مجتمع

يوم التبرع بالأعضاء البشرية .. أرقام محتشمة ومرضى ينتظرون بصيص أمل (فيديو)

اختار عدد من المغاربة التبرع بأعضائهم سواء على قيد الحياة أو بعد الممات، في مبادرة لزرع الأمل في نفوس أناس كثيرين على حافة الموت، يصعب عليهم تحمل الآلام المرض ومصاريف العلاج، لكن رغم إنسانية هذا الموقف الشجاع، إلا أن قضية التبرع بالأعضاء تبقى من القضايا المجتمعية الأكثر جدلا وسط المغاربة، بين من يعتبرها فعل جائز وبين من يقول إنها “حرام”.

1200 متبرع

كل سنة يخلد المغرب اليوم العالمي للتبرع بالأعضاء، حيث تُقدم الأرقام وتنظم الندوات وتطلق المبادرات التشجيعية في المنصات الاجتماعية، لكن رغم هذا مازال هذا الموضوع لا يحظى باهتمام كبير من طرف بعض المغاربة.

وكشفت أرقام رسمية، أن عدد الأشخاص المسجلين بسجل التبرع لدى المحاكم الابتدائية بالمغرب يصل لحوالي 1200 شخص فقط، مقابل عدد كبير من الأشخاص، ممن ينتظرون من يمنحهم بصيص أمل صغير طمعا في “حياة طبيعية”. 

ومن أجل معرفة تفاصيل هذا الرقم الضئيل، التقت جريدة “العمق”، بالدكتورة أمال بورقية، أخصائية في أمراض الكلي وتصفية الدم، حيث أوضحت أن “أغلب هؤلاء المتبرعين يتواجدون بمدينة الدار البيضاء”. 

وسجلت أمال بورقية أنه “منذ 34 سنة لم يستفيد إلا 600 شخصاً من زراعة الكلي، منهم 60 استفادوا كلية شخص حديث الوفاة، بينما الآخرين حصلوا عليها من طرف عائلتهم”، معتبرة أن “هذا العدد ضعيف جداً”.

وأوضحت أن “ليس جميع الأشخاص المسجلين في سجلات التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية بالمحاكم الابتدائية سيكونون قادرين على منح أعضائهم لمن يحتاجونها على اعتبار أن هذا الأمر لن يتحقق إلا في حالة “موت سريري”. 

وعن الأعضاء التي يجب التبرع بها، أبرزت أن “يمكن للإنسان الحي أن يتبرع بكليته لأنه يمكن العيش بواحدة، إضافة إلى جزء من الكبد والنخاع الشوكي وخلايا الدم، أما إنسان حديث الوفاة فيمكنه التبرع بجميع أعضائه الحيوية”.

أسباب قلة المتبرعين بالمغرب

تبقى أهم أسباب ضعف إقبال المغاربة على التبرع، وفق الدكتورة آمال بورقية، عدم تواجد سجل التصريح بالتبرع في بعض المحاكم، بشكل دائم، إضافة إلى جهل قانون تنظيم التبرع بالأعضاء وتخوف البعض بدعوة أن الأمر “حرام” أو يمكن أن يباع “عضوه”.

ومن أجل تجاوز هذه الأمور، دعت آمال بورقية القائمين على عملية التبرع إلى ضرورة تقديم تفسيرات للمواطنين، الذين يعبرون عن رغبتهم في التبرع، حتى يتسنى لهم القيام بهذه العملية. 

ومضت تقول إنها “تعقد آمالها على الشباب من أجل إقناع أسرهم بالتبرع بأعضائهم لكونها لا تشترى ولا تباع”، موردة أن “تبرع الملايين من الأشخاص يمكن أن يجعل من الزراعة علاج دائم للمرضى بالمغرب”.

صدقة جارية

من بين أشهر مبررات البعض بخصوص عدم جائزية التبرع بالأعضاء، هي عدم وجود آيات قرآنية أو أحاديث نبوية واضحة بهذا الخصوص، لهذا يبقى موقف الدين الإسلامي طريق لا بد من سلكه لأخذ المشورة من أهل الاختصاص.

في هذا الصدد، قال أحمد كافي، أستاذ الدراسات الإسلامية، أن “الدين الإسلامي بصفة عامة يحث على التبرع باعتباره من الأعمال الصالحة”، مضيفا أن “التبرع لا يجوز عندما يسبب مفسدة أو كوارث للإنسان”.

وحول ضوابط التبرع بالأعضاء، أكد أحمد كافي على ضرورة موافقة الشخص المتبرع أو أسرته وأن لا يشكل خطراً على حياته وأن لا يكون التبرع مقابل المال حتى لا نجعل سوق الأعضاء البشرية وافرة بين الناس”.

واعتبر أستاذ الدراسات الإسلامية أن “التبرع من الصدقات الجارية لكونه من الأعمال التي يدوم أجرها مادام ينتفع الآخرين بها”، لافتا إلى أن “التبرع بالأعضاء أعظم ما يمكن أن يجزى به الإنسان عند الله”.

مبادرة إنسانية محمودة  

أشرف القرشي، صحفي وصانع محتوى معروف في الشبكات الاجتماعية بمبادراته الإنسانية الدائمة.. هو أحد الشباب الذين يملكون وعياً حقيقياً بأهمية التبرع ووقعه الإيجابي على صحة الآخرين، لهذا تحدى عدد من أصدقائه للتبرع بأعضائهم قبل أن يقوم بنفس هذه الخطوة الشجاعة.

وقال أشرف القرشي إن “خاض تجربة التسجيل في سجل التبرع بالأعضاء كانت عام 2016 بعد اقتناعه بأن أعضائه يمكن أن ينتفع بها شخص آخر”، معتبراً “هذه المسألة محمودة وإنسانية ويجب أن تكون حاضرة في المجتمع المغربي”.

وبرر أشرف القرشي تصرفه بكون أن “التبرع بالدم أمر عادي وجائز وهو أحد الأعضاء الحيوية في جسم الإنسان فلماذا التبرع بالأعضاء غير جائز خصوصاً بعد وفاة الشخص”.

حياة جديدة 

التبرع بالأعضاء لن يأخذ منك إلا بضع دقائق قليلة من وقتك، لكن سيمنح من يتجرعون ويلات الانتظار وغلاء تكاليف العلاج، أملاً جديداً في عيش حياة عادية بعيداً عن وخز الإبر الطبية.

وشجع أشرف القرشي، وهو صانع محتوى معروف في المنصات الاجتماعية على التبرع بالأعضاء، قائلا إن “عدد المسجلين في سجل المتبرعين بالأعضاء بعد الوفاة هزيل جداً وليس الجميع سيكون قادراً على التبرع”.

ومن جانبها، دعت رئيسة الجمعية المغربية لمحاربة أمراض الكلي إلى “تعديل قانون التبرع بالأعضاء”، مشددة على “ضرورة التبرع بهدف مساعدة الأشخاص الذين يعانون في صمت”.

أرضية قانونية مشجعة 

يعتبر المغرب، من الدول السباقة في التبرع بالأعضاء البشرية، حيث سن عام 1999 قانونا يسمح بالتبرع وفق شروط واضحة، مقابل عقوبات سجنية صارمة في حق الأشخاص الذين لا يحترمونه. 

ومن بين أول شروط القانون أن “يكون الغرض من التبرع بالأعضاء وأخذها وزرعها علاجيا أو علميا، مع موافقة مسبقة من الشخص المتبرع قبل وفاته، مشددا على أن “عمليات التبرع مجانية، حيث لا يمكن أن تكون “محل معاملة تجارية”. 

وأكد القانون على أن “ألا يلحق بالمتبرع أي ضرر، وأن لا يعرف هوية المتبرع له ، كما لا يجوز كشف أي معلومات تمكن من التعرف على هوية المتبرع والمتبرع له وأن تكون عمليات الآخذ والزرع داخل المستشفيات المعتمدة من طرف وزارة الصحة”.

كما يشترط أن تجرى عملية أخذ الأعضاء إلا بعد وضع محضر معاينة طبي يثبت وفاة المتبرع دماغيا، بناء على علامات سريرية وشبه سريرية متطابقة يحددها وزير الصحة باقتراح من هيئة الأطباء الوطنية.

وإلى جانب هذا، منح قانون “التبرع”، للأشخاص الذين إمكانية الاعتراض عن أخذ أعضائهم البشرية بعد الممات، بواسطة تصريح يتلقاه رئيس المحكمة المختصة التابع لها محل إقامته أو القاضي المعين لهذا الغرض. 

تفاصيل أكثر في هذا الروبورتاج:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *