وجهة نظر

سلعة “الشينوا”

عندما شرعت الصين في غزو العالم بمنتوجاتها وبضائعها الرخيصة، ترسخت في أذهان المستهلكين صورة البضائع الرخيصة الثمن والضعيفة في الجودة. وعندنا في المغرب، انتشرت عبارة “هاديك غير سلعة الشينوا” كتعبير، لا يشمل فقط البضائع المصنوعة في الصين، وإنما يشمل كل بضاعة ضعيفة الجودة. واليوم أصبحت البضائع الصينية تعرف إقبالا كبيرا على الصعيد العالمي، وأضحت كبريات الشركات العالمية تجد صعوبة كبيرة في منافسة السلع الصينية حتى في عُقر الدار التي قامت فيها الثورة الصناعية، كالبلدان الأوروبية مثلا. بل أكثر من ذلك، دخلت الصناعة الصينية مجالات تفرض جودة عالية في التصنيع ولا مجال فيها لا للخطأ ولا للرداءة، كمجالات الإلكترونيات والاتصالات والصناعات الفضائية والحربية. فماذا وقع كي تتحول البضاعة الصينية من “سلعة الشينوا” إلى السلعة الأكثر رواجا في العالم؟

قبل الإجابة على هذا السؤال، تجدر الإشارة إلى أن المغرب الذي شرع في الترويج لعلامة “صنع في المغرب”، في حاجة ماسة لدراسة النموذج الصيني لكي يحقق النجاح المنشود في الترويج للسلع المغربية على الصعيد العالمي.

بخصوص النموذج الذي اتبعته الصين لنيل حظها من السوق التجارية العالمية، يمكننا القول إنه نموذج عرف مرحلتين، وكل مرحلة شهدت قائدا أو زعيما طبع مرحلته بأفكاره ومواقفه وسُلَّم الأوليات التي يؤمن بها. المرحلة الأولى شرعت فيها الصين في استثمار قدراتها الإنتاجية وطاقات مواطنيها في العمل. فقامت بإنشاء العديد من المعامل والمصانع التابعة للدولة التي يحكمها الحزب الشيوعي. خلال هذه المرحلة كانت مسؤوليات تسيير هذه المصانع تُسند على أساس الولاء للحزب الشيوعي ولا تعطي أي اعتبار للكفاءة والتجربة والخبرة. ناهيك عن استغلال أعضاء الحزب الحاكم لمسؤولياتهم الحزبية في الدفع بأبنائهم وأقربائهم في تحمل مسؤوليات كبيرة داخل المصانع وفي النسيج الاقتصادي الصيني. خلال هذه المرحلة، كانت السلع الصينية ضعيفة الجودة وفاقدة لمقومات التنافس الدولي مع سلع العالم المتقدم.

هي فترة كانت توصف بها المنتوجات الصينية بوصف “سلعة الشينوا”. ولربط هذه المرحلة بالتاريخ السياسي للصين، نقول إنها مرحلة حكم الزعيم “ماو تسي تونغ” واستمرت حتى بعد وفاته. وهي مرحلة اتسمت بالتركيز على الولاء الحزبي وللفكرة الشيوعية على حساب الكفاءة والخبرة.

في المرحلة الثانية، سيظهر زعيم صيني جديد يحمل فكرا براغماتيا، إنه الزعيم الذي يوصف بباني الصين الحديثة “دينغ كزاو بينغ”. دشن هذا الأخير عهده بما يسمى الطريق الثاني الذي يتيح المجال للمبادرة الفردية والسوق الحرة إلى جانب مركزية الدولة والسوق الاشتراكية. لكنه في المقابل كان لا يعطي أي قيمة للولاء للحزب الشيوعي في إسناد مهمة تدبير مصانع الدولة، بل اعتمد معيار الكفاءة وتكافئ الفرص، وأدخل معيارا جديدا هو تحقيق الأهداف الذي على أساسه يتم تقييم عمل المسؤولين على الوحدات الاقتصادية والصناعية. والسبيل الوحيد للبقاء على رأس فريق التدبير والتسيير هو نسبة تحقيق الأهداف المسطرة. ومن لم يحقق تلك الأهداف يتم إبعاده أو إنزاله إلى درجات أقل ولو كان هو ابن الأمين العام للحزب الشيوعي.

هكذا استطاعت الصين أن تغير سمعة بضائعها من لعنة “سلعة الشينوا” إلى سلع وبضائع تنافس منتوجات كبريات الشركات العالمية. كما أن الصين عرفت كيف تُبدع منهجية وخطة متناسقة مع مقوماتها الإنتاجية بعيدا عن النموذج الغربي الذي يستهوي الكثير من الدول. فالتجربة الصناعية الصينية أثبتت بأن النموذج الصناعي الغربي ليس هو النموذج الأوحد لتحقيق الطفرة الصناعية.

نعود إلى طموح المغرب في الترويج لعلامة “صنع في المغرب”، ونقول إن هذا الطموح يستمد حقيقته من المقومات الكبيرة التي يزخر بها الاقتصاد المغربي. وأن علامة “صنع في المغرب” لها دعائم وأسس صلبة تستمدها من مستوى النسيج الاقتصادي الذي حققه المغرب ومن الموارد البشرية المؤهلة والقادرة على رفع التحدي.

لكن على المغرب أن يوفر الشروط الضرورية لنجاح الترويج لهذه العلامة حتى تكون السلع المغربية قادرة على التنافس في السوق الدولية. هذه الشروط تتلخص في تشجيع الكفاءات والخبرات وتدعيم تكافئ الفرص، ومحاربة استغلال النفوذ والتقليص من مستوى الفساد الذي يهدد نجاح المغرب في جعل علامة “صنع في المغرب” تغزو الأسواق العالمية. ولعل الشعار الذي جاء في تقرير النموذج التنموي الجديد “تحرير الطاقات” كفيل بتوفير الشروط الضرورية لنجاح مشروع “صُنع في المغرب”، إن استطاعت بلادنا تحويله إلى مشروع مجتمعي كفيل بمحاربة سلطة النفوذ أو ما يَصطلح عليه المغاربة ب “باك صاحبي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *