أدب وفنون، منتدى العمق

“السر القديم”.. مشاهد وإحاءات وأسرار تحملها الكتابة

إن المشاهد هذه الأيام المتتبع للمسلسل المغربي الجديد “السر القديم” الذي يبث على القناة الأولى، غالبا ما يلاحظ أن المسلسل يقارب مواضيع شتى، حيث تحضر الدراما ممزوجة ببعض اللحظات الفكاهية التي خلقها كاتب النص _ السيناريست.

لذلك، فكل ما نتلقاه من حركات وأفعال وتحاور بين الممثيلن في المجال والزمان، بمثابة انعكاس موضوعي للنص الذي كان سيظل سرا في حد ذاته لو لم يخرج في حلته هذه.

إننا هنا نتحدث عن”سعيد نافع” الرجل الذي أخفى عنا هذا السر القديم حتى ظهر في قالب فني يعالج قضايا مجتمعية متشابكة كل خيوطها مرتبطة بالأسرة المغربية وما يشوبها من خروقات. كأن نتحدث عن نبذ المواهب وعدم مواكبتها وتشجيعها وصقلها، التطلع إلى حياة أفضل ولو بطرق عن مشروعة كبيع المخدرات والسرقة، الاستمرار في الحياة ومحاولة ركب قطارها رغم الإكراهات، قصص الحب وأشياء اخر.

كل هذه العناوين العريضة تؤثث مشاهد المسلسل، إذ يسلط عليها صاحب السيناريو الضوء قبل المشخص، وتخرج في عمل متكامل لعب فيه الكاتب والممثل والمخرج كل من زاويته دورا جد مهم في محاولة تصوير الواقع بل وأيضا تقديم احتمالات تغيره.

لهذا، فإن مشاهدة المسلسلات من هذا النوع تجعلنا ندفع بسؤال أساسي إلى الطرح، ألا وهو، ما الذي يجعل العديد من المغاربة ينعثون عدد من الأعمال التلفزية على وجه الخصوص بالتافهة؟ وهل يمكن القول أن الأصل في العمل الفني ومنه التلفزي هو السيناريو ومدى نضجه؟ إن السؤال الأخير يحتمل الجواب في حد ذاته، حيث السر الحقيقي “للسر القديم” يعود بالأساس إلى من نسج خيوط الحكاية في البداية ثم كيف تخيلها ليأتي التمثيل كتتويج لهذا العمل وبسطه واقعيا.

قصة المهدي، هي قصة إحياء العواطف بالنسبة للابن والأم، بل هي قصة كفاح وقصة هوية وأصل، لذا يعود هذا المسلسل مرة أخرى إلى تسليط الضوء على ما يقع بالهامش وهذا ما يجرنا إلى الحديث عن بسبوسة وبدر لم تكن صناعة هذه الشخصيات من باب العبث ولا حتى من باب السخرية والتهكم من الواقع وإنما كمحاولة منا للتأويل.

لا مجال للشك أن الكاتب والصحفي سعيد نافع قد عاش القصة مع ذاته وتخيلها انطلاقا من عدة متغيرات، ثم رسم ملامحها، فعلى الرغم من تعدد أطراف هذه القصة يجعلنا أحيانا نخمن في مآلها قبل الأوان، إلا أن هذه النقطة نعتبرها إضافة نوعية لحبكة القصة لهذا يجرنا الحديث إستحضار شخصية “حنديرة” الذي يعود للحي كما يعود طائر الفنييق من رماده وينبعث من جديد _’علاش رجع حنديرة ؟ حنتاش كلشي بغا يوصل ضغيا’ ،هذه الشخصية في حد ذاتها تفتح للمشاهد باب التفاعل؛ إنه يغني إنه يحب مريم أو يزعم ذلك رغم فارق السن، انه ينتقم من اشياء لم نعلم سرها القديم لحدود الساعة.

إننا في الحقيقة ونحن نستحضر بعض هذه الشخصيات هنا ليس من باب إعادة إنتاجها وإنما نحاول أن نستكشف أبعادها وخلفياتها التي تعود بنا شئنا أم أبينا إلى صاحب النص وصاحب الرؤية “المخرج” وإلى الممثل أيضا.

إن تدشين معالم الكتابة الناضجة ضمن مجال السيناريو ليس بالأمر الهين فالأمر يحتاج إلى تكوين ذاتي بالأساس، حيث لا يمكن إطلاقا أن نتخيل شخصية ما دون نستحضر كوكتيل من من التجارب السابقة سواء الفنية أو الحياتية.

وهنا تجدر الإشارة الى أن هناك تفنن حتى في اختيار أسماء بعض الشخصيات، حنديرة، جميرة، بسبوسة.. نستشعر ونحن ننطق هذه الأسماء وكأنها مرتبطة بمجال معين وبشخوص معينة من الواقع، حيث احتمال أن يكون إسم بسبوسة أو جميرة مرتبط بالأحياء الفاخرة وبأصحابها هو منعدم جدا وبدر هو الآخر إحالة على أن الفن هو بدر لم يكتمل يحتاج الى دورات حتى يعود قمر … فهناك إذن بعض التفاصيل تسكن السر القديم وتمرر بطريقة فنية دون أن يكون هناك تشويش على مخيلة المشاهد، ثم المهدي حيث أن سعد موفق كان موفق في لعب دور المهدي الذي كان مهديا رغم ظروفه إلا أنه يجسد دور من لم تسعفه الظروف الاجتماعية ولا حتى النفسية بيد أنه يشكل الاستثناء حيث يتقفى أثر الناجحين والمثابرين.

“واش كتعرف اكاستا كريستي وحنا منه؟”، حنديرة هنا يسائل مجموعة من الشباب الذين احترفوا بيع المخدرات مثلا وفي نفس المشهد يحضر عنصر التعدد اللغوي والهوياتي خاصة الأمازيغية ليس من السهل إطلاقا أن نجد رؤيا من هذا القبيل رسالتان قويتان في مشهد واحد لهذا يبدو أن السيناريو سيظل مشروع عمل أدبي بل هو في حد ذاته عمل أدبي.

وربما حتى تشكيلة الممثلين العامة للمسسلسل تعكسلنا وجها بل وبعدا آخر للفلم حيث جمع بين أجيال من الممثلين نتحدث عن كمال الكظيمي وعبد الاله عاجل وحسناء الطمطاوي وسعاد العلوي، ثم نتحدث عن إيهاب أمير وسعد موفق وجلال قريوة وحسناء نايت وآخرون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *