سياسة

بعد نكسة 8 شتنبر .. هل انتهى المشروع السياسي لحزب العدالة والتنمية بالمغرب؟

فاطمة الزهراء غالم – الدار البيضاء

شكلت خسارة حزب العدالة والتنمية في انتخابات 8 شتنبر الجاري، ضربة موجعة للحزب وخاصة قيادييه، وذلك بعد حصوله فقط على 13 مقعدا بعدما سبق له أن حاز 125 مقعدا خلال ولايته الحكومية السابقة، وهي هزيمة وصفها محللون وباحثون بـ “النكسة” الأولى من نوعها التي تلحق حزبا سياسيا منذ استقلال المغرب.

ورفض الحزب تلبية دعوة رئيس الحكومة عزيز أخنوش المعين من طرف الملك الجمعة 10 شتنبر الجاري، للمشاركة في مسلسل المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة، ليكون قد قرر العودة إلى صفوف المعارضة كما كان قبل انتخابات 2011.

وفي الوقت الذي اعتبر البيجيدي نتيجة الانتخابات الأخيرة بأنها “غير مفهومة وغير منطقية”، باستعمال المال و”الخروقات” التي عرفتها العملية الانتخابية، أرجع مراقبون أسباب سقوط الحزب من سدة الحكومة، إلى سخط شعبي على حزب لم يف بوعوده، وموافقته على توقيع اتفاق التطبيع مع إسرائيل، إضافة إلى قضايا التوظيف بالتعاقد وإلغاء صندوق المقاصة وزيادة سن التقاعد والاقتطاعات من الأجور وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين خلال الأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا.

وبعيدا عن الأسباب، طرحت جريدة “العمق”، أسئلة من قبيل؛ هل أفسدت السلطة العقيدة السياسية لحزب الإسلاميين بالمغرب؟ وكيف ساهم ضعف القيادة في هدم مشروع البيجيدي خلال محطة 8 شتنبر؟ ثم هل يراهن الحزب على ابن كيران لترميم صفوفه والعودة إلى واجهة الانتخابات المقبلة؟

السلطة تُفسد

“يقال بأن السلطة تفسد، وعندما يقود حزب حكومتين بشكل متتال فمن المؤكد أن صورته سوف تتضرر لدى الناخبين، خصوصا إذا صاحب ذلك بعض القرارات والسياسات التي تضر بالمواطنين وبقدرتهم الشرائية ومعيشهم اليومي، كما حصل بالنسبة لحزب العدالة والتنمية”. يقول الكاتب والمحلل السياسي المتخصص في الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي إدريس الكنبوري.

ويضيف الكنبوري جوابا على أسئلة جريدة “العمق”: “ومع ذلك يجب أن نعترف للحزب بأنه نجح في الحصول على ولايتين حكوميتين متواليتين، وأن يحافظ على الصف الأول خلال انتخابات 2011 و 2016، وهذا لم يحصل حتى للأحزاب السياسية التقليدية ذات التاريخ الطويل، ونذكر هنا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي تولى قيادة حكومة التناوب في نهاية التسعينات، مع ما رافق ذلك من دعاية إعلامية وإنزال سياسي وفكري، ومن ذلك لم يحافظ على موقعه في الانتخابات التالية لولايته الحكومية الأولى”.

وقال المتحدث: “نعم، لقد تضررت العقيدة السياسية للحزب بشكل كبير بتوليه السلطة، حيث سقط الكثير من مسؤوليه أخلاقيا أمام المواطنين، وظهر على بعضهم الثراء، وغيروا مواقفهم من العديد من القضايا التي كانت في السابق جزء من العقيدة السياسية للحزب، بحيث لا يمكن التسامح مع التخلي عنها، مثل التطبيع واللغة العربية مثلا”.

من جهته وحول سؤال هل أفسدت السلطة عقيدة قيادات الببجيدي، قال الدكتور إدريس الفينة رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية بالرباط في تصريح لجريدة “العمق المغربي” إن “كل الأحزاب تتآكل نتيجة للحكم ومايتبعه من غنائم. اليوم وفي إطار الفردانية السائدة كمبدأ عام، الجميع يريد أن يستفيد من غنائم الحكم داخل الأحزاب وهو ما يخلق صراعات داخلية تضعف هذه التنظيمات وتلاحمها الذي كان سببا في تطورها وهو الأمر الذي ينطبق على حزب البيجيدي”.

يضيف الفينة قائلا: “كما أن المواطن بدأ يلاحظ التغييرات الواضحة التي حصلت على المستوى الاجتماعي لمسؤولي حزب العدالة والتنمية، وهو تغير شمل المساكن والسيارات التي يتملكونها، بل حتى تعدد الزوجات كمظهر للبذخ، الأمر الذي أبعد القيادات عن القواعد التي ساهمت في صعودهم السابق. كل هذا ساهم في فقدان الثقة في هذا الحزب ذو الهوية الإسلامية الذي أصبح كباقي الأحزاب أي حزب يلهث على الغنائم الفردية”.

هل انهار مشروع البيجيدي؟

حول ضعف قيادة حزب العدالة والتنمية وعلاقته باحتمال انهيار مشروع حزب العدالة والتنمية، يقول ادريس الكنبوري: “لا أعتقد أنه يمكننا الحديث عن مشروع إخواني بالمعنى الدقيق للكلمة، كما يتم تداول المصطلح في بلدان أخرى”، مؤكدا أن “المغرب لديه خصوصية وهو أنه نظام ملكي قائم على الدين، وبالتالي لا يمكن لأي مشروع ذي طابع ديني أن يدخل في منافسة مع المؤسسة الملكية التي تمثل إمارة المؤمنين في الوقت نفسه”.

المحلل السياسي والباحث في الفكر الإسلامي، اعترف في حديثه بأن مرحلة قيادة سعد الدين العثماني للحكومة كانت “مرحلة سيئة بالنسبة لصورة الحزب لدى الرأي العام، حيث كان التواصل ضعيفا جدا، وكان الحزب متواريا خلف الأحزاب المشاركة معه في الحكومة، وهذا على عكس مرحلة ابن كيران الذي كان يكثر من الخروج الإعلامي، وكان ذلك الخروج الإعلامي القوي والقدرة على التواصل يغطيان حتى على فشل الحكومة في عدد من الملفات، بل حتى على القرارات غير الشعبية. لكن مع حكومة العثماني الأمر مختلف”، يقول الكنبوري “إذ اجتمع ضعف التواصل مع ضعف الحصيلة فكانت النتائج التي رأيناها في الانتخابات الأخيرة”.

من جانبه، قال ادريس الفينة: “البيجيدي لا يتوفر على مشروع ورؤية تنموية واضحة للبلاد كما لا يتوفر على قاعدة واسعة من الاقتصاديين والمفكرين والمثقفين القادرين على تزويد الحزب باستمرار بأفكار متجددة”. مردفا: “لقد اشتغل هذا الحزب طيلة العشر سنوات الأخيرة بما كانت تمليه عليه الإدارة، حتى برنامجه فقد وضعه جانبا. لقد كان وزراء هذا الحزب يشتغلون كموظفين عند الإدارة كما فعلت الأحزاب التي سبقتهم”.

وأضاف إدريس الفينة: “كانت لهم فقط خطة يتقاسمونها مع باقي الحركات الإسلامية في المشرق والتي تهدف إلى اختراق هياكل الدولة من خلال الموارد البشرية المؤهلة ومن خلال مناصب المسؤولية. إذا لاحظنا أنه خلال فترة سيطرة هذا الحزب على وزارة التعليم العالي حاول الإستحواذ على أكبر عدد من الجامعات والكليات والمدارس العليا بما فيها المدرسة العليا للإدارة بهدف تكوين كوادرهم ودمجهم داخل مختلف الإدارات كمسؤولين كبار ، لقد لاحظنا أنه طيلة العشر سنوات الأخيرة من حكم البيجيدي كيف أغرقوا الإدارة بالتعيينات في مناصب المسؤولية. هذه الاستراتيجية لم تعط أكلها بل ساهمت في تدمير الحزب وإضعاف قدراته التنظيمية” يقول الفينة.

أزمة قيادة وفقدان المرجعية

أعرب ادريس الكنبوري عن اعتقاده بأن مشكلة حزب العدالة والتنمية الأساسية اليوم ستكون هي إيجاد البديل للقيادة الحالية، “قيادة جديدة لديها كاريزما وقادرة على أن تدفع نحو نقد ذاتي داخلي بكل جرأة”.

وبخصوص ما حصل عليه البيجيدي من أصوات خلال اقتراع 8 شتنبر 2021، أوضح المصدر نفسه بأن “الحزب اليوم عاد إلى حجمه الطبيعي قبل مرحلة الربيع العربي، بل عاد إلى انتخابات 1997 حين بدأ حزبا صغيرا، لكن بخلاف المرحلة السابقة فهو اليوم بدون مرجعية”، مؤكدا بأن الحزب “فقد مرجعيته الإسلامية التي ينادي بها وهو في المعارضة”، ولذلك يقول الكنبوري “من القضايا التي أعتقد أن القيادة المقبلة للحزب سوف تعيد النظر فيها هي قضية المرجعية”.

وحول رهان البيجيديون على عبد الإله ابن كيران لترميم الكسر الذي لحق الحزب في انتخابات 8 شتنبر 2021، قال رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية ادريس الفينة: “لا اعتقد أن ابن كيران باستطاعته ترميم هذا الحزب لأسباب متعددة، أولا هذا الشخص أصبح منبوذا داخليا وخارجيا بل أصبح ورقة محروقة، ثانيا الحزب أصبحت له زعامات جديدة قادرة على منافسة الزعامات التاريخية ضعيفة التكوين، كما أن الحزب بحاجة للقيام بمراجعات متعددة لتوضيح أهدافه”.

وأشار الفينة إلى أن الخطاب الباطني لقادة حزب العدالة والتنمية “يظهر بوضوح أن بهم صراع مع الدولة ولبس مع تنمية البلاد. كما أن استغلاله للخطاب الديني واستغلاله للفئات الفقيرة الهشة يحتاج لمراجعة”. يضيف الفينة: “لاحظنا كذلك أن هذا الحزب خلق قاموس جديد من المفردات السياسية بهدف الإبتزاز وردع الخصوصي باعتماد براهين واهية من قبيل الدولة العميقة والتماسيح والبليكي، ومؤخرا مصطلح النكافة، كما أن الحزب كان يتبين باستمرار مواقف مبهمة لا هو في المعارضة ولا هو في الحكومة. كل هذا جعل هذا الحزب ينزلق نحو الأسفل لأن المواطن المغربي ذكي ويميز بين الوعود والإنجازات وآثارها عليه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *