سياسة، وجهة نظر

صبري: تقرير الأمين العام يتضمن تراجعات خطيرة تمس بالمركز المغربي في نزاع الصحراء

اطلعت على وثيقة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص دراسة الحالة الدورية في الصحراء المغربية ما بين شتنبر 2020 و31 غشت 2021، والصادر بتاريخ 1 اكتوبر 2021، وسيحمل المراجع؛ s/2021/843 وفقا للاشارة الواردة في الصفحة الأولى منه.

ونظرا لما بدى لي من ملاحظات على اثر عديد من القراءات بتمعن وتركيز، فانني ارتأيت من موقعي كباحث متخصص في الملف، ومواظب على متابعة تطوراته تسجيل مجموعة من الملاحظات، التي انظر اليها نكوصا وتراجعا من جهة الأمين العام مس بسابق توصياته، ومس بسابق قرارات مجلس الأمن نفسه، و انتهك مبدأ الحفاظ على التقدم المحرز.

وقد لا أشير الى جميع أجزاء وأبواب التقرير إلا في اطار وفي حدود علاقتها بالجزء المكون للباب الثامن الخاص بالملاحظات والتوصيات لكونها الأهم فيه، والبقية عبارة عن وقائع تؤسس لهذا الباب.

وينطلق الأمين العام في ملاحظاته و توصياته من الفقرة الأخيرة في الصفحة 13 من النسخة الأنجليزية في التقرير، و التي تحمل عدد 84 . وللاشارة فان عدد الملاحظات والتوصيات هو 13، من الفقرة 84 الى حدود الفقرة الأخيرة ذات العدد 96.

أولاً: التقرير حجة على ادانة البوليساريو و الأمين العام يعفيها من العقاب.

تعمد الأمين العام في تقريره عدم تسمية البوليساريو كمنتهك لوقف اطلاق النار رغم انه استهل ملاحظاته وتوصياته بتسجيل قلقه البليغ للتطورات في الصحراء طيلة مدة التقرير، وبأهمية بقاء وضع المنطقة العازلة كمنطقة منزوعة السلاح كحجر الزاوية في الحل السلمي للوضع.

ورغم تركيز الأمين العام على مسؤولية البوليساريو في شرق الجدار الدفاعي المغربي كمصدر لاطلاق النار، واشارته الى احتمال تصاعدها، وأن ذلك يؤثر سلبا كما يعيق العملية السياسية، فان الأمين تعمد توجيه الدعوة الى الطرفين المغرب كما البوليساريو لخفظ التصعيد، وهذه التوصية تحمل في حد ذاتها حيفا ضد المغرب.

ذلك انه يتم وضع المغرب في نفس المرتبة، رغم اعتراف الأمين العام بكون اطلاق النار صدر عن البوليساريو، وبأن عناصرها المسلحة حضرت الى المنطقة بتاريخ اكتوبر وبداية نونبر 2020، وان الأخيرة وجهت طلقات نارية في اتجاه الجدار الدفاعي، صوب قوات الجيش الملكي المغرب.

وهو الاعتراف الذي فصل فيه الأمين العام في الفقرة 13 من نفس التقرير، إذ عززه بمعاينات المينورسو ، وأشار أيضا تلقيه مراسلة من ابراهيم غالي يعلن فيه انهاء البوليساريو اتفاقه مع الأمم المتحدة بوقف اطلاق النار.

فالأمين العام يقر بكون البوليساريو هي المنتهكة لوقف اطلاق النار والضالع فيه، ويعترف بتلقيه اشعارا بخروجها عن اتفاقها بذلك، ومع ذلك يوجه دعوة تهم المغرب ايضا بوقف التصعيد مع انه فصل من ذي قبل في عناصر مسؤولية البوليساريو، دون ان تتضمن ملاحظته وتوصياته ما يفيد ضرورة توجيه انذار من مجلس الأمن الى البوليساريو ومسؤوليتها.

ثانيا: الأمين العام يتصرف في نعوت الحل بالواقعي والعملي، و يتراجع عن التقدم المحرز؛

مازال الأمين العام يؤمن بامكانية التوصل الى حل، إلا أنه وخلافا لسابق توجيهاته وتذكيراته التي ركزت على نعوت واضحة بالحل السياسي الواقعي والعملي، المتوافق عليه، فانه تراجع عن استعمال الوصفين “الواقعي والعملي”، واستبدلها “بالعادل والدائم”.

ورغم تركيز السيد الأمين العام في الفقرة على الاطار القانوني للحل، والذي حدده في القرارات التي تبدأ بما خلص اليه مجلس الأمن في القرارات 2440 (2018) و 2468 (2019) و2494 (2019) و2548 (2020)، و تتضمن جميعها الاشارة الى التوجيه الأممي بالبحث عن حل سياسي متوافق عليه عملي وواقعي ، فانه وعلى مايبدو من خلال الملاحظة التي رددها الأمين العام لاكثر من ثلاث مرات في باب الملاحظات والتوصيات، يعطي دليلا انه تعمد هذا البتر لغاية في نفسه يبغي تحقيقها. وهو بتر يضر بالمغرب ويمس تقدم مركزه مادامت النعوت المذكورة والمبتورة في تكييفها واسقاطها تطابق مع المدلول الذي هو المبادرة المغربية بالحكم الذاتي .

وللاشارة فان الوصف الأخير الذي استعمله الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الحالي، هو نفسه الذي استعمله السيد كوفي عنان في التقرير 249/2006، واستعمله مجلس الأمن في القرار 1175 اسنة 2006. وهي برقية واضحة المعاني و تحمل عدة رسائل؛

فهل هو تراجع عن التقدم الذي حصل في عمليات البحث عن حل الذي تم وصفه في القرارات 2440 (2018) و 2468 (2019) و 2494 (2019) و 2548 (2020) والذي ينطبق او يكاد على مبادرة المغرب بالحكم الذاتي؟، خاصة وان الوصف المستعمل حاليا هو عن ماقبل تقديم المبادرة المغربية الى الأمين العام في ابريل 2007، ويعود لسنة 2006.

والوصف المستعمل في ملاحظة وتوصية الأمين العام يجعل من حق المغرب أن يبدي تحفظا وتساؤلات حول دواعيه، فان ذلك ليس من منطلق الخوف الذي لا شك ينتابه ايمانا منه بانه صاحب حق، بل حرصا منه على حقوقه التي استقرت في الاشادة بمبادرته و الاشهاد الأممي الذي طبعت به انها ذات المصداقية والجدية والواقعية.

ولا يثير ذلك خوف المغرب مادام الأمين العام يؤكد على الاطار المرجعي للحل يشير اليه الأمين العام في قراره الحالي في الفقرة 87 من خلال سرده للقرارات المرجعية في القرارات 2440 (2018) و 2468 (2019) و 2494 (2019) و 2548 (2020) ، كما يؤكد في نفس الوقت على اقبار مخطط التسوية الى الأبد، الذي تطالب بها الجزائر و البوليساريو بالعودة اليه تبعا لهذه الاشارة ولكون الحل السياسي العادل والدائم من ابداع المقاربة السياسية منذ 2006.

فمصطلح الحل السياسي العادل والدائم يعود لسنة 2006، و تم الاهتداء اليه على انقاض خطة التسوية التي استحال واقعا وقانونا القيام بها رغم المحاولات والاجتهادات الأممية، وتم تجاوزها بعد خيارات اربع خيارات كوفي عنان على انظار محلس الأمن؛ تدور بين الانسحاب او فرض الحل او تقسيم الصحراء او الاستمرار لصالح المقاربة السياسية.

فما هو السر في اختفاء وتغييب الأمين العام لكلمتي” الواقعية والعملي” في تقريره فالأكيد انها ليست سهوا ولا خطأ بل قصدا وعمدا وظلما وحيفا ضد المغرب وضدا على مبدأ الحفاظ على التقدم المحرز الأممي.

ثالثا: تراجع الأمين العام عن توريط الجزائر كطرف في نزاع الصحراء الاقليمي:

لم يشر الأمين العام في تقريره الى دور ومسؤولية الجزائر سواء في إطار القانون الدولي للجوء اتفاقية جنيف 1951 ، او في اطار مسؤولياتها السياسية في الحل اسوة بباقي تقاريره السابقة، واكتفى بالتذكير بمسؤولياتها في اطار عام ضمن دور دول الجوار الحيوي في التوصل الى حل للمسألة، ثم استطرد ليركز على قلقه من تدهور العلاقات بينها والمغرب وتأثيرها على دعم التعاون الاقليمي والسلام والأمن بشكل شمولي، دون ان يربطها بشكل خاص بالحالة في الصحراء الا من منظور اقليمي عام .

فالأمين العام للأمم المتحدة اجتهد لنزع طابع المسؤولية المباشرة عن الجزائر في اطار واجبات والتزامات واضحة يفرضها القانون الدولي عليها لأنها دولة اللجوء، ولا تحتاج الى طلب لتفعيل هذه الواحبات، ولا الى دليل ولا حجة للكشف على عدم قيامها وعدم اضطلاعها بذلك، أكثر من قرار مجلس حقوق الانسان الدولي الرافض لما يطلق عليه من طرف الجزائر تفويض البوليساريو القيام بذلك نيابة عنها. فالقانون الدولي ليس عقد مقاولة من الباطن، انه قواعد آمرة فلسفتها توفير الحماية.

فقواعد حقوق الانسان في القانون الدولي من النظام العام الدولي، لا يجوز مخالفتها ولا الاتفاق على مخالفتها؛ سواء في التزام احصاء ساكنة مخيمات تندوف التي مافتئ المنتظم الأممي يطالب الجزائر بذلك، او في حمايتها. او في اطار مسؤولية الجزائر السياسية كطرف اساسي في الموائد المستديرة في عهد المبعوث الشخصي السابق هاني كوهلر. وهو تراجع مريب وظاهر من حق المغرب ان يوجه تحفظا علنيا على تقرير الأمين العام لأنه تراجع بين، وربما منعطف خطير يمس بمركز المغرب مجانا، ودون داع ولا مسوغ.

رابعاً: وضع البوليساريو في مرتبة المسؤولة عن حقوق الانسان، واقصاء الجزائر كمسؤولة بقوة القانون الدولي؛

النقطة اعلاه لها علاقة بالفرع الثالث اعلاه، ويستوجب من المغرب تسجيل واعلان التحفظ على ملاحظات وتوصيات الأمين العام لأنها ليست بريئة، فالأخير أي الأمين العام وجه دعوة الى طرفين المغرب والبوليساريو على نفس المرتبة بخصوص احترام حقوق الانسان والتعامل مع آليات احترامها.

فبأي صفة وعلى أي أساس يتم توجيه هذا النداء الى البوليساريو؟ والحال ان المعني بحقوق حريات وحقوق اللاجئين في مخيمات تندوف هي الجزائر، باعتبارها دولة اللجوء، و المسؤولة الوحيدة وفقا لقواعد القانون الدولي، وبأي صفة يتوجه الأمين العام البوليساريو بنفس الطلب الى البوليساريو؟ و على أساس أي مركز قانوني يخاطبها ويوجه الدعوة اليها؟. هنا مكمن التمويه والخطر، هي ليست دولة وليست له الصفة في تلقي هذه المطالب وهذه التوجيهات والتذكيرات.

ويبدو من صياغة هذه الفقرات، وكأن الأمين العام للأمم المتحدة يسير في نفس مضي ومسار قرار محكمة العدل الأوروبية، وانظر شخصيا الى ذلك نظرة المريب، الذي يشك شكا ديناميكيا، واسعى للانقلاب على الفكرة والأفكار، تيمنا بقواعد المدرسة الشكوكية عند الغزالي وابن الهيثم وكانط. سيما اذا استحضرنا تقاطع احد القضاة المصدرين للقرار او الحكم الأوروبي مع الأمين العام للأمم المتحدة في جنسينهم البرتغالية!، فهل من رابط وعلاقة؟.

خامساً: البوليساريو تعيق عمل المينورسو في المنطقة العازلة دون توصية بادانته بالخرق وعقابها بالافراغ:

يعترف الأمين العام الى عدم امكانية فرق المراقبة التابعة للمينورسو من الوصول الى المنطقة شرق الجدار الدفاعي المغربي، الذي اطلق عليه الرملي بسبب العراقيل التي تضعها البوليساريو دون تسمية لهذه الصعوبات، ويدعوها فقط الى رفع ذلك. وهذه الفقرة مبهمة تحتاج توضيحا من قبل الأمين العام ليضع مجلس الأمن في حقيقة ما تقوم به البوليساريو.

خاصة انه اشار الى دور هذه البعثة في اطلاعه واطلاع مجلس الأمن والدول الأعضاء والأمانة العامة على المعلومات والمشورة المرتبطة بالتطورات المستجدة في الاقليم ( الفقرتين 88 و 95) دون ان يبين الأمين العام شكل هذه القيود وطبيعتها وعلاقتها بخرق وقف اطلاق النار وما يوصي به من اجراء وجزاء تجاهها خارج مجرد دعوة موجهة لها لرفع هذه القيود.

في الختام؛ أومن أن التحولات التي تعيشها المنطقة ستلقي بظلالها على الحل في نزاع الصحراء المغربية، ويكشف مضمون تقرير الأمين العام الحالي أن الأمم المتحدة لم تعد لها الجرأة للمضي أكثر من ما قدمته حتى الآن. وتحقيقاتها لن تتجاوز ترجيح المغرب على الجزائر، بل تسير في خط التوازن بحيث لا غالب ولا مغلوب. مالم يتمكن احدهما من احداث تفوق شخصي ذاتي على الآخر، وتتفادى الأمم المتحدة وقوع هذا السيناريو ايضا.

وهو ما يضع التوافق المغربي الجزائري هو الحل، لأنه سيضمن الديمومة للأمن في نفس الوقت الذي يضمن التنمية والأمن والاستقرار. والى أن تجد دعوات المغرب آذانا صاغية لدى قادة الحزائر فان الفرص محكوم عليها ان تضيع والوقت بالهدر، وسيكون المجال المغاربي سوقا لبيع اسلحة الدمار، وموارده عرضة للاستنزاف، وحقوق مواطنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية موضوعا للمزايدات والمناكفات الاعلامية والسياسية.

*محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *