سياسة

خبير: أسباب الخلاف بين المغرب وألمانيا أعمق من موقف برلين حول الصحراء

استبعد الخبير المغربي في العلاقات الدولية، سمير بنيس، أن يكون موقف ألمانيا من النزاع حول الصحراء، هو السبب المباشر في تعليق المملكة لاتصالاتها مع السفارة الألمانية، مشيرا إل أن أسباب الخلاف بين البلدين أعمق من ذلك.

وأوضح بنيس في مقال رأي على موقع “جيورزاليم بوست”، أن تعليق المغرب لاتصالات مع سفارة ألمانيا الرباط، فتح الباب أمام تكهنات واسعة حول الأسباب، وهناك من ذهب إلى أن رفع علم البوليساريو أمام برلمان ولاية بريمن قد يكون السبب الرئيسي للتوتر بين البلدين.

وبحسب الخبير المغربي، فإذا كان نزاع الصحراء هو السبب المباشر، فسيتخذ المغرب إجراءات مماثلة مع العديد من الدول التي يتعاطف سياسيوها مع جبهة البوليساريو، مقدما أمثلة على ذلك بإسبانيا، حيث سبق للنائب الثاني لرئيس الوزراء وزعيم حزب بوديموس، بابلو إغليسياس، أن أيد إقامة دولة صحراوية مستقلة.

وتساءل بنيس، لماذا لم ينتقم المغرب من إسبانيا؟ بعد هذا الموقف الذي عبر عنه المسؤول الإسباني، موضحا، أن هذه الخطوة من نائب رئيس الوزراء الإسباني، هي التي يجب أن تكون بالتأكيد أكثر إزعاجا للمغرب من مسؤول ألماني متوسط المستوى يرفع علم البوليساريو.

وأضاف الخبير في العلاقات الإسبانية المغربية، أن إغليسياس، ليس المسؤول الأجنبي الوحيد الرفيع المستوى الذي أيد علنًا “دولة البوليساريو المستقلة”. وفي الواقع، يتجاهل المغرب باستمرار التعليقات والتصريحات المماثلة من المسؤولين والسياسيين في أوروبا وأمريكا اللاتينية، ويختار بدلاً من ذلك العمل خلف الكواليس لزيادة الدعم لوحدة أراضيه.

منظمة الشفافية الدولية
يرى بنيس، أن أحد الأسباب التي دفعت المغرب إلى تعليق تعاونه مع السفارة الألمانية يتعلق بمنظمة الشفافية الدولية، التي تتخذ من برلين مقراً لها، و63٪ من تمويلها من الحكومة الألمانية وحكومات غربية أخرى، حيث صدر عنها مؤخرا تقرير يرسم صورة قاتمة للإدارة العامة في البلاد.

وانتقدت هذه المنظمة، بحسب بنيس، بشدة الإجراءات التي اتخذها المغرب في مكافحة جائحة “كوفيد-19″، مدعية أن قرارات الحكومة تسببت في تفاقم حالة الخطر والفقر والإقصاء. ونقلا عن مصادر موثوقة، اتهمت المغرب أيضا باستخدام تطبيق للهاتف المحمول، مبرمج لرصد انتشار الفيروس، للتجسس على المغاربة.

وأشار إلى أن المغرب شعر بأن هناك تحيز علني من منظمة الشفافية العالمية لألمانيا، خصوصا بعد ضلوع شركات ألمانية كبيرة في قضايا فساد وغسيل أموال، وبالمقابل، ركزت على المغرب بشكل واضح، وهو ما أثار غضب المملكة.

ويشكل الفساد عقبة رئيسية تمنع دولاً مثل المغرب من تحقيق قفزة حاسمة نحو التقدم والازدهار المستدامين. وبحسب بنيس، فإن إنكار أو رفض انتشار مثل هذه الآفة في المغرب سيكون أمرا مخادعا، غير أنه يرى أن إصدار تقرير منظمة الشفافية الدولية ومحتواه واستمراره في رفض جهود المغرب لوقف انتشار “كوفيد-19” تسبب في استجابة دفاعية للبلاد.

وتمت الإشادة بالمغرب لاستجابته الفعالة لجائحة “كوفيد-19″، ومع ذلك، اختارت منظمة الشفافية الدولية، بحسب بنيس، رفض نجاح الدولة في التفوق على العديد من الدول المتقدمة في تأمين الملايين من جرعات اللقاح. والأهم من ذلك، أن استجابة الرباط الفعالة لـ”كوفيد-19” دفعت وسائل إعلام ألمانية – بشكل مخيف – للتشكيك في الأسرار الكامنة وراء هذا النجاح.

ويعتقد بنيس، أن ما زاد من استياء الرباط هو إهمال منظمة الشفافية الدولية المشكوك فيه لذكر البلدان التي كان أداءها أقل بكثير من المغرب في معظم تدابير الشفافية. وبشكل أكثر تحديدًا، قال الخبير المغربي، إنه بينما أصدرت تقريرًا ضارًا عن المغرب، لم تبلغ منظمة الشفافية الدولية عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي للجزائر، والاستجابة المتذبذبة للوباء والفساد المستشري.

وأردف، أن الجزائر تشهد تدهوراً اقتصادياً واجتماعياً تفاقم بسبب المعالجة الكارثية للوباء. واستغلت السلطات الجزائرية بشكل ملحوظ COVID-19 للتحايل على الحراك الذي يسعى إلى استئصال النخبة العسكرية الفاسدة التي نهبت أموال البلاد لأكثر من ستة عقود. ومع ذلك، استهدفت منظمة الشفافية الدولية ومقرها برلين المغرب في شمال إفريقيا على وجه التحديد.

مجموعة العمل المالي
بعد تقرير منظمة الشفافية الدولية، تعرض المغرب، بحسب بنيس، لاتهامات خطيرة من مجموعة العمل المالي، هذه الأخيرة والتي يرأسها “ماركوس بليير”، ممثل ألمانيا في المنظمة، وضعت المملكة المغربية في “القائمة الرمادية” لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

بالنسبة للكثيرين في المغرب، كان التقييم هجومًا غير مقبول على سمعة بلد يظهر من بين قادة العالم في مكافحة التطرف وغسيل الأموال، ويشير الخبير المغربي، إلى أن هذا التقرير، أضعف ثقة المستثمرين الأجانب في المغرب، ولم يكن من الممكن أن يأتي ذلك في وقت أكثر سوءًا لبلد يتنافس على جذب الاستثمارات لإنعاش اقتصاده.

وبمجرد أن نشرت مجموعة العمل المالي تقريرها، شكك الكثيرون في نزاهتها ودقة نتائجها، والأمر الأكثر إثارة للقلق، يضيف بنيس، هو أن التقرير امتنع عن ذكر العديد من البلدان – بما في ذلك ألمانيا – التي تشتهر بكونها ملاذات لغسيل الأموال.

وقدم بنيس مثالا على ذلك، بكون المغرب احتل المرتبة 72 في مؤشر السرية الضريبية الأخير لشبكة العدالة الضريبية. وفي الوقت نفسه، احتلت الولايات المتحدة المرتبة الثانية في العالم من حيث الولاية القضائية الأكثر سرية، تليها سويسرا (الثالثة) ولوكسمبورغ (الرابعة) وسنغافورة (الخامسة). وجاءت ألمانيا في المرتبة 14 والجزائر في المرتبة 23.

وكان أداء المغرب أفضل بكثير من معظم الدول الغربية ودول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث السرية الضريبية. ومع ذلك، يقول الخبير في العلاقات الدولية، لم تظهر مثل هذه الملاذات الضريبية في تقرير مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية.

وأبرز بنيس، أن السبب وراء غياب بعض الدول الغربية عن “القائمة الرمادية”، على الرغم من سجلها القاتم على مؤشر السرية الضريبية، هو حقيقة أن معظمهم أعضاء في مجموعة العمل المالي.

وأبرز المصدر ذاته، أن قرار المغرب بتعليق التعاون والتواصل مع السفارة الألمانية والمؤسسات التابعة لها يشير إلى استياءه من مكتب منظمة الشفافية الدولية في الرباط، الذي يدين بالفضل للمكتب الذي يتخذ من برلين مقراً له ويتلقى تمويلاً كبيراً من الحكومة الألمانية.

وبحسب بنيس، فإن المغرب لم يرد على موقف مسؤول ألماني على مستوى الدولة فيما يتعلق بقضية الصحراء. ولو كان هذا هو الحال، لما قام المغرب بتعليق أنشطته مع المؤسسات التابعة للسفارة الألمانية. وكان يمكن للمغرب أن يصدر بيانًا يؤكد صراحة موقفه تجاه سيادته الترابية، بدلاً من الاكتفاء بتسمية الحادث “بسوء تفاهم عميق مع ألمانيا بشأن القضايا الأساسية للمملكة المغربية”.

ولو كان الحادث يتعلق فقط بقضية الصحراء، لكان المغرب قد أعرب عن عدم رضاه عن موقف ألمانيا في ديسمبر 2020، عندما انتقدت البلاد اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء.
واعتبر أن تقارير منظمة الشفافية الدولية ومجموعة العمل المالي “فاتف” كانت مجرد إضافات إلى انعدام الثقة المستمر بين المغرب وألمانيا، مشيرا إلى تقارير هاتين المنظمتين خرجت في نفس الوقت تقريبا الذي نشر فيه إرهابي مدان عدة مقاطع فيديو زعم فيها أنه تعرض للتعذيب في سجن مغربي. ورفضت ألمانيا طلب المغرب تسليمه نظرا لحمله الجنسية الألمانية.

ومن بين أسباب الخلاف بين البلدين، يشير بنيس، إلى استبعاد ألمانيا للمغرب من مؤتمر برلين في يناير 2020 – على الرغم من دوره البارز في استضافة الحوار الليبي في 2015 ورعاية اتفاق الصخيرات. وكل هذا يعني أن الغيوم كانت تتجمع بالفعل بين برلين والرباط، وأن تقارير FATF و TI لم تكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير.

وبحسب الخبير المتخصص في السياسة الخارجية للمغرب، فإن قرار تعليق التعاون مع السفارة الألمانية هو رسالة واضحة من المغرب إلى ألمانيا. ومن خلاله، يحث الدولة الأوروبية على مراجعة مواقفها وسياساتها تجاه المصالح الإستراتيجية للمملكة، بما في ذلك وحدة أراضيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *