وجهة نظر

تذكير للسيد الوزير.. مباريات توظيف الأساتذة: كوارث تربوية في الاختبارات

 

(تعليقات على الاختبارات الكتابية، تخصص التربية الإسلامية بالتعليم الثانوي نموذجا)

لا شك أن من لديهم معرفة بمجال التقويم، وبعلم الاختبار على وجه الخصوص La Docimologie، لن يختلفوا في أن المباريات الموجهة للتوظيف ينبغي أن تتحلى بأقصى درجات الموضوعية وجودة التصميم، لأن الغرض منها هو الوفاء بمبدإ الاستحقاق عن طريق التمايز الدقيق والترتيب المنصف للمترشحين المتبارين، فلا يصح بحال أن يترك الاختبار منافذ للتشويش على ذلك المبدإ. غير أن الأمر ليس على تلك الصفة المطلوبة في جميع المباريات، ولا أعمم بل أخص الحديث بما اطلعت عليه وعرفته من كثب، وسأسوق عليه أدلة مادية تكشف حجم الاختلالات والأخطاء الكامنة فيه؛ أقصد الجزء الموضوعي من الاختبارات الكتابية (الأسئلة المغلقة)، من الاختبار المتعلق بتخصص مادة التربية الإسلامية وديداكتيكها.

وقد كنت أطلع في السنوات الأخيرة على تلك المباريات وأستغرب من كم الأخطاء التربوية والمعرفية الواردة فيها، ومما يزيد دهشتي أنها صادرة عن مركز التقويم والامتحانات والتوجيه، وهو متخصص في هذا المجال ويتعامل مع تربويين يفترض فيهم أنهم على درجة عالية من التمكن في علم الاختبارات، فكيف تمر مثل هذه الاختبارات التي تفتقد لأدنى المواصفات العلمية؟ وكيف تعتمد على صعيد وطني في مباريات انتقاء الأساتذة؟ قلت كنت أستغرب من تلك الأخطاء وأعزم في كل مرة أن أكتب رسالة في نقدها غير أن الشواغل كانت تصرفني عن ذلك؛ والآن وقد اقترب وقت المباراة فإني أضع بين يدي وزارة التربية الوطنية ومركز التقويم والامتحانات والتوجيه جملة من تلك الأخطاء والاختلالات على سبيل التمثيل والتنبيه، لعل أصحاب القرار يأخذونها بعين الاعتبار.

وللحقيقة فإن اختبار دورة نونبر 2019 في التخصص المذكور قد تجاوز الكثير من الأخطاء الشنيعة التي وقعت في الاختبارات الكتابية السابقة، غير أنه لا يزال دون المستوى، حيث أن الأصل في الاختبارات أن تكون خالية تماما من كل خطإ أو احتمال أو تشويش، خصوصا وأننا بصدد اختبار موضوعي له ضوابط صارمة في التصميم والإنجاز، إذ بغير تلك الضوابط يفقد صفة الموضوعية وتقل قيمته في المباريات.

وكي لا يطول بنا الحديث، فإنني لن أقف عند اختبار معين وأجري عليه دراسة نقدية متكاملة، بل سأنطلق من الأخطاء التربوية والاختلالات العلمية والفنية التي يتردد حصولها في مختلف المباريات، وأحيل على أمثلتها -أي الأسئلة- في مختلف الاختبارات المنجزة خلال السنوات من 2015 إلى 2019:

نماذج من الأخطاء التربوية والعلمية والفنية

من بين معايير الموضوعية في الاختبارات المغلقة أنها توفر شرط الصدقية، أي أن كل جواب يدلي به الممتحن يعبر بصدق عن اختياره الواعي الذي يعدّه استجابة صحيحة. وكلما تضخم معامل العشوائية والتخمين يفتقد الاختبار الموضوعية وتقل قيمته في حسن انتقاء المتبارين وترتيبهم. والاختبارات موضوع الدراسة تنتفي فيها تلك الصفة لأنها تشجع على التخمين والمقامرة، ويتجلى ذلك فيما يلي:

انعدام أي شرط جزائي أو تعليمات تمنع التخمين والعشوائية في الجواب، فمن المعلوم أن احتساب النقط في الاختبارات الموضوعية لا يحصل على أساس النقطة الخام بل يكون بعد خصم مقدار التخمين في الأجوبة، لذلك يعتمد مصممو الاختبارات أحد أساليب منع الاحتمالات العشوائية كالعقاب على التخمين أو المكافأة على تركه أو الجمع بينهما من خلال معادلات حسابية معروفة. أما اختبارات التربية الإسلامية المذكورة فلم تعتمد شيئا من ذلك وتركت الباب واسعا للمقامرة مما لا يمكن معه تمييز الأكفاء عن غيرهم. ومع كثرة الأسئلة المغلقة وتعدد البنود والاختيارات التي قد تفوق 400 اختيار [كما في اختبار دورة نونبر 2019] فإن هامش تحصيل نقط مجانية باختيارات عشوائية يتسع كثيرا.

تجربة عملية:

من أجل الكشف عن مقدار التخمين وعدد النقط المحصلة عشوائيا، كلفت تلميذة من المستوى الابتدائي بالإجابة عن الأسئلة الموضوعية عشوائيا دون قراءة الأسئلة أصلا (وأشير أنه يمكن كذلك حساب الاحتمالات رياضيا، لكنني فضلت التجربة العملية في أدنى مستويات تطبيقها)، وبعد التصحيح حسب عناصر الإجابة الرسمية وبعد جمع النقط كانت النتيجة صادمة، حيث حصلت على 15.25 نقطة من مجموع 48 نقطة، علما أن النقطة الكلية للاختبار مع إضافة الأسئلة المقالية هي 60، أي أزيد من ربع النقطة الكلية. فإذا كان الرسوب أو النجاح في المباراة -وما يتبعه من الحصول على الوظيفة أو خسارتها- يجري على أساس ربع نقطة أو أقل، فإن الحصول على أزيد من 15 نقطة بمجرد المقامرة ودون أدنى استعداد معرفي يعدّ طعنا صارخا في تصميم الاختبار وفي صدقية المباراة.

أسهم تصميم الاختبارات في توسيع الاختيارات العشوائية في العديد من الأسئلة، حيث يقع ارتكاب خطإ معيب في أسئلة الربط أو المطابقة حين يجعل عدد اللائحتين المطلوب الوصل بين بنودهما متساويا؛ في حين أن ضوابط إنجاز الاختبار الموضوعي تؤكد على ضرورة زيادة عدد الاختيارات المقترحة ببند واحد على الأقل عن اللائحة الأولى، حتى لا يضطر الممتحَن إلى الوصل بين بندين دون اختيار حقيقي منه. وقد وقع هذا الخطأ في كل الاختبارات من 2015 إلى 2019، وهذه أمثلة للأسئلة المعيبة: [سؤال رقم 60 – رقم 86 / تأهيلي 2015] [س 12 / دورة يونيو 2017]، [س 61/ دجنبر 2018]، [س19-22/ يناير 2018]، [س 26-31-36-38/نونبر 2019].
صعوبة التصحيح على خلاف المقصود من الاختبارات الموضوعية (التي تتميز عموما بصعوبة التصميم وسهولة التصحيح)، فالتصحيح عملية ينبغي أن يقوم بها أي شخص مهما كان مستواه الدراسي بكل يسر، إما آليا أو يدويا من خلال ورقة التصحيح (التي ينبغي أن تكون مطبوعة ومعدة سلفا لتسهل العملية على المصحح وهو الأمر الذي لا تقوم به الوزارة ولا نعرف لماذا)، حيث نجد مثلا في اختبار دورة نونبر 2019 أن سلم التنقيط يتضمن كل هذه العلامات: 0.25- 0.5- 1- 1.25- 1.5- 1.75- 2، وتزيد تعليمات التصحيح الأمر صعوبة حين تميز بين النقط القابلة للتجزيء والنقط غير القابلة لذلك، ولا يعلم المصحح على أي أساس يسمح مرة بالتجزيء ويمنع أخرى؛ وكل ذلك يتطلب انتباها للنقطة وتركيزا في جمع النقط خصوصا مع كثرة الأوراق والمترشحين. وكان ينبغي منح نقطة واحدة لكل بند ولا يهم التناسب بين درجة صعوبة السؤال والنقطة المخصصة له، لأننا بصدد ترتيب المترشحين فيما بينهم وليس بالنظر إلى برنامج مسبق تعكسه درجات صعوبة الأسئلة.

استعمال النفي في السؤال دون حاجة إليه يعد من عيوب الاختبار الموضوعي، لأنه يكون مجرد تشويش لغوي لا يفيد في اختبار المتبارين وترتيبهم: [س51/ نونبر 2019 (لا يوظف التقويم التربوي من أجل:…)]، [س 49- 79/ تأهيلي 2015 (أضع علامة أمام ما ليس من شروط صحة الأضحية)، (أضع علامة أمام ما ليس من مؤلفات الأشعري)]، [س ثانيا 10/ يونيو 2017]…

الأخطاء المعرفية أو الإبهام في السؤال والتقارب في الاختيارات التي لا يتأتى معها تحديد الإجابة الصحيحة بدقة، ليس من المترشحين فقط بل حتى من الأساتذة المتخصصين أو من لجان التصحيح نفسها. فإذا كانت العبارة السؤال يداخلها الغموض، أو كانت البنود المقترحة قليلة التعلق بها، أي أنها لا تغلق الدارة الفكرية التي تفتحها العبارة المبدئية، بل تجعل المتباري يحتار أي البنود يؤشر عليه هل واحد أو أكثر، فإن مثل هذه العوامل تسلب عن السؤال صفة الموضوعية ولا يكون مغلقا بل مفتوحا ومحتملا وذاتيا [ثانيا س 4 – 8/ يونيو 2017 : (نوع التقويم الذي يصلح لمساعدة المتعلم على تحقيق النمو المطلوب لتملك الأهداف المرسومة: التقويم القبلي – الختامي – التكويني – التشخيصي) العبارة معقدة لأن الأهداف لا تتملك، ثم هل يمكن الاستغناء عن نوع من التقويمات المذكورة؟ فهل سيختار المترشح كل البنود أم واحدا؟]، [س 44/ تأهيلي 2015 : (أضع رقم كل عالم في المجال الذي برز فيه) أين نضع الإمام مالك هل في الحديث أو في الفقه أو في الأصول أو فيها جميعا؟ وأين نضع ابن سينا هل في الفلسفة أو في المنطق أو في كليهما؟ وهل يصح أن نقول أن ابن خلدون برز في علم الاجتماع؟]، [ثانيا س 15/ يونيو 2019 : (من معايير اختيار المحتوى الدراسي: ذكرت خمسة اختيارات كلها مناسبة أو محتملة أن تكون صحيحة لأن الأمر نسبي ومتعلق بنوع المنهاج وليس حقيقة علمية دقيقة)].
إدخال أنواع من التشويش في أمور غير مقصودة بالقياس، حيث المطلوب هو قياس درجة التمكن من المعارف الإسلامية والديداكتيكية وليس قياس القدرة على التركيز، يذكر هذا التشويش بلعبة قراءة الكلمات الملونة حيث تكتب كلمة أصفر مثلا باللون الأحمر، فهذه اللعبة تقيس القدرة على التركيز أما إذا أردنا قياس قدرة الطفل على القراءة فإن اللعبة لا تصلح لأنها عامل مشوش على القراءة. فمن التشويش في الاختبارات تغيير نوع العلامة المطلوب التأشير بها على الجواب دون الحاجة إلى ذلك. فقد تجد في الاختبار الواحد علامات مختلفة  من الرموز والأرقام [العلامات:X ، +، √ (س 13، 33، 30، 83 /تأهيلي 2015]: [المزاوجة بين الرقم والعلامة: س 36-37/ نونبر 2019]. إضافة رموز ضمن الأسئلة لا فائدة منها بل هي مشوشة على الإنجاز، مثل إيراد ترقيم لا حاجة إليه كترقيم اختياري الصحيح والخطأ مع أن كل اختيار موجود في خانة مستقلة أصلا [س 43-44-46…/ 2019]، أسئلة مغفلة عن نوع العلامة المطلوبة أصلا [س 27-28 دجنبر 2018]، [علامة + في س 30 وعلامة × في س 49/ دجنبر 208]، [س 17-18/ يناير 2018]، ضع علامة أمام الإجابة الخاطئة [س 44…55/ يناير 2018]. ومرة يكون السؤال ضع علامة أو ضع سطرا أو صل بسهم أو أضع الرقم أو الحرف، وكلها ذلك لا يختلف بعضه عن بعض فكلها تصنف ضمن أسئلة الربط:[س 44 – 48- 52/ تأهيلي 2015]، [س 51-54/ دجنبر 2018]…

الخلط بين ديداكتيك مادة التربية الإسلامية وبين علوم التربية، رغم أن هذا المجال الأخير خصص له اختبار كتابي مستقل [س 39 – 40/ نونبر 2019].
إخراج فني غير مساعد على سهولة الإنجاز، حيث وضع العلامات يختلف في كل مرة، فمرة في أقصى يسار الصفحة ومرة في وسطها ومرة بعد نهاية السؤال أو أينما اتفق [س 35-36-37…/ يناير 2018]، [أسئلة اختبار دورة يونيو 2017]. عدم تخصيص عمود على يسار أوراق التحرير مخصص للتنقيط ولمجموعها في نهاية كل ورقة، وهو خلل فني متكرر في كل الاختبارات.

أخطاء في صياغة الأسئلة [س36 / نونبر 2019: (ضع أمام كل مستوى من مستويات النقل الديداكتيكي الرقم المناسب) في حين أن اللائحة تتوفر على حروف وليس أرقام. مع العلم أن لائحة المستويات لا تحتاج ترقيما أصلا مما زاد من التشويش والصعوبة الشكلية. وكان يكفي وضع علامة في الأمكنة المناسبة].

فهذه جملة من الأخطاء والاختلالات الصارخة التي تضرب في العمق صدقية المباريات الخاصة بتخصص التربية الإسلامية، ولا شك أن تخصصات أخرى تتلبس بنفس الأخطاء أو قريب منها، خصوصا مشكلة احتساب النقط دون اعتماد أي معيار تربوي لحسم معامل التخمين. فنرجو أن تتدارك وزارة التربية الوطنية ومركز التقويم والامتحانات والتوجيه هذه الأخطاء الفادحة، وأن يعملوا على تصميم اختبارات محكمة تفي بانتقاء أجود العناصر لممارسة مهنة التدريس.

*د. مصطفى صادقي / المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق ـ وجدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *