منوعات

إليك الطقوس السرية لمنظمة المتنورين

كيف تمكّن أستاذ بافاري الألماني من إنشاء مجموعة من شأنها أن تكون مركزاً لنظريات المؤامرة لمدة عقدين من الزمن؟

لو علم المفكر الألماني آدم فايسهاوبت أن أفكاره ستكون في يوم من الأيام منبعاً لنظريات المؤامرة، وملهمةً للروايات الأكثر مبيعاً، والأفلام الرائجة، لصُدم.

وبحسب “ناشيونال جيوغرافيك”، فوجئ أبناء وطنه لما اكتشفوا أن خلف هذا المظهر المحترم للأستاذ ذي الـ36 عاماً، هناك عدو خطير للدولة، وكانت تُشكّل منظمته السرية “المتنوّرين” تهديداً للمجتمع.

وُلد آدم في إنغولشتات، وتقع هذه المدينة في بافاريا وهو من نسل اليهود الذين تحولوا إلى المسيحية، تيتَّم في سن مبكرة، وتكفّل عمه بتعليمه، وأدخله إلى المدرسة اليسوعية.

وبعد أن أنهى دراسته، أصبح وايسهاوبت أستاذاً للقانون الكنسي في جامعة إنغولشتات، وتزوج وأنشأ عائلة.

في الظاهر، كانت مهنته تقليدية إلى أن علِمت ولاية بافاريا في عام 1784 أفكاره الخطيرة.

طقوس سرية وتفاصيل خاصة

الماسونية الحرة كان لها، شأنها شأن العديد من المنظمات السرية، طقوس افتتاحية.

كشفت وثائق سرية، استولت عليها السلطات البافارية، تفاصيل مثيرة حول طقوس المتنوّرين، فمثلاً كان يجب على المبتدئ لكي ينتقل إلى رتبة أعلى، “مينرفال” (المينرفال نسبة إلى آلهة الحكمة الرومانية، وتعكس المينرفا هدف النظام لنشر المعرفة الحقيقية، أو التنوير بشأن كيف يمكن إعادة تشكيل الدولة)، على سبيل المثال: أن يقدم تقريراً مفصلاً عن الكتب التي يملكها، وهوية أعدائه، ونقاط ضعفه، وعند بدء اعتباره عضواً، يُقسم أنه سيضحي بكل مصالحه الشخصية من أجل مصلحة المنظمة.

إذا أمعنا النظر في نشأته، نجد أن وايسهاوبت كان ذا عقل دائم التفكير، فقد كان قارئاً نهماً في صغره؛ إذْ كان يقرأ أحدث كتب فلاسفة التنوير التي كانت في مكتبة عمه، وكانت بافاريا آنذاك محافِظة جداً وكاثوليكية، ولم يكن وايسهاوبت الوحيد الذي يرى أن النظام الملكي والكنيسة يقمعان حرية الفكر.

من خلال إيمانه بأن الأفكار الدينية لم تعد ملائمة لحكم المجتمعات الحديثة، قرر أن يجد شكلاً جديداً للتنوير، ومجموعة من الأفكار التي يمكن أن تُطبق من أجل التغيير الجذري لطريقة حكم الدول الأوروبية.

كانت الماسونية الحرة تنتشر بثبات في أوروبا، مقدمةً بدائل مغرية للمفكرين الأحرار، فكر وايسهاوبت في البداية في الانضمام إلى المحفل الماسوني، لكن خاب أمله في العديد من الأفكار الماسونية الحرة، وأصبح منغمساً في الكتب التي تتناول المواضيع التي تقتصر على فئة معينة، مثل أسرار الحكماء السبعة لممفيس وكابالا، وقرر إنشاء منظمة سرية بنفسه.

منظمة الأسرار

ويقول وايسهاوبت إنه لم يكن ضد الدين في حد ذاته وإنما الطريقة التي كان يُمارس بها والتي بها فُرض.
وكتب أن أفكاره قدّمت فرصة للتحرر من جميع التحيزات الدينية، وزرعت الفضائل الاجتماعية، وأحيتها من خلال منظور رائع وعملي وسريع للسعادة العالمية.

ومن أجل تحقيق هذا، كان من الضروري إنشاء منظمة للحرية والمساواة الأخلاقية، للتحرر من عقبات التبعية.

كان أول لقاء للمتنورين في أول مايو/أيار 1776 بغابة قرب إنغولشتادت من أجل تأسيس النظام. وهناك أسسوا القواعد التي كان يحكم بها النظام، وكان مطلوباً من كل المرشحين الجدد أن يكون لهم سمعة قوية وعلاقات عائلية واجتماعية جيدة، من أجل الحصول على موافقة الأعضاء، وكذلك أن يكونوا من ذوي ثروة.

في البداية، كان لنظام الأعضاء 3 درجات، المبتدئين، والمينيرفال، والمينرفال المتنور، ويهدف تنظيم المتنورين إلى خلق حالة من الحرية والمساواة الأخلاقية.

نما التنظيم السري لوايسهاوبت إلى حد كبير من حيث الحجم والتنوع على مدى السنوات التالية، وربما بلغ عددهم 600 عضو في عام 1782، وكان من بينهم أشخاص من الطبقة الراقية في ولاية بافاريا، الذين موّلوا التنظيم مثل: البارون أدولف فون فرانز، والمصرفي ماير أمشيل روتشيلد.

وعلى الرغم من أن التنظيم كان يقتصر في البداية على طلاب وايسهاوبت فقط، فإنه عرف في نهاية عام 1784 توسعاً ملحوظاً، وانضم إليه مجموعة من النبلاء والسياسيين والأطباء والمحامين ورجال القانون، وكذلك المثقفين وبعض الكتاب الرائدين، بما في ذلك يوهان فولفغانغ فون غوته، وبلغ عدد الأعضاء في تلك الفترة 2000 إلى 3000 عضو.

لعب البارون فون كنيغ دوراً كبيراً في إدارة التنظيم وتوسعه، وبما أنه كان عضواً سابقاً في الماسونية الحرة، فقد كان يفضل اعتماد طقوس مماثلة للتنظيم الماسوني.

وانتحل أعضاء “المتنورين” أسماء رمزية وسرية مأخوذة من العصور الإغريقية الكلاسيكية، فمثلاً وايسهاوبت أصبح سبارتاكوس، وفرانز أصبح فيلو. وأصبحت أيضاً مستويات العضوية في التسلسل الهرمي أكثر تعقيداً، بدءاً من مجموعةٍ تتكون من 13 درجة، وتنقسم إلى 3 فئات، وهي: المتنور الصغير، والقائد المتنور، والملك.

العلاقات الفرنسية

اتُّهم “المتنورون” بعد أن بدأت الثورة الفرنسية في عام 1789 بأنهم يطمحون إلى إحداث ثورة مماثلة ضد النِّظام الحاكم في بافاريا، كما زعم البعض كذلك أن وايسهاوبت التقى زعيم الثورة الفرنسية روبسبير، كان وايسهاوبت في الواقع إصلاحياً أكثر من كونه ثورياً.

الخلافات الداخلية

 
وضعت الضغوط الداخلية والخارجية حداً لتوسع التنظيم في المراتب العليا للسلطة في ولاية بافاريا.
واشتدّ الصراع بين وايسهاوبت وفرانز بخصوص أهداف وإجراءات التنظيم، وأدّى هذا الصراع في النهاية إلى ترك التنظيم من قِبل فرانز. وفي الوقت ذاته، كتب البروفسور جوزيف، وهو عضو سابق في التنظيم، رسالة إلى (دوقة بافاريا) آنا ماريا، يكشف فيها أسرار ومخططات التنظيم.

وتضمنت الرسالة مجموعة من المعلومات الصحيحة وكذلك المغلوطة، ووفقاً لجوزيف، فإن التنظيم يُجيز الانتحار والقتل بالسُّم، وأن الدين عبارة عن سخافات، بالإضافة إلى اتِّهام النظام بالتحالف مع أعداء بافاريا في النمسا.

وهو ما دفع آنا ماريا لتسليم الرسالة إلى زوجها دوق بافاريا من أجل تحذيره، وأصدر هذا الأخير في يونيو/حزيران 1784 مرسوماً يحظر إنشاء أي نوع من التنظيمات غير المصرح لها من قِبل القانون.

اعتقد “المتنورون” في البداية أن هذا الحظر لن يؤثر عليهم بشكل مباشر، لكن بعد أقل من عام أصدرت حكومة بافاريا في مارس/ آذار 1785، مرسوماً ثانياً، يحظر بشكل صريح تنظيم المتنورين.

وعثرت الشرطة البافارية في أثناء قيامها باعتقال أعضاء هذا التنظيم على وثائق مهمة، بالإضافة إلى كتابات عن تمجيد الإلحاد والدفاع عن الانتحار، وخطط لإنشاء إدارة منفصلة للنساء داخل النظام، ووصفات لتطوير الحبر السري، ووثائق تحتوي على شرح وسائل الإجهاض، وتم استخدام الدلائل كأساس لاتهام التنظيم بالتآمر ضد الدين والدولة.

وأصدر ناخب بافاريا في أغسطس/ اب 1787 مرسوماً ثالثاً أكد فيه حظر التنظيم، وفرض عقوبة الإعدام على أعضاء هذا النظام.

خسر وايسهاوبت منصبه في جامعة إنغولشتادت ونُفي خارج مدينته، وعاش بقية حياته في غوتا بساكسونيا حيث كان يدرس الفلسفة في جامعة غوتنغن، واعتبرت ولاية بافاريا أن تنظيم المتنورين قد تفكك.

رغم تفكيك المنظمة، فإنه ظل هناك شك في كونها وراء العديد من نظريات المؤامرة، واتهم وايسهاوبت بكونه ساعد في صعود ثورة فرنسا.

كما اعتبر أن “المتنورين” كانوا وراء أحداث وقعت بالقرن العشرين مثل اغتيال جون كينيدي.

وأثّرت أفكار وايسهاوبت كذلك على عوالم الخيال الرائج، على سبيل المثال رواية دان براون “الملائكة والشياطين”، و”رقاص فوكو” للروائي الإيطالي أمبرتو إيكو. فرغم تفكك التنظيم، فإنه قد تكون مساهمة وايسهاوبت لا تزال قائمة، وذلك في فكرة أن المنظمات السرية لها جذور في السلطة.

صعود التنوير

قام فرانز بتصنيف المنظمة إلى 13 درجة، واعتمد في ذلك على النموذج الذي يستخدمه المحفل الماسوني الذي كان عضواً فيه.

 

الطبقة الأولى

 

يبدأ كل مبتدئ بدراسة الفلسفة الإنسانية إلى أن يصبح مينرفالاً، ثم يتمكن من الاطلاع على قوانين النظام وحضور اللقاءات.

مبتدئ

مينرفال

المتنور الصغير

 

الطبقة الثانية

 

5- المبتدئ

6- البارع

7- السيد

8- المتنور الكبير

9- قائد متنور

 

الطبقة الثالثة

 

وهي أعلى درجات فلسفة التنوير، كان أعضاؤها من الكهنة الذين يرشدون الأعضاء الأقل رتبة، وكانوا تحت سلطة الملك.

10- الكاهن

11- الأمير

12- العراف

13- الملك