ضغوط كبيرة تمارسها الجزائر، مؤخرا، على موريتانيا لتغيير موقفها الحيادي من قضية الصحراء المغربية، وبالتالي إحراجها مع المغرب، وهو ما بدأت تظهر بوادره، باستقبال الرئيس الموريتاني ولد الغزواني قبل أسبوعين لوفد انفصالي.
وحرص ولد الغزواني على إرسال وزير خارجيته إلى المغرب، أياما بعد استقباله للوفد الانفصالي، حاملا رسالة إلى الملك محمد السادس، غير أنه تم إلغاء هذه الزيارة لأسباب قيل إنها مرتبطة بالوضع الوبائي.
واستغلت الجزائر هذه الظرفية، التي يطبعها بعض سوء الفهم بين المغرب وموريتانيا، لإرسال وزير داخليتها كمال بلجود إلى نواكشوط، وهي زيارة تندرج بحسب بيان للداخلية الجزائرية “في إطار الديناميكية التي تطبع العلاقات بين البلدين والقائمة على حسن الجوار والتعاون والتنسيق”.
وفي السياق ذاته، استقبل الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أول أمس الأحد، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي والموريتانيين في الخارج، اسماعيل ولد الشيخ أحمد، وذلك أياما على إلغاء زيارة له إلى المغرب كانت مقررة الثلاثاء الماضي.
وقال بيان للرئاسة الجزائرية، إن وزير الخارجية الموريتاني سلم رسالة إلى الرئيس تبون من نظيره الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، مضيفا أن الوزير الموريتاني أشاد بالدعم “المتواصل” للجزائر للجمهورية الإسلامية الموريتانية، مؤكدا أن العلاقات الثنائية تمر خلال السنوات الأخيرة بـ”أحسن” الفترات.
حلقة ضعيفة
وتعتبر الجارة الجنوبية، موريتانيا، بحسب تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، حلقة ضعيفة في عملية توازن القوى في الفضاء المغاربي، وهو ما جعلها دائما تحت ضغوط الجزائر، مضيفا أنها في موقف شد وجذب بين محورين مركزيين في منطقة المغرب العربي.
وفي هذا الصدد، أشار الحسيني، ضمن تصريح لجريدة “العمق”، إلى الحدث التاريخي حينما هدد الرئيس الجزائري بومدين للرئيس الموريتاني المختار ولد داداه، لإرغام موريتانيا على الانسحاب من مفاوضات مدريد، مضيفا أن رؤساء موريتانيين آخرين خضعوا للابتزاز من طرف الجزائر.
وأضاف المتحدث، أن النظام الجزائري، يمارس سياسة العصا والجزرة في تعامله مع موريتانيا، فتارة يقدم لها وعودا بدعم مالي وعسكري، وتارة أخرى يهدد سلامتها الداخلية، لافتا إلى أن الجزائر سبق لها أن هددت بتوجيه البوليساريو للهيمنة على الشمال الموريتاني.
لعبة خبيثة
خالد يايموت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أوضح، في تصريح لجريدة “العمق”، أن الجزائر تلعب لعبة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها خبيثة، حيث تحاول أن تتحرك مع بعض الأطراف المتضررة من قضية الصحراء.
وبحسب يايموت، فقد حاولت من قبل محاولتها الأخيرة مع موريتانيا تحريك الجانب التونسي ولكن وقع خلاف على مستوى الدائرة السياسية التونسية فيما يخص التوجه الجزائري ولذلك لم يستطع الرئيس التونسي قيس سعيد التحرك في الاتجاه الذي تريده الجزائر.
وفسر المتحدث عودة الجزائر إلى موريتانيا، بقوله: “عندما وقع مشكل الكركرات استأذنت السلطات الموريتانية في شخص الرئاسة وكذلك وزير الخارجية، المغرب في التوسط لحل المشكلة، قبل المغرب هذه الوساطة وحاول وزير الخارجية مع الجزائر والبوليساريو مرتين لحل المشكل بطريقة سلمية بانسحاب تلك المجموعة التي كانت تدعي بأنها تحتج وتعرقل المعبر”.
وأضاف أن “المغرب بقلب مفتوح مدد المهلة التي منحت للسلطات الموريتانية للقيام بهذه المهمة، غير أن الغريب هو أن الجزائر والبوليساريو تبين أنهما كانتا تتلاعبان بهذه الوساطة التي كانت ترغب فيها موريتانيا”.
وبعدما تحولت الأمور لصالح المغرب على المستويين الدولي والإقليمي، عادت الجزائر، يضيف يايموت، لمحاولة الإيهام بأنها تقبل الوساطة الموريتانية وبأنها هي الوساطة الإقليمية التي يعول عليها لإيجاد نوع من الخط الغير المباشر بين الجزائر والمغرب.
واعتبر يايموت أن هذه التحركات الأخيرة سواء من جانب الجزائر أو البوليسايو كان هدفها أن تكون موريتانيا هي الوسيط بين المغرب والجبهة الانفصالية وأن لا يكون للجزائر طرف في أي عملية تفاوضية ولو كانت غير مباشرة.
استغلال موريتانيا
وأشار المتحدث، إلى أن المغرب عندما طرحت عليه فكرة الوساطة، من الناحية المبدئية لم يعارضها، لأنه لم يسبق له أن عارض أي وساطة دولية أو إقليمية، مبرزا أن الذي وقع هو أن الجزائر انسلت من الموضوع واعتبرت أن المشكل بين البوليساريو والمغرب، وبعثت مستشار زعيم الانفصاليين للرئيس الموريتاني مؤخرا ما جعل المغرب يفهم بأن هناك محاولة أخرى لاستغلال موريتانيا وثقة المغرب في جيرانه كوسطاء بحسن نية.
هذا ما جعل المغرب، بحسب يايموت، يرفض الدخول في أي تفاوض مع البوليساريو، مبرزا أنه من الناحية الدبلوماسية، المغرب بعث برسالة دبلوماسية على أنه مستعد للتفاوض، كما أن الملك محمد السادس، وفي أكثر من مناسبة وفي خطاباته وبعض الرسائل، أعلن أنه يده ممدودة للجزائر للحديث بشكل مباشر.
وأردف يايموت، أن المغرب ليس له أي اعتراض على التفاوض مع الجزائر بوسطاء إقليميين أو دوليين، إلا أن المحاولة الجزائرية الأخيرة، هي محاولة لدفع موريتانيا إلى موقف حرج مع المغرب لا أقل ولا أكثر، بتعبير المحلل السياسي.
وضمن تصريحه للعمق، قال يايموت، إن الجزائر من مناوراتها هاته تريد أن تربح قضية أخرى، على مستوى الحدود، بعدما تغير الجدار الرملي في نقطتين مركزيتين، عمدت إلى الضغط على موريتانيا خصوصا بعد المناورات العسكرية التي قام بها الجيش الموريتاني على الحدود مع الجزائر والمغرب.
وأبرز أستاذ العلوم السياسية، أن هذه الأمور أدت في الحقيقة إلى التحرك بشكل كبير من طرف الجزائر للضغط على موريتانيا لمحاولة تلين مراقبتها على المستوى الحدودي وهو ما سيشكل عبء من الناحية الأمنية على المغرب.