وجهة نظر

الإصلاح هو الثورة والثورة هي الإصلاح..

الثورة فكرة نورانية نقتبس منها الامل و الشوق و معاني الكفاح …الثورة بذرة لابد لها من ارضية قادرة على استنباتها و سواعد مستحملة لعناء غرسها و قلوب مستعدة لسقايتها حتى اخر قطرة و اخر زفرة ..الثورة ثمرة علقم طعمها ما لم تعطى كل الوقت لتنضج… الثورة وردة تذبل بالشعارات .. تقتلها المزايدات و تسقيها الاصلاحات الحقيقية .. الثورة ليست في مقابل الاصلاح كما يتصور البعض .. الاصلاح هو الثورة .. أول الثائرين هو الاصلاحي الصامد على تخومالفساد، المقاوم من على فواهة البركان لهيب السلطوية و الاستبداد و جمر التبخيس و الازدراء من الحليف و المخالف.

ان تتبنى خطا اصلاحيا يعني ان يكون نفسك طويلا .. يعني ان تعرف حجمك الحقيقي في الساحة و على اساسه تناور .. ان تبقى منسجما مع مبادئك وخطك النضالي وأفقك الديمقراطي .. ان تمارس السياسة بواقعية ، ان تراكم النقاط في معركة لا تنتهي بالضربة القاضية .. كل مقاومة لك اشارة ايجابية لك انك تتقدم في الطريق الصحيح “..pas de véritable réforme sans résistances.”

ان تكون اصلاحيا يعني انك تمارس السياسة بمنطق الواجب و بمنطق فعل الذي ينبغي فعله في الوقت الذي ينبغي القيام به دون حسابات ضيقة، بما يحفظ المصالح الكبرى، فكما يقول بيجوفيتش في الاسلام بين الشرق و الغرب ” الواجب هو المصطلح الاساسي في علم الاخلاق، و المصلحة هي المصطلح الاساسي في علم السياسة .الواجب و المصلحة و ان كان متعارضين، فانهما قوتان محركتان للنشاط الانساني و لا يمكن الخلط بينهما فالواجب يتجاوز دائما المصلحة ، لا يمكن للانسان ان يكون محايدا بالنسبة للأخلاق فهو اما ان يكون صادقا في اخلاقه او كاذبا..”و بهذا المنطق لا يمكن للإصلاحي الحقيقي ان ينخرط في معارك غير اخلاقية او ان يمارس التدليس و التغليط او ان يعد بما يفوق قدراته و حجمه الحقيقي، حيث أن أول مهامه أن يعرف ماهيته أولا و على أساسها و في نطاقها يراكم المكتسبات.

حين تكون وسط المعمعة توقع كل شيء، قد تصادف خصما لذودا يجري و لا يجرى معه .. أو منافقا حلو اللسان تشتهي ان تسمعه، أو قد يقف على بابك سفيه لا تستحيى ان تصفعه ..حين تختار ان تكون اصلاحيا لا تكثرت لكل ما قد يقع لك ، قد تتلطخ ملابسك بالأوحال كما تتلطخ ملابس الميكانيكي الذي يظل يقلب في الدوالب و البراغي تحت السيارة لكنه مع كل ذاك الوحل يخرج منتشيا منتصرا مصلحا أعطابا ما كانت لتسير بها السيارة لولاه ، قد تتلقى ضربات مباغتة و صعقات نارية كما يتلقى احداها الكهربائي و هو في قمة عمود الكهرباء يحاول اعادة الضوء و انهاء ظلام الحي و تنوير الشارع ، قد تتم تصفيتك و تنحيتك او قد يفوتك القطار و انت تلقي التحية الاخيرة على ذاك الرفيق الغارق في بركة ماء طيني ابتلعت سيارته على ضفاف ذاك الوادي الموحش .. لاكن الأهم من كل هذا و ذاك ان تواصل المسير ،ان تتقدم، ان تضيق الخناق على دوائر السلطوية و الاستبداد ، أن تعرف اين تضع كل خطوة من خطواتك أن تزل بعد ثبوتها ، المهم ان تصلح doucement, mais surement…

تأكد ايها الثورجي البطل ان لا شيءسيتغير ما دمت تنظر للثورة من تحت غطائك الدافئ ،ما دمت تسفه كل محاولات الاصلاح ، ما دمت مجرد ظاهرة صوتية،ما دمت ضمن من قال فيه سليل بار من ابناء المدرسة الاتحادية حسن طارق قبل ايام قولة بليغة رصينة ” كثيرون ينتظرون من داخل بطانية دافئة و خلف شاشة حاسوب ، تمرد شباط، و صمود بنكيران ،و عودة الاتحاد، و نهاية أحزاب الإدارة، و إحياء 20فبراير ،و التحاق العدل والإحسان بالكتلة التاريخية ،لكن في انتظار ذلك لابأس من الهجوم على الإصلاح بلغة الثوار ،ولابأس من مناهضة الجرأة بلغة المحافظين ،ولابأس من إتهام الثوار بعبارات الخيانة ،ولا بأس من التهكم على مقاومي الفساد بمنطق الواقعية ،ولابأس من رمي الواقعيين بتهمة التطبيع مع الفساد في انتظار الذي يأتي أو لا يأتي لابأس من أن نقرأ مع محمود درويش قصيدته “لا شيء يعجبني”

حين تكون الامور مهيئة يا رفيق و البحر هادئا غير هائج يا صديق فالجميع يحسن القيادة او كما يقول المثل « Quand la mer est tranquille, chaque bateau a un bon capitaine. »

من الدروس المهمة التي درسوها لنا في التدبير ما يطلق عليه « Management du changement » اي تدبير التغيير و الذي يعتبر فهم ميكانيزمات التغيير من الامور الاساسية في فهم ديناميته ،يؤكد الباحثانPatrick Krasensky و Pierre Zimmerعلى جوهرية “مقاومة التغير” في أي عملية تغيير بل هو اشارة اساسية و ضرورية للتأكد من فعالية الاصلاح او التغيير و مدى سيره في الاتجاه الصحيح ،فأي تغيير او أي اصلاح يستلزم مقاومة بالضرورة في حين ان أي تغيير لا تصاحبه مقاومة يعني انه غير ذي جدوى، و لا تفسير لغياب المقاومة الا ان الاصلاح لا يغير اي شيء ،جاء في مقال مشترك لهما نشراه ما يلي :

« Il existe deux types fondamentaux de changement auxquels nous pouvons être confrontés :
– celui qui correspond à notre souhait (ne rêvons pas, il n’existe pratiquement jamais) ;
– celui qui n’y correspond pas.

La résistance au changement est une réaction normale, légitime d’un système qui tente de se maintenir à tout prix. Dans ses propos sur le changement, Jean Monnet l’a bien compris : « Elle est même le signe le plus sûr qu’on est sur la voie du changement » Gérard-Dominique Carton  définit ainsi la résistance au changement : « Phase indissociable de tout processus de changement indésirable. Elle est non seulement naturelle mais aussi utile, permettant notamment de filtrer le changement et de le rendre objectif.”.

Tout changement est déchirement et souffrance. Aucune raison de se résigner à la douleur. Il y a du mal à se faire du mal, même si l’on sait depuis la sortie du délectable best-seller de Paul Watzlawick  chacun prend un malin plaisir à faire soi-même son malheur. »

هذا الكلام ليس تبريرا و ليس تعجيزا و ليس هروبا الى الامام و لا انبطاحا بل كلام انسان تكويه احلام الثورة و تصفعه اوجاعها و لكنه يريدها ثورة حقيقية مستديمة موافقة للسنن الكونية في التغيير في مقدمتها التدرج و الكياسة ..و لا يريدها نزوة عابرة من نفوس يائسة مضطهدة اعياها طول المسير ، لا تصبر على الثمار حتى تنضج فتفسدها ، كشف التاريخ انها ياما استبدلت طغيان بأشد منه و استبدادا بأوجع منه ..

هو كلام المتشبع بفكرة الاصلاح حتى النخاع ،المؤمن بجدواها مهما استطال الزمن هذا الواقع البائس.. و هو كلام انسان في اعماقه كما قال درويش ” امل يأتي و يذهب يأبى ان يودعه” مدرك ان الذي به يستمرئ الفلاح الذي يعمل في الارض و يستطيب الكدح هو امله في الحصاد المدخور ،و ان الذي يغري التاجر بالأسفار الطويل هو امله في الربح الموفور، و ان الذي يحبب للمريض الدواء المر الكريه هو امله في العافية، فكيف لا يكون في صدر الاصلاحي امل بصلاح الاحوال و لو بعد حين فلا يليق به القنوط فكما قيل “الهلاك في اثنين قنوط و عجل ” يأسا و قنوطا و هما و مؤشران على انطفاء هذه الجدوة و هذا الشعاع في الصدر و انقطاع خيط الرجاء بما يوهي في النفس دواعي العمل فالقنوط يجعل الانسان منكسرا لا يحاول ، ولا يقرع الباب مجددا ،يفرغ يده من كل تعلق، لانه سقط عند اول منحدر و امام أول عقبة ، ولعل هذا ما يجعل ابرز التحديات عند اصحاب الفكر الاصلاحي هو تجذير عقيدة الامل و النفس الطويل في الاصلاح و المراكمة و التركيز على “سؤال العمل” .