منوعات

الرحلة التي قطعها الإنسان الإفريقي قبل 100 ألف عام كيف كانت؟

يعتقد العلماء أن أول مجموعات من الإنسان الحديث انطلقت من أفريقيا منذ 100 ألف عام، لتنتشر منها في مختلف أنحاء العالم. إلا أن السؤال الذي يُحيرهم هو: ما الطرق التي سلكوها تحديداً عندما حدثت هذه الهجرة؟

توصل باحثون مؤخراً إلى استنتاج يقرّبهم من فهم رحلة تغيير الحياة التي خاضها أسلافنا، عبر تطور تقنيات دراسة التسلسل الوراثي، وإيجاد طرق أكثر فاعلية لتحليل وفهم البيانات، والتي تُعتبر مفتاحاً رئيسياً لتوضيح فهمنا للتاريخ البشري، بحسب صحيفة Daily Mail البريطانية.

يقول المؤلف الرئيسي للورقة البحثية وعضو قسم علم الوراثة في كلية الطب بجامعة هارفارد د. مارك ليبسون، “نعتبر نموذجنا تحليلاً تفصيلياً للبيانات الحالية، وأساساً جيداً لدراسات إضافية”.

توصلت الدراسة إلى حدوث انفصال سكاني رئيسي شرقي وغربي، ما إن غادر الإنسان الحديث أفريقيا، آخذة بعين الاعتبار أحداث التهجين التي تتضمن الكائنات الشبيهة بالإنسان (hominids).

تعود تواريخ هذه الأحداث إلى 45 ألف عاماً على أقل تقدير، مع احتواء المجموعة الشرقية على الأستراليين وسكان غينيا الجديدة.

وفي مقابلة مع Daily Mail، قال ليبسون “تأسست عدة أفرع رئيسية للتنوع البشري الحالي في أوراسيا، وذلك بعد مغادرة الإنسان الحديث أفريقيا مباشرة تقريباً، على الرغم من وجود أمثلة هامة من الخلط الذي حدث لاحقاً بين السكان المتباعدين”.

نظرية “الطريق الجنوبي”

وتوضح الدراسة أن انتشار المجموعات السكانية من الإنسان الحديث بعد مغادرة أفريقيا، بشكل يتطابق مع مكتشفات أعمال علماء الآثار. لكن ما تزال إحدى النظريات، التي تُعرف بـ “الطريق الجنوبي”، غير مفهومة كلياً.

إذ أشارت أبحاث سابقة إلى انتشار الإنسان عبر الكرة الأرضية في 4 دروب من الهجرة، غير أن النظرية الجديدة لا تدعم ما جاء بهذه الأبحاث.

يقول د. ليبسون، “لا نرى دليلاً على سلالات من الشتات الجنوبي، إلا أنه لا يمكننا استبعاد نسبة صغيرة من هذه الفرضية”.

لكنه أكد في الوقت ذاته إمكانية استخدام النموذج الجديد لاختبار عدد أكبر من البيانات، والتوصل إلى نظرة أكثر شمولية عن تاريخنا. وأردف “في المستقبل، يمكن إضافة التعدادات السكانية الجديدة لهذا النوع من النماذج؛ كي تختبر ملاءمتها مع التجمعات الأخرى”.

وقال ليبسون، “في الوقت الذي تشير فيه نتائجنا إلى أن السكان السابقين لم تربطهم صلة قريبة بسكان آسيا وأستراليا الحاليين، إلا أنه تم العثور على دليل أثري أقدم في آسيا، وسيكون من المثير للغاية تحرّي الأحماض النووية في هذه المواقع”.

ماذا نعرف عن أسلافنا؟ أجريت 4 أبحاث كبيرة لدراسة تاريخ أسلافنا العام الماضي، وقدمت كمية هائلة من البيانات التي يمكن أن تُحلل بالنموذج الجديد:

1- مشروع سيمونز لتنوع الجينوم

بعد تحليل الحمض النووي لـ 142 تجمعاً سكانياً حول العالم، خَلُص الباحثون إلى أن جميع البشر الذين يعيشون في الوقت الحالي يمكن تعقب أسلافهم عبر مجموعة واحدة ظهرت في أفريقيا منذ 200 ألف عام.

كما توصلوا أيضاً إلى أن غير الأفريقيين ينحدرون من مجموعة واحدة انفصلت عن أسلافهم الأفارقة البدائيين منذ ما يقرب من 130 ألف عام.

 
وعرضت الدراسة أيضاً كيف كوّن البشر مجموعات منفصلة داخل أفريقيا نفسها. على سبيل المثال، انفصلت مجموعة الخويسان في جنوب أفريقيا عن مجموعة اليوروبا بنيجيريا منذ 87 ألف عام، بينما انفصلت مجموعة المبوتي عن اليوروبا منذ 56 ألف عام.

2- لجنة خبراء بيوسنتر الإستونية

فحصت هذه الدراسة 483 جينوماً من 148 تعداداً سكانياً حول العالم؛ لدراسة تمدد الإنسان العاقل إلى خارج أفريقيا.

واكتشف الباحثون أن السكان الأصليين في دولة بابوا غينيا الجديدة تدين بـ2% من جينوماتها إلى مجموعة منقرضة من الإنسان العاقل. فيما تشير النتائج إلى وجود موجة لافتة من الهجرات البشرية من أفريقيا منذ نحو 120 ألف عام.

3- السكان الأصليون لأستراليا

استناداً إلى جينومات 83 شخصاً من السكان الأصليين بأستراليا، و25 جينوماً من سكان بابوا غينيا الجديدة، فحصت هذه الدراسة الأصول الجينية لهذه المجموعات من سكان جزر المحيط الهادئ الأوائل.

يُعتقد أن هذه الجماعات تنحدر من بعض المجموعات البشرية الأولى التي غادرت أفريقيا، ما أثار تساؤلاً عما إذا كان أسلافهم ينتمون إلى موجة هجرة أقدم من باقي سكان أوراسيا.

كما توصلت الدراسة الجديدة إلى أن أسلاف السكان الأصليين لأستراليا وأسلاف سكان بابوا غينيا الجديدة، انفصلوا عن الأوروبيين والآسيويين منذ نحو 58 ألف عام بعد موجة واحدة من الهجرة خارج أفريقيا.

وتشعبت هاتان المجموعتان قبل نحو 37 ألف عام، قبل أن يحدث الانفصال المادي بين أستراليا وغينيا الجديدة منذ 10 آلاف عام.

4- القولبة المناخية

استخدم باحثون من جامعة هاواي في مانوا أحد أول نماذج الحاسوب المتكاملة حول هجرة البشر بسبب المناخ؛ لإعادة تصميم عملية انتشار الإنسان العاقل عبر 125 ألف عام مضت.

أجرى النموذج محاكاة للعصور الجليدية، والتغير المناخي المفاجئ، والتقط توقيت وصول الإنسان العاقل إلى شرق البحر المتوسط، والخليج العربي، وجنوب الصين، وأستراليا، مستعيناً بظروف المناخ القديم والحفريات والأدلة الأثرية.

ويبدو أنهم توصلوا إلى أن الإنسان الحديث غادر أفريقيا منذ 100 ألف عام، كما أشارت تقديراتهم إلى أن الإنسان العاقل وصل لأول مرة إلى جنوب أوروبا منذ نحو 80-90 ألف عام.

وخالفت هذه النتائج النماذج التقليدية الأخرى التي تقترح أنه لم يحدث سوى هجرة جماعية واحدة إلى خارج أفريقيا منذ 60 ألف عام.