وجهة نظر

أهمية دور مؤسسة الوسيط في دعم الحكامة الادارية

تعتبر مؤسسة الوسيط مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة تتولى، في نطاق العلاقة بين الإدارة والمرتفقين، مهمة الدفاع عن الحقوق، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، والعمل على نشر قيم التخليق والشفافية في تدبير المرافق العمومية، والسهر على تنمية تواصل فعال بين الأشخاص، ذاتيين أو اعتباريين، مغاربة أو أجانب، فرادى أو جماعات، وبين الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية والهيآت التي تمارس صلاحيات السلطة العمومية وباقي المنشآت والهيآت الأخرى الخاضعة للمراقبة المالية للدولة.

المحور الأول -اختصاصات مؤسسة الوسيط

1- النظر في تصرفات الإدارة المخالفة للقانون

تتولى مؤسسة الوسيط بمبادرة منها، أو بناء على شكايات أو تظلمات تتوصل بها، النظر في جميع الحالات التي يتضرر فيها أشخاص ذاتيون أو اعتباريون، مغاربة أو أجانب، من جراء أي تصرف صادر عن الإدارة، سواء كان قرارا ضمنيا أو صريحا، أو عملا أو نشاطا من أنشطتها، يكون مخالفا للقانون، خاصة إذا كان متسما بالتجاوز أو الشطط في استعمال السلطة، أو منافيا لمبادئ العدل والإنصاف.

باستثناء التصرفات التالية:

التظلمات الرامية إلى مراجعة حكم قضائي نهائي ؛

الشكايات المتعلقة بالقضايا التي وكل البت فيها للقضاء ليتخذ فيها ما يلزم من إجراءات أو مقررات طبقا للقانون ؛

القضايا التي تدخل في اختصاص المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

وفي حالة ما إذا تبين للوسيط أن الشكاية أو التظلم المعروض عليهم يدخل في اختصاص المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ولا يتعلق بعلاقة الإدارة بالمرتفقين، قاموا بإحالته فورا، إلى رئيس المجلس المذكور، أو رؤساء اللجان الجهوية لهذا المجلس، حسب كل حالة على حدة، ويخبرون المشتكين أو المتظلمين المعنيين بذلك.

يمكن للوسيط رفع توصية إلى الجهة القضائية المختصة، لتمتيع المشتكين الذين يوجدون في وضعية صعبة لأسباب مادية، ولاسيما منهم النساء الأرامل والمطلقات واليتامى والأشخاص من ذوي الإعاقة، وسائر فئات الأشخاص في وضعية هشة، من المساعدة القضائية، في حالة ما إذا كان المشتكون المعنيون يرغبون في اللجوء إلى القضاء الإداري، وذلك وفق الإجراءات المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل.وتحدد الفئات المذكورة، وضوابط إصدار توصية الوسيط، من أجل الاستفادة من المساعدة القضائية، وفق أحكام النظام الداخلي للمؤسسة.

2- تلقي الشكايات والتظلمات ومعالجتها

توجه الشكايات والتظلمات إلى الوسيط أو إلى الوسطاء الجهويين بصفة مباشرة من طرف المشتكي، أو بواسطة من ينوب عنه.

ويشترط لقبول الشكايات والتظلمات :

أن تكون مكتوبة، وإذا تعذر تقديمها كتابة، فإن للمشتكي أو المتظلم أن يقدمها شفويا. وفي هذه الحالة، يتعين تدوينها وتسجيلها من قبل المصالح المختصة لمؤسسة الوسيط وتسلم نسخة منها للمعنيين بالأمر ؛

أن تكون موقعة من صاحب الملتمس شخصيا، أو من ينوب عنه من أجل ذلك ؛

أن تكون مدعومة بالحجج والوثائق المبررة لها، إن كانت متوفرة لدى المشتكي أو المتظلم ؛

أن توضح ما يكون قد قام به المشتكي أو المتظلم من مساع لدى الإدارة المعنية، قصد الاستجابة لمطالبه، عند الاقتضاء.

وإذا اتضح للوسيط أن الشكاية المعروضة عليه قائمة على أسس قانونية سليمة، وتهم الدفاع عن مصلحة مشروعة، أو ترمي إلى رفع ضرر من جراء تصرف مخالف للقانون، خاصة إذا كان متسما بالتجاوز أو الشطط في استعمال السلطة، أو منافيا لمبادئ العدل والإنصاف، قام بجميع المساعي والاتصالات اللازمة مع الإدارة المعنية قصد حثها على الاستجابة لمطلب المشتكي، في إطار الاحترام التام لضوابط سيادة القانون.

أما إذا تأكد الوسيط، بعد البحث والتحري في الشكايات والتظلمات المعروضة عليه، من صحة الوقائع الواردة فيها، وحقيقة وجود الضرر اللاحق بالمشتكي أو المتظلم، قدم نتائج تحرياته إلى الإدارة المعنية، بكل تجرد واستقلال، استنادا إلى سيادة القانون ومبادئ العدالة والإنصاف. ولهذه الغاية، يمكنه توجيه توصياته واقتراحاته وملاحظاته إلى الإدارة المعنية، التي يتعين عليها داخل أجل ثلاثين (30) يوما، قابلة للتمديد لمدة إضافية يحددها، القيام بالإجراءات اللازمة للنظر في القضايا المحالة عليها، وأن تخبره كتابة بالقرارات أو الإجراءات التي اتخذتها بشأن توصياته واقتراحاته.

وفي حال اقتناع الوسيط ،بناء على الأبحاث والتحريات التي يقوم بها، بأن التطبيق الصارم لقاعدة قانونية من شأنه خلق أوضاع غير عادلة أو ضارة بالمرتفقين، أن يعرض على رئيس الحكومة اقتراحا باتخاذ الإجراءات والمساعي اللازمة لإيجاد حل عادل ومنصف واقتراح تعديل القاعدة المذكورة.

وإذا تبين من خلال البحث والتحري أن مصدر التشكي أو التظلم ناتج عن خطإ أو سلوك شخصي لأحد الموظفين أو الأعوان، رفع الوسيط ملاحظاته واستنتاجاته في الموضوع إلى رئيس الإدارة المعنية لاتخاذ الإجراءات المناسبة، ومطالبته بإخباره بما اتخذه من قرارات في الموضوع. كما يمكنه أن يوجه إلى الإدارة المعنية توصية بالمتابعة التأديبية، وإن اقتضى الحال، توصية بإحالة الملف على النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في القانون.

3- الوساطة والتوفيق بين الإدارة والمرتفقين

يقوم الوسيط، بمبادرة منه أو بناء على طلب تسوية تقدمه الإدارة أو المشتكي، بكل مساعي الوساطة والتوفيق، قصد البحث عن حلول منصفة ومتوازنة لموضوع الخلاف القائم بين الأطراف، تكفل رفع الضرر الذي أصاب المشتكي من جراء تصرفات الإدارة، وذلك بالاستناد إلى ضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف. وذلك من خلال الاستماع إلى الأطراف، ودراسة جميع الحجج والوثائق والمعطيات التي يدلون بها لديه، بخصوص موضوع الشكاية المعروضة عليه، أو استنادا إلى الطلب المقدم إليه من قبل الإدارة أو المشتكى.

وبناء على ذلك، يمكن للوسيط أن يعرض على الأطراف جميع الاقتراحات التي يراها مناسبة من أجل التوصل إلى حلول منصفة ومتوازنة لموضوع الخلاف المعروض عليه.و تدون الحلول التي تم التوصل إليها نتيجة مساعي الوساطة والتوفيق التي قام بها الوسيط، في محضر رسمي توقع عليه الأطراف.

المحور الثاني -الوسطاء الجهويون

مهام الوسطاء الجهويون

يعين الوسطاء الجهويون بظهير شريف، باقتراح من الوسيط، من بين الأطر العليا التابعة للدولة أو المؤسسات العامة أو الجماعات المحلية أو القطاع الخاص، المتوفرين على مستوى عال من التكوين، وتجربة مهنية في مجالات الإدارة أو القضاء أو القانون، والمشهود لهم بالكفاءة والخبرة والاستقامة والنزاهة.ويعتبر الوسطاء الجهويون أعضاء في اللجان الجهوية لحقوق الإنسان طبقا لأحكام المادة 41 من الظهير الشريف رقم 1.11.19 الصادر في 25 من ربيع الأول 1432 (فاتح مارس 2011) بإحداث المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

يمارس الوسطاء الجهويون في حدود دائرة اختصاصهم الترابي، ووفق المساطر المحددة في النظام الداخلي للمؤسسة، المهام الموكولة إلى مؤسسة الوسيط.
يقوم الوسطاء الجهويون بالمهام التالية :

تلقي الشكايات والتظلمات وطلبات التسوية التي يرفعها الأشخاص الذاتيون أو الاعتباريون، مغاربة أو أجانب، فرادى أو جماعات، إلى الوسيط، والنظر فيها في حدود الاختصاصات، باستثناء تلك المتعلقة بقضايا ذات طابع وطني، أو التي تستلزم اتخاذ مواقف مبدئية ؛

القيام بأعمال البحث والتحري في الشكايات والتظلمات التي ترفع إليهم، إذا كان الأمر يقتضي ذلك، بناء على تكليف خاص من الوسيط، بالنسبة لكل حالة على حدة؛

إعادة توجيه الشكايات والتظلمات وطلبات التسوية التي ترد عليهم، والخارجة عن نطاق اختصاصهم، وإحالتها على الجهات المعنية عند الاقتضاء ؛

إرشاد المواطنين وتوجيههم، وحث الإدارة على التواصل الفعال معهم ؛

اقتراح التدابير والإجراءات الكفيلة بتحسين بنية الاستقبال والاتصال بالإدارة، ورفعها إلى الوسيط قصد عرضها على الإدارات والسلطات المعنية ؛

اقتراح كل تدبير عملي ملائم، من شأنه أن يسهم في تبسيط المساطر الإدارية ويمكن المواطنين من الاستفادة من خدمات الإدارة في أحسن الظروف ؛

رفع كل اقتراح أو توصية إلى الوسيط، من شأنها تحسين سير أجهزة الإدارة وتذليل الصعوبات التي قد تعترض المواطنين المغاربة والأجانب في علاقاتهم بالإدارة ؛

إعداد تقارير خاصة بشأن بعض الشكايات أو التظلمات التي قد تعرض عليهم مباشرة، وتكتسي طابعا خاصا، أو التي تحال عليهم للنظر فيها بتكليف خاص من الوسيط؛

رفع تقارير دورية كل ثلاثة أشهر إلى الوسيط حول حصيلة نشاطهم.

كما يمكن للوسيط، عند الاقتضاء، إحداث مندوبيات محلية على صعيد العمالات والأقاليم، لمساعدة الوسطاء الجهويين في أداء مهامهم، تكون تابعة لهم .

2-مآل الشكايات والتظلمات المحالة على الإدارة

يتعين على الإدارة المعنية بالشكايات أو التظلمات المحالة عليها من قبل الوسيط أو أحد مندوبيه الخاصين أو من الوسطاء الجهويين، أن تحيط المؤسسة علما بموقفها إزاء مطالب المشتكين أو المتظلمين، وبجميع الإجراءات والتدابير التي اتخذتها في الشكايات المعروضة عليها، أو حسب الحالة بالحلول التي تقترحها على المشتكي أو المتظلم، حتى يتسنى رفع ما لحقه من ضرر أو تعسف أو شطط.

ويجب أن تقوم الإدارة بذلك خلال الأجل 30 يوما، وإذا تعذر عليها ذلك في الأجل المحدد، جاز لها أن ترفع طلبا إلى المؤسسة من أجل تمديده قصد إعداد الجواب، شريطة ذكر الأسباب الداعية إلى ذلك.

ويتعين على الإدارة أن تقدم الدعم اللازم للوسيط ولمندوبيه الخاصين وللوسطاء الجهويين في المساعي التي يقومون بها، وأن تقوم بالتعاون الوثيق معهم من أجل ذلك، من خلال تيسير مأموريتهم، فيما يقومون به من أبحاث وتحريات، ومدهم بجميع الوثائق والمعلومات المتعلقة بالشكايات أو التظلمات المحالة عليها، باستثناء ما يعتبر منها سريا بحكم القوانين الجاري بها العمل.

إذا تبين للوسيط أو لمندوبه الخاص أو للوسيط الجهوي أن موقف الإدارة إزاء الشكايات أو التظلمات المحالة عليها غير معلل، أو غير قائم على أسس قانونية سليمة، أو مناف لمبادئ العدل والإنصاف، جاز له مطالبة الإدارة المعنية بمراجعة موقفها، وتبليغها بملاحظاته ومقترحاته، قصد إيجاد حل منصف وعادل. وفي حالة رفض مقترحاته أو الاعتراض عليها، يمكنه حسب كل حالة على حدة، إصدار توصية تتضمن الحلول التي يقترحها لإنصاف المشتكي أو المتظلم.

المحور الثالث: دور الوسيط في ترسيخ مبادئ الحكامة الإدارية

يرفع الوسيط، في إطار اختصاصاته، وبصفته قوة اقتراحية لتحسين أداء الإدارة والرفع من جودة الخدمات العمومية التي تقدمها، تقارير خاصة إلى رئيس الحكومة تتضمن توصياته ومقترحاته الهادفة إلى :

ترسيخ قيم الشفافية والتخليق والحكامة في تدبير المرافق العمومية، والعمل على نشرها بين الموظفين والمرتفقين ؛

التقيد بقيم حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، والالتزام بمراعاتها، والنهوض بها في علاقة الإدارة بالمرتفقين ؛

إصلاح ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمهام الإدارة وسائر المرافق العمومية، من أجل تحسين فعاليتها وتنسيق مجالات تدخلها ؛

تصحيح الاختلالات التي قد تعتري سير المرافق العمومية وتطوير أدائها ؛

تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية لتيسير ولوج المواطنين إلى الخدمات التي تقدمها الإدارة في أحسن الظروف ؛

تحسين الخدمات العمومية وضمان جودتها وتقريبها من المرتفقين ؛

تحسين بنية الاستقبال والاتصال بمختلف مرافق الإدارة من أجل تواصل فعال مع المرتفقين.

وإذا تبين للوسيط أن مرفقا من المرافق العمومية لا يراعي مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص، وعدم التمييز بين المرتفقين الذين يتوفرون على نفس الشروط المطلوبة، فيما يتخذه من إجراءات وقرارات، أو ما يقوم به من تصرفات وأعمال، أو فيما يقدمه من خدمات، وجه إلى إدارة المرفق المعني مذكرة تنبيه قصد إثارة انتباهها إلى الإخلال الحاصل في معاملتها مع المرتفقين، ومطالبتها باتخاذ جميع الإجراءات والتدابير العاجلة الكفيلة بتصحيح الوضع، وفق ما تقتضيه المبادئ العامة للقانون وقواعد العدل والإنصاف.

ويمكن للوسيط أن يقدم مشورته وأن يبدي رأيه في كل قضية تعرضها عليه الإدارات المعينة، بمناسبة شكاية أو تظلم أحيل عليها، أو بخصوص المشاريع والبرامج التي تعدها قصد تحسين أدائها، وبصفة خاصة من أجل تبسيط المساطر الإدارية أو تحسين جودة الخدمات العمومية التي تقدمها.

ويجوز لمؤسسة الوسيط تنظيم منتديات وطنية أو إقليمية أو دولية لإغناء الفكر والحوار حول قضايا الحكامة الادارية، وتحديث المرافق العمومية، في نطاق سيادة القانون، ومبادئ العدل والإنصاف.وتساهم المؤسسة في تعزيز البناء الديمقراطي، من خلال العمل على تحديث وإصلاح هياكل ومساطر الإدارة، وترسيخ قيم الإدارة المواطنة، والتشبع بأخلاقيات المرفق العمومي.كما تساهم المؤسسة في إحداث شبكات للتواصل والحوار بين الهيآت الوطنية والأجنبية، وكذا بين الخبراء من ذوي الإسهامات الوازنة في مجال الحكامة الإدارية الجيدة، من أجل الانفتاح على مستجدات العصر.

وختاما ، يرفع الوسيط للملك تقريرا سنويا عن حصيلة نشاط المؤسسة وآفاق عملها. ويتضمن التقرير على وجه الخصوص، جردا لعدد ونوع الشكايات والتظلمات وطلبات التسوية، وبيانا لما تم البت فيه منها، وما قامت به المؤسسة من بحث أو تحر، والنتائج المترتبة عنهما لمعالجة الشكايات والتظلمات، والدفاع عن حقوق المشتكين، ولما تم البت فيه منها بعدم الاختصاص أو عدم القبول أو الحفظ.كما يتضمن هذا التقرير بيانا لأوجه الاختلالات والثغرات التي تشوب علاقة الإدارة بالمواطنين، وتوصيات الوسيط ومقترحاته حول التدابير التي يتعين اتخاذها لتحسين بنية الاستقبال، وتبسيط المساطر الإدارية، وتحسين سير أجهزة الإدارة، وكذا لترسيخ قيم الشفافية والحكامة وتخليق المرافق العمومية وتصحيح الاختلالات التي تعاني منها، وإصلاح ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمهام الإدارة، ومحاور برنامج عمل المؤسسة على المدى القصير والمتوسط، وموجزا عن وضعية تدبيرها المالي والإداري.

* باحث في القانون العام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *