سياسة

باحثون يعددون مزايا توسيع القاسم الانتخابي على العملية الديمقراطية

أجمع أساتذة جامعيون وباحثون في العلوم القانونية والسياسية على أنه ليس في توسيع القاسم الانتخابي باحتسابه على أساس عدد المسجلين ما يخالف الدستور، وعددوا آثاره الإيجابية على العملية الديمقراطية في المغرب.

وأوضح الباحثون أن توسيع القاسم الانتخابي، يشكل آلية لتوطيد الديمقراطية التشاركية، كما أنه سيسمح بالتعددية الحزبية في المؤسسات المنتخبة.

مزايا

وعدد رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، محمد بودن، في مقال تحليلي، ستة مزايا وآثار إيجابية للقاسم الانتخابي الجديد الذي صادق عليه البرلمان مؤخرا.

الميزة الأولى، حسب بودن، هي أن هذا القاسم الانتخابي الجديد يمثل صيغة لتحويل سيادة الأمة إلى تمثيل برلماني.

وأما الميزة الثانية، فإنه “يشجع على تفعيل الناخب لحقه الدستوري وواجبه الوطني”، فيما تتمثل الميزة الثالثة في كون هذا النمط “لا يتدخل في اتجاهات أصوات الناخبين المشاركين ويحمل المسؤولية الوطنية لمن لهم حق التصويت”.

واسترسل الباحث بأن الميزة الرابعة هي أن هذا النمط “تنبثق عنه شرعية انتخابية غير منقوصة بالنسبة للأغلبية والحكومة”.

واعتبر بودن أن اعتماد القاسم الانتخابي الجديد من شأنه أن “يحمي طموحات الأحزاب المتوسطة والصغيرة في عملية توزيع المقاعد ويمكنها من إسماع صوتها في مجلس النواب ولا يضع قيودا على طموحات الأحزاب التي تريد التفوق على القاسم الانتخابي، لكنه يتعارض مع منطق المتصدر يأخذ الحصة الكبيرة”، وهذه ميزته الخامسة بحسب الباحث.

وذكر بودن أيضا ما عتبرها ميزة سادسة للقاسم الانتخابي الجديد، وهي كونه “يشجع الناخبين الذين لا يكلفون أنفسهم عناء التصويت لأنهم يعتقدون أن تصويتهم سيكون له فرصة ضئيلة في المساعدة على انتخاب مرشحهم”.

واعتبر أن للقاسم الانتخابي في صيغته الجديدة ميزة سابعة وهي أنه “يعتمد الواقعية بحيث لا ينتصر لمن لم يحظى بثقة الناخبين بل إنه يحمي من ذهبت أصوات الناخبين لمصلحته واقترب من المعدل المطلوب”.

“منعطف جديد”

من جهته أكد أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي-الرباط، العباس الوردي، أن المشهد السياسي المغربي يعرف ميلاد منعطف جديد في مسار تدبير مسألة مواصلة البناء الديمقراطي.

وتعليقا على تعديل البرلمان للقاسم الانتخابي، قال الأستاذ الجامعي، مقال تحليلي، إن المؤسسة التشريعية قامت بتنزيل مقتضيات مكفولة بنص الدستور، وذلك بغض النظر عمن يتفق أو لا يتفق مع مسألة احتساب القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين.

واعتبر أن تعديل القاسم الانتخابي جملة من الإيجابيات، أبرزها “التخفيف من طامة العزوف السياسي وخاصة في فئة الشباب الذين يشكلون أعلى نسبة من الهرم السكاني المغربي، وتوسيع رقعة التسجيل في اللوائح الانتخابية لدى جميع المغاربة، وذلك من خلال تنمية المسؤولية الوطنية لديهم بأنه لا مناص من المشاركة السياسية لمواصلة البناء الديمقراطي والتنموي المغربي”.

تعددية حزبية

في الاتجاه ذاته ذهب الباحث في العلوم السياسية مصطفى السحيمي، معتبرا أن توسيع القاسم الانتخابي “آلية لتوطيد الديمقراطية التشاركية والتعبئة المدنية”.

قال السحيمي في مقال تحليلي بعنوان “الديمقراطية والتمثيلية الحزبية”، إن توسيع القاسم الانتخابي باحتسبه على أساس عدد الناخبين المسجلين، عوض الأصوات المدلى بها، “سيوسع نطاق وأبعاد الديمقراطية التشاركية”.

وأبرز أن “المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب لها نفس القيمة الديمقراطية. فهي تأتي من مواطنين مسجلين في اللوائح الانتخابية، كأعضاء في الهيئة الناخبة التي تمثل أساس كل تعبير سياسي”.

وبحسب السحيمي، فإن القاسم الانتخابي في صيغته الجديدة، سيحفز مزيدا من الناخبين المسجلين للتوجه إلى صناديق الاقتراع “لأنهم سيقيسون مدى تأثيره على نتائج الانتخابات”، مشيرا إلى أن “هؤلاء هم ناخبون مسجلون ولكنهم سيذهبون ويصوتون في نفس الوقت إضافة إلى أولئك الذين يصوتون تقليديا”.

ومن مزياي توسيع القاسم الانتخابي الجديد حسب الباحث، أنه يسمح بتمثيلية سياسية واسعة، مشددا على أنه مع الأخذ بعين الاعتبار أكبر بقية التي سيتم تطبيقها لتوزيع المقاعد الشاغرة، فإن الأحزاب الصغيرة لديها إمكانية التمثيل بمجلس النواب المقبل.

وأضاف “من غير المقبول ولا يمكن الترافع عن أي مقاربة معينة تعتبر أن هذه الفئة من المقاعد التي يتم شغلها على أساس أكبر بقية على أنها ذات قيمة ومحتوى ديمقراطي أقل”.وأكد أن مجلس النواب سيكتسب مصداقية وشرعية في ظل القاسم الانتخابي الجديد، مضيفا أن “الطيف الواسع للتمثيلية الحزبية والسياسية سيكون له مكانة: الأحزاب الكبيرة طبعا، ولكن أيضا الأحزاب المتوسطة والصغيرة”، ولافتا إلى أن التعددية السياسية سيكون لها تعبير أكثر تعزيزا، مما يكرس التراكم الديمقراطي.

واعتبر السحيمي إن القاسم الانتخابي “يوسع مجال التمثيلية الحزبية في البرلمان ويضع حدا للأوضاع غير العادلة وغير المنصفة والعقابية”.

وأبرز أنه مع هذه الآلية، “ستنخرط المملكة في تكريس التمثيلية السياسية، وأن النظام الحزبي سيتم إعادة تشكيله، وسيضمن استقرار وفعالية الأغلبية والحكومة المنبثقة عنها. والخلاصة أن النتيجة ستمثل خطوة إلى الأمام في ترسيخ المكتسبات الديمقراطية”.

القاسم الانتخابي والبلقنة

من جهته أكد أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بطنجة، محمد يحيا، أن أهمية تعديل القاسم الانتخابي تندرج في سياق فتح المجال أمام جميع القوى السياسية للمشاركة في صياغة واتخاذ القرار من خلال المؤسسة التشريعية، وباقي الهيئات التمثيلية الترابية، للانتقال من الديمقراطية التمثيلية (démocratie représentative) إلى ديمقراطية الانخراط (démocratie d’adhésion).

وأوضح يحيا، في مقال تحليلي بعنوان “الأبعاد الموضوعية للقاسم الانتخابي بين فحوى الدستور والممارسة الانتخابية”، أن هذا سيؤدي بالإضافة إلى المساهمة الواسعة في تحقيق المشاركة في القرار داخل المؤسسة التشريعية، إلى تجسيد الإجماع والتوافق في تبني القوانين بين الأغلبية والمعارضة.

وردا على من يرى في توسيع القاسم الانتخابي أنه سيؤدي إلى بلقنة المشهد السياسي، قال إن “هذا الأمر يعتبر في الوضع الراهن من باب تحصيل الحاصل، وبالتالي لا يمكن إثارته كسبب منطقي لانتقاد اعتماد قاسم انتخابي جديد، أو القول بأنه يؤدي إلى الإجهاز على انتظارات وتطلعات المواطنين”.

“التعددية السياسية وحدها تبقى الضامن لتجويد الهندسة الانتخابية لدولة تؤمن بالتعددية السياسية، لأن نظام الحزب الوحيد يعتبر غير مشروع وذلك ما أكدته الدساتير المغربية المتعاقبة منذ أول دستور للمملكة سنة 1962″، يضيف الأستاذ الجامعي.

واعتبر أن “تغيير القاسم الانتخابي ديمقراطيا مقبول بالمملكة، والدستور إذا كان لم يحدد نمطا للاقتراع، فإنه أيضا لم يتبن أي تصور أو قواعد متصلة تحديدا بالقاسم الانتخابي اللازم أخذه بعين الاعتبار أو تجسيده على أرض الواقع”.

وسجل أن الاحتفاظ بنفس القاسم الانتخابي المعمول به سابقا، “لا يمكن أن يحقق الغايات المتوخاة من العملية الانتخابية التي يجب أن تكون مرآة صادقة ومحفزة للرأي العام وتوجهاته، ووسيلة للتداول على السلطة بين جميع القوى السياسية الحية المؤمنة بنبل العمل السياسي الصادق”.

“لا يخالف الدستور”

من جانبه اعتبر الباحث في العلوم القانونية، يونس أيوبي، أن القاسم الانتخابي في صيغته الجديدة سيمكن من الرفع من نسبة المشاركة في الانتخابات وتحقيق العدالة الانتخابية.

وأوضح أيوبي، في مقال تحليلي، أن توسيع القاسم الانتخابي سيمكن من تحقيق العديد من النتائج والآثار الايجابية، منها دفع الناخبات والناخبين المقيدين في اللوائح الانتخابية إلى المشاركة في التصويت مادام أن تسجيلهم في اللوائح الانتخابية له أثر.

وأضاف في هذا الصدد، أن من شأن ذلك أن يضع الناخبين أيضا أمام مسؤولياتهم، مما سيساهم في الرفع من نسبة المشاركة، وتحقيق العدالة الانتخابية، حيث سيمكن القاسم الانتخابي الأحزاب من الحصول على عدد من المقاعد في إطار الاستحقاق.

وأبرز أنه ما دام الدستور لا يتضمن تحديدا لنمط الاقتراع الواجب اعتماده في انتخاب أعضاء مجلس النواب، ولا يوجد في الدستور ما يمنع من اعتماد نمط معين، فإن القاسم الانتخابي الذي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها، ليس فيه ما يخالف الدستور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *