي الفئات، ورغم أن هذه الفئة تشكل أزيد من مليونين وألفي شخص أي 6,8 في المائة من الساكنة المغاربة، هو عدد لا يستهان به وأنه من ضمنهم من يملك كفاءات عالية في مجالات مختلفة، وإن الأشخاص ذوي الإعاقة هم جزء من المجتمع وأثبتوا حضورهم وتمثيليتهم في شتى المجالات الرياضية والثقافية والفنية وغيرها من المجالات الأخرى، بينما تغيب ذلك في اللوائح الانتخابية، نظرا لعدم توفير نسبة لهم تجبر الأحزاب دمجهم في اللوائح الانتخابية وإشراكهم في إعداد البرامج والمخططات والبرامج الحزبية والبرلمانية.

وكما جاء في الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المادة (29) الفقرة (ب) حيث تنص بوضوح على: أن تعمل الدول الأطراف على نحو فعال من أجل تهيئة بيئة يتسنى فيها للأشخاص ذوي الإعاقة أن يشاركوا مشاركة فعلية وكاملة في تسيير الشؤون العامة، دون التمييز وعلى قدم المساواة مع الآخرين، وأن تشجيع مشاركتهم في الشؤون العامة، بما في ذلك المشاركة في المنظمات والرابطات غير الحكومية المعنية بحياة البلد العامة والسياسية، وبما في ذلك الأنشطة التي تهم الأحزاب السياسية وإدارة شؤونها، وإنشاء منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة والانضمام إليها كي تتولى تمثيلهم على كل من الصعيد الدولي والوطني والإقليمي والمحلي.

إن هذه الفئة تعيش وضعية مزرية وصعبة، ولكنها قاومت بكل ما يمكن و بعزم ظلم المجتمع والمؤسسات على حد سواء وتحدت ظروفها الصحية والاجتماعية والاقتصادية، عن طريق نضالها من أجل البقاء والعيش، بحيث استطاعت هذه الشريحة من المجتمع الخروج من البيوت إلى المدارس والجامعات والحصول على عدة شواهد، وليس فقط شهادة واحدة، بل هي شواهد متعددة في تخصصات متعددة ثم إلى العمل والتعبير عن أفكارهم وعن قدراتهم بمختلف مجالاته، ولابد من أن نعي ونقر بوجود شريحة اجتماعية قادرة على بذل الجهد والعطاء والمساهمة الفعلية في تنمية الوطن، وهي فئة تمتلك من الكفاءة ما لا يستهان بيه ومن الإرادة مستويات عالية، وبذلك هم قادرون على تمثيل انفسهم دون الحاجة إلى وصاية من جهات أخرى وهم الفئة الأكثر وعيا ومعرفة بالمشاكل والقضايا التي يعيشها جزء كبير من الأشخاص ذوي الإعاقة، وبالتالي هم الأشخاص الأنسب الذين لهم الصفة في تمثيل هذه الفئة داخل قبة البرلمان والمجالس المنتخبة.

وفي هذا الصدد فقد حان الوقت لدعم الديمقراطية التمثيلية لهذه الفئة من المواطنين بوضع تخصيص من “كوطا” لهؤلاء الأشخاص داخل المجالس المنتخبة سواء جماعية، إقليمية، جهوية، أو برلمانية، وكذلك الغرف المهنية وأن يكون لهم دور فاعل في المشهد السياسي، والمغرب ليس الدولة الأولى في هذا الشأن فهناك عدة دول مجاورة لها نفس الشأن في إدماج هذه الفئة من ذوي الإعاقة في المشاركة السياسية ومثال على ذلك دول عربية كمصر تونس وفي دول أوروبية أيضا الجارة الإسبانية حيث نجد ”بابلو إيشينيك روبا” عضو في البرلمان الإسباني عن حزب “بوديموس”.

وبما أن الدستور المغربي2011 نص على الديمقراطية التشاركية والقانون التنظيمي رقم 44.14 وهذا يعطينا الحق في إعداد لجنة خاصة تشرف على عريضة تتضمن 5000 توقيع هدفها تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من “كوطا” بشكل قانوني بتمثيلية في المجالس المنتخبة.

ولهذا نطلب من المجتمع المدني والفاعلين السياسيين والأحزاب السياسية وكل من يؤمن بحق الأشخاص في وضعية إعاقة من طنجة إلى الݣويرة أن تدعم توقيع هذه العريضة وأن يصل إلى أكثر من 5000 توقيع من أجل تقديم هذه العريضة إلى اللجنة الحكومية لتشرف على إعطاء القرار النهائي في حق هذه الشريحة من المجتمع.

ندعو الجميع إلى الوعي بالمسؤولية والمساهمة في ازدهار البلد، كل من موقعه، وكفى من اللامسوؤلية، وكفى من سياسة الآذان الصماء أمام نداء الوطن وحقوق مواطنيها، فالمغرب بحاجة لسياسة عادلة أمام مواطنيه وشعبه ونحن نحتاجه بلدا تحكمه الديمقراطية والمساواة بين جميع الفئات.

ورسالتنا اليوم باسمي واسم كل هذه الفئات التي تعاني في صمت إلى الأحزاب السياسية هي رسالة عتاب، ودعوتهم إلى المراجعة العميقة فيما يخص شأن الأشخاص ذوي الإعاقة وطاقتهم المبددة دون الاستفادة والإفادة الحقيقية، ويجب على الأحزاب أن تفتح مجالا كبيراً لهذه الشريحة، والعمل على ضمان المساواة والعدل وحفظ كرامة هذه الفئة، لأن تقدم الشعوب يكون بتقدم درجة الوعي وتقبل الآخر والدعوة إلى الإبداع والابتكار والتجديد والاختلاف لا يفسد للود قضية.

وأما رسالتنا للمواطن فهي رسالة عطرة مليئة بتحيات التقدير والامتنان، لأن المواطن هو من يحفزنا ويدعمنا ويجعلنا نواصل المسير في درب الأمل فالوطن يحتاجنا ونحن نحتاج إليه، فيغدو الوطن نقيا صافياكسماء يوليوز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *