منتدى العمق

ما الذي يجعل الحركة الأمازيغية تنتقل من مطلب ثقافي لتصبح متنكرة في جلباب سياسي؟

ما الذي يجعل الحركة الأمازيغية تنتقل من مطلب ثقافي لتصبح متنكرة في جلباب سياسي؟.. فكيف ننتقل إلى التسييس ونحن لم نحقق مطالبنا الثقافية بعد؟.

منذ سنة 1967 تم تأسيس الجمعية المغربية للبحث والتبادل على يد أمازيغ من سوس لكنها قوبلت بالإلغاء على يد الحركة الفاسية تحت ذريعة الخوف من التفرقة وتحريف التاريخ، ليرجع المطلب – الإعتراف بتيموزغا – سنة 1980 ليتحول النضال من سري إلى علني بالرغم من منع أول لقاء سنة 1881 و اعتقل على إثره المناضل “أزايكو” بأول مقال له حول “تاريخ المغرب”. بعد هذا تمكنت الأمازيغية الخروج من النخبوية إلى العامة .

في سنة 1991 أصدرت مجموعة من الجمعيات ملفا يطلبون فيه دسترة الأمازيغية وإدماجها في التعليم، فالبرغم من الإكراهات والإعتقالات التي عرفها الملف آنذاك إلا أنه تم الموافقة عليه سنة 2001 بإدماج الامازيغية في المنظومة التعليمية وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وتخصيص نشرة إخبارية بالأمازيغية وتوحيد الحرف الأمازيغي.

هكذا تم الإعتراف بهذا الموروث الثقافي ضمن كرونولوجية  ثقافية اتسمت بالنضال. لكن ما الذي جعل الأمازيغية تنتقل من حركة ثقافية لتصبح متنكرة في جلباب سياسي وراء أحزاب سياسية معادية؟ فكيف ننتقل إلى التسييس ونحن لم نحقق مطالبنا الثقافية بعد؟.

بعدما عين كبار المدافعين عن الأمازيغية ودخولهم إلى قبة البرلمان واحتوتهم الدولة بعطفها المادي تخلوا فورا على أهم مبدأ ألا وهو الدفاع عن أمازيغية الدولة وهنا انشقت الحركة الأمازيغية بين من يدافع من أجل المصلحة العامة وبين من كان يدافع قبل أن يسمى “باع الماتش” أي أن المطلب كان وراء مصلحته الخاصة فقط .

بين الإنتهازيين والمدافعين طل علينا “دا حماد” من المؤسسين للكونغرس العالمي الأمازيغي والمناضل والحقوقي والذي استثمر حياته وماله في الدفاع عن هذا الموروث بشراسة وعن الحريات الفردية و قام بخلخلة المشهد السياسي من خلال تأسيسه لحزب البديل الأمازيغي المحظور سنة 2005 وإصداره لمجموعة من الاعمال الفكرية والعلمية التي تدرس اليوم بالجامعات الوطنية أهمها “الأحزاب والإنتخابات بالمغرب، الأمازيغية والتعديلات الدستورية..”

فما حال الأمازيغية بعد رحيل الأب الروحي؟.

يعد سؤال التنظيم من أبرز الإشكالات التي طالت الحركة الأمازيغية اليوم والتي لازالت تضفي بضلالها على مستوى الأداء النضالي لإيمازيغن مما أدى إلى فشل بناء تنظيم واحد وموحد يجمع كل أمازيغ العالم وبروز الخلافات بين الفاعلين واستمر نفس النهج (الإتكالية) في التعاطي لمسألة التنظيم.

مسألة أخرى ألا وهي تجريد الثقافة الأمازيغية من صراعها الهوياتي والذي يتأسس على الإعتراف بأمازيغية الدولة فما لبثنا نرى سوى انقسامات بين من ينهج الفكر القومي- الماركسي أو الفكر الإسلامي-السلفي.

بعد دستور 2011 تم ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة رسمية بجانب اللغة العربية فالبرغم من هذا التطور إلا أنه ظل حبيس الخطاب السياسي حاله كحال الحريات الفردية هذا يعد ترجمة للهوة بين الخطاب والممارسة لدى الفاعلين الذي تعتمد أساسا على الإديولوجيات التي لا تنظر إلى الأمازيغية كصلب للهوية المغربية.

منذ ذلك الحين حاول بعض المتملقين للأمازيغية أن يجدوا وجه التوافق بين الحزب والثقافة و إرجاع الأمازيغية كمعطى سياسي وجب المشاركة داخل الأحزاب ، فمنذ 2005 إلى حدود اليوم ونحن نرى محاولات حثيثة للدخول في غمار السياسية سواء بأحزاب مستقلة أو المشاركة في أحزاب مؤدلجة مسبقا ومرتبطة بأجندة ضيقة ، لكن بالرغم من كل هذه المحاولات إلا أنه من الضروري أن تستقل الجمعيات أو الأحزاب والنشطاء الأمازيغ بالدفاع عن الحقوق اللغوية الأمازيغية وليس هذا فحسب بل كذلك الحق في الأرض دائما تحت مناصرة الثالوث الهوياتي الأمازيغي أكال-أفكان-أوال أو الأرض الإنسان واللغة.

بعد رحيل “داحماد” كان بمتابة صفعة قوية ومؤلمة للمدافعين بحقوق تيموزغا/تمازغا وكان فضاء خصب بالنسبة للمتملقين في نشر إرثه تباهيا بانتمائهم للحركة وبما معناه وكما شهدنا مؤخرا استحواذ بعض النشطاء على المشاركة في خط بعض تفاصيل معايشتهم للمناضل الدغرني في كتاب يضم حياته ونضالته بشهادة المقربين له، بالرغم من أن معرفتهم به سطحية وإقصاء مجموعة من النشطاء في المشاركة بالرغم من أنهم عايشوا المناضل عن قرب فكيف سندافع إذن عن الأمازيغية ونحن لم نتوحد بعد؟.

الأمازيغية فقدت حركيتها بين ماهو ثقافي وما هو سياسي وأضحت فارغة بدون هدف تنموي ولم يبقى فيها سوى بعض الرموز والأحرف. حيث شارك العديد من من يدعي التنظير في خلق بديل جديد لهذا الموروث والكل صار يدحض أعمال الأخر وسط الحركة والسبب في كل هذا، الوعود التي لم تنفذ للبعض ليحضوا بكراسي داخل أحزاب معينة.. والبعض الأخر يضرب أفكار البعض بعرض الحائط تمردا على بضع ملايين لم يحظى بها بعد.

بين هذا وذاك لن تحقق الأمازيغية اليوم أي بديل ناجح وسط حزب سياسي إن لم يكن حزب قائم بذاته، ولن نصل لمرحلة الإعتراف إن لم تكن هناك ثورة ثقافية محضة.

* طالبة باحثة في علم الإجتماع وكاتبة رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *