وجهة نظر

بنعباد يكتب..ربح عيوش وخسرنا جميعا

نجح نورالدين عيوش فيما فشل فيه مستشار الملك، بل وأصبح محور حديث المغاربة اليوم عن “قاموس اللغة العربية المغربية”، بدلا من طرح الإشكال الأهم والأخطر؛ المتمثل في “هل سيكون لأبناء المغاربة الحق في الولوج إلى التعليم العمومي مستقبلا؟”.

بحجر واحد وبالحد الأدنى من الجهد ضرب “تاجر الإشهارات” عصافير عدة؛ فاستطاع أن يوجه النقاش من “كلية” المدرسة العمومية إلى “جزئية” التلهيج، ومن تهديد المغاربة في حق عيالهم في التعليم والمعرفة، إلى اسمتزاج مواقفهم من “قاموس” الدارجة، ومن مسؤولية المجلس الأعلى للتربية والتكوين عن “خوصصة” التعليم العمومي في المغرب، إلى حساب عدد مصطلحات قاموس عيوش.

لا أحد هذه الأيام أكثر سعادة من عيوش، الذي حقق أهدافه كلها من خرجة إعلامية واحدة، فهو الآن أكثر حضورا لدى أولياء نعمته، فمن ينافسه على تقديم الخدمات مستقبلا؟، وتاريخه يشهد بـ”كفاءته” و”نجاعته” في التشويش على نقاش أعمال المجلس الأعلى للتعليم الذي يرأسه مستشار الملك، وتحوير اتجاهه.

فبالرغم من كونه ليس مستشارا ملكيا، ولم تمنحه قناة تلفزية رسمية فرصة المرور عبر شاشتها لتقديم مشروعه، ولم يعده أحد بالقيام بحملة إعلامية مساندة له، لكنه حقق نجاحا لم يستطع مستشار الملك عمر عزيمان المدعوم أن يحقق بعضه.

كل الهجمات على عيوش ترفع من شأنه لدى مالكي زمامه وماسكي خطامه، فهو وحده قلب النقاش وحجب الرؤية، بفعل “دخان” قاموس الدارجة، عن أصل القضية وهو مستقبل المدرسة العمومية، وعلاقتها بالتربية والتكوين لدولة راغبة في تحقيق التنمية المنطلقة من الاعتزاز بجذورها الحضارية، وحاملة لرسالة إلى الإنسانية.

لقد كنا صادقين جدا، عندما أعلنا رفض مساس عيوش ومن على شالكته باللغة العربية باعتبارها لغتنا الأم، والانتماء، والجمال في التعبير، والبلاغة في نقل الأحاسيس، لكننا كنا أغبياء جدا، لما قبلنا تجزيئ القضية، فلا “عربية” ولا “تعليم” عندما تصبح الدراسة “رفاها” و”خدمة” يتم “الولوج” إليها بالأداء وفي “المدرسة العمومية !”.

التعليم حق للمواطنين على دولتهم، وواجب الدولة تجاه مواطنيها، وأي مساس بهذا الحق يعني أننا بصدد دولة تقامر بحاضرها، وتعدم مستقبلها، وتجاهر أن التعليم ليس قضيتها، وأنها تريد في أقرب فرصة أن ترتاح من الإزعاج الذي يسببه.

إن الدولة التي فكرت في التخلص من “أعباء” التعليم، وعملت على إخراج “الرأي الاستشاري” للمجلس الأعلى للتربية والتكوين وفق سيناريو معد سلفا، وسعت إلى ربط كل مخرجاته برئيس الحكومة المعين والمكلف، وجدت نفسها في مواجهة شارع منتفض بعد مقتل الشهيد محسن فكري.

شعور الدولة بالحصار هو ما دفعها إلى البحث عن مخارج لعزلتها أمام شعبها، فاشتغلت عبر أدواتها الإعلامية أولا على “تبخيس” خطوة تحويل التعليم العمومي إلى خدمة مدفوعة الأجر، ثم محاولة تشويه الأصوات التي سجلت الحد الأدنى من المقاومة، وأخيرا لم تتردد في إلصاق “أعباء” كلفة إصلاح التعليم برئيس الحكومة وحده.

المسارات الثلاث لم تحقق عائدا مهما للدولة، بل دفعت الناس إلى التشكيك في خلفيات محاولة “تبييض” صحيفة مستشار الملك من الملف برمته، رغم أنه هو من صاغ “رؤية” إصلاح التعليم وقدمها للملك، الذي “أمر” رئيس حكومته بتفريغها في قوانين واعتمادها، وهو ما قام به الأخير وأحالها على المجلس لأخذ “الرأي”، الذي أثار كل هذا السجال.

أمام استعصاء المغاربة على هضم ما قدمته الدولة لهم، عمدت الأخيرة إلى خيار ثان، تجسد في “تدبير” مناسبة تواصلية مباشرة، بين صوت الدولة وممثلها المستشار الملكي وبين الناس، علها تساعد على تبديد الشك في الدولة، الذي عززته مخاوف الناس من “تغول الدولة” التي اختزلته عبارة “طحن مو”.

خرجة المستشار الملكي ورئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين على القناة العمومية الثانية لم تحمل جديدا، تماما كما فشل البلاغ التوضيحي للمجلس قبلها، لتضيق الدائرة على مهندسي الصدام الجديد بين ابن كيران وبين الفئات الاجتماعية المتوسطة والهشة.

في غمرة التيه المصحوب بضغط شعبي متزايد، قدم عيوش نفسه منقذا من الورطة، مستعينا بكل تجربته في عالم الإشهار، ومعرفة بالطبيعة العاطفية للمستهلكين، وأخرج قاموس الدارجة، الذي تحول بقدرة الصناعة الإشهارية إلى معركة مصيرية !.   

نور الدين عيوش مجرد منديل أحمر رفعه مصارع يائس في وجوهنا، وكنا نحن “الثور” الهائج الذي يسعى لتحقيق نصره على قطعة قماش، وكلما حرك المصارع المنديل زاد غضب الثور من الخرقة وعليها، بينما يستعيد المصارع ثقته بنفسه، ويعد السيخ الحاد للإجهاز على الحيوان الهائج الصادق الغبي.

ليست مشكلتنا هي نور الدين عيوش، هذا الشخص النموذج والأسلوب عرض لداء عضال مستفحل، تكشفه قرارات فوقية مصادمة للإرادة العامة ومطالبها، تحمل في بعض الأحيان ملامح “الانتقام” من هذه الإرادة الشعبية.

إن أضعف الإيمان في الجواب على تاجر الإشهار لا يكون من خلال نقاش هو أصلا لا يفقه فيه شيئا، الجواب الوحيد لعيوش وشركائه العمل على طرده من المجلس الأعلى للتربية والتكوين، من قبل زملائه النقابيين والسياسيين الذين شبههم بـ”المنافقين” ووصفهم بـ”عديمي الكفاءة”.

كاتب وصحافي