مجتمع

المسيرة الخضراء.. عندما نظم الحسن الثاني تجمهرا سلميا ضخما قاده رجال بحجم الوطن

المسيرة الخضراء

نهيلة بلفضيل / صحافية متدربة

“علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه علينا شعبي العزيز أن نقوم كرجل واحد بنظام وانتظام، لنلتحق بالصحراء ونصل الرحم مع إخواننا في الصحراء”.

كان هذا مقتطفا من خطاب الملك الراحل الحسن الثاني، في تاريخ 16 أكتوبر 1975، والذي دعا من خلاله المغاربة للانخراط في مسيرة سلمية، من أجل استرجاع الصحراء المغربية التي كانت آنذاك تحت قبضة المستعمر الاسباني.

فكيف راودت فكرة المسيرة الخضراء ذهن الملك الحسن الثاني؟

في يوليوز 1975، قرر الإسبان قبول نقل السيادة على الصحراء، الأمر الذي دفع المغرب إلى الاحتجاج، حيث قام عرض القضية على محكمة العدل الدولية بلاهاي، فوجدت إسبانيا نفسها مضطرة لانتظار الرأي الاستشاري للمحكمة التي واصلت النظر في القضية إلى متم شهر غشت، فأصدرت رأيها في 16 أكتوبر من نفس العام.

طيلة هاته الأشهر، كان الملك الراحل يدبر ويخطط، وكما قال في كتاب “ذاكرة ملك”: “في 20 غشت كان علي أن ألقي خطابا بمناسبة ذكرى الملك والشعب.. وعشية ذلك اليوم كنت أتساءل مع نفسي: ترى ماذا عساي أن أقول في هذا الخطاب؟ وفي المساء وبعد أن أديت صلاة العشاء أخلدت إلى النوم، فاستيقظت فجأة في منتصف الليل تراودني فكرة نفذت نفوذ السهم إلى ذهني وهي: لقد رأيت آلاف الأشخاص يتظاهرون في جميع المدن الكبرى مطالبين باستعادة الصحراء، فلماذا إذن لا ننظم تجمهرا سلميا ضخما يأخذ شكل مسيرة؟ وهنا أحسست أني قد تحررت من عبء ثقيل للغاية.”

لكنه اكتفى في خطابه لليوم الموالي للتطرق لبعض القضايا العامة، فيما ظلت فكرة المسيرة “سرية”.

واستدعى بعد ذلك وزيرا التجارة والمالية وأمرهم بتخزين كمية من المواد الغذائية تكفي لشهر أو شهرين، وبعدها بدأ في مشاوراته، فاستدعى ثلاث مسؤولين، هم الجنرال أشهبار الكاتب العام لإدارة الدفاع، الجنرال بناني من المكتب الثالث، والكولونيل ماجور الزياتي من المكتب الرابع، هؤلاء أمنهم بعدم إفشاء السر، وأخبرهم بكل التفاصيل المتعلقة بتنظيم المسيرة.

حيث قال: “ألهبت الفكرة على التو حماسهم وشرعوا في العمل بدون كاتبات أو أجهزة حاسوب، وكانوا يحررون كل شيء بأيديهم، حيث كان يتعين إحصاء كمية الخبز اللازمة لإطعام ثلاثمئة وخمسين ألف شخص، وعدد الشموع الضرورية لإنارة الخيام، وهكذا عملنا نحن الأربعة في سرية تامة حتى مطلع شهر أكتوبر.”

وحل أكتوبر حاملا في طياته الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بلاهاي، والتي اعترفت فيه أن روابط البيعة كانت قائمة على مر العصور بين المغرب والصحراء، فأعلن الملك الراحل في خطاب له عقب هذا القرار، عن تنظيم المسيرة الخضراء، وهو الخبر الذي أثلج صدور المغاربة، فسارعوا للتسجيل في مكاتب المقاطعات، في كل ربوع المملكة.

الحاج عمر.. “تجربة ذهبية”

بخصوص تفاصيل المسيرة التي خطط لها المغفور له الحسن الثاني، تم حصر عدد المشاركين في 350 ألف متطوع، وقد شكلت النساء عشرة في المائة منه.

من بين هؤلاء المتطوعين، “الحاج عمر”، صاحب شاحنة ينحدر من إقليم الفقيه بن صالح، يوري في حديث له مع “العمق”، أنه لبى دعوة الملك بصدر رحب، فهي دعوة وطنية ولطالما انتظروا أن يعانقوا أراضيهم الصحراوية، إلى حين أن اعطى الملك إشارة لانطلاق المسيرة الخضراء.

“غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غدا إن شاء الله ستطؤون أرضا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون أرضا من وطنكم العزيز”

هو مقتطف من خطابا الخامس من نونبر عام 1975، الذي تم بثه على أمواج الاذاعة، وشاشة التلفاز آنذاك، لكنه لازال محفورا في قلب وعقل كل مغربي، خطاب للحظة تاريخية، وانطلاقة لمسيرة نجعل منها كل سنة عيدا وطنيا.

“كانت الأوضاع منتظمة، المأكل والمشرب هنا وهناك بكميات وفيرة، كان الدرك ينظم ويقومون كل يوم بتسجيل الأسماء وعدد الأشخاص”، هذا ما أوضحه الحاج عمر عن الأوضاع التي مرت فيها المسيرة.

واسترسل في الحديث مع “العمق”، أنهم بمجرد وصولهم إلى منطقة “الطاح” صلوا في أراضيها، ورفعوا العلم المغربي، يرفف عاليا، حيث يستحق. وأضاف، “لبثنا هناك 4 أيام، إلى حين أمر الملك بالعودة”.

وفي سؤالنا عن إحساسه بهذه المشاركة الوطنية، أفصح أنها كانت فرصة ذهبية أهداها لهم الملك الراحل، فرصة أبانوا من خلالها عن قوة ومدى قدرة الشعب المغربي عن المقاومة والكفاح، سلميا، في سبيل وطنهم

وزاد قائلا: “لازلت أحتفظ بالمصحف الذي أعطوني إياه، وبطاقة الاسم، والوسام الذي حصلت عليه بعد عودتنا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *