وجهة نظر

هارمي يكتب: الحر بالغمزة.. “من الخيمة مشا مايل”

ببراءة وفطرة الأطفال. أخذت الطفلة ابنة السنة الثانية ابتدائي القلم الأحمر.. الذي يمنع استعماله إلا من طرف المعلم.. وبحركة عجيبة لكنها مفضوحة وبادية للمغفل قبل الذكي .. حولت النقطة 3/10 إلى 09/10.. فقد شجت مشاعرها من كثرة النقط الهزيلة..

واكتسى وجهها لون الحمرة من الخجل المتكرر.. لكن المعلم الرقيب كان لها بالمرصاد.. فقد وقعت المسكينة بين يديه.. كما تقع الفريسة بين مخالب المفترس.. فصاح في وجهها صيحة النافخ في الصور.. “لماذا زورت نقطة الامتحان؟؟؟”.. فأجابت وقد تداعت أوصالها من هول الصرخة.. وبلغ قلبها الصغير حنجرتها المبحوحة.. فأجابت بصوت اختلطت فيه الغصة بالدموع.. والمعلم مكشر بعيون تكاد تغادر مقلتيه.. “لأفرح أسرتي ولو لمرة واحدة يا أستاذ”.

إذا كانت الصغيرة بسذاجتها البريئة.. وعقلها المنزه عن الحساب والعقاب.. وبنيتها الصافية بإدخال الفرحة على أسرتها ولو لمرة واحدة.. قامت بهذا الخطأ سهل التصحيح.. والذي ينبغي أن يتدخل فيه المعلم وفق بيداغوجيا الخطأ.. وما تعلمه في مراكز التكوين.. تساءلت مع نفسي هل تبرر الغاية الوسيلة؟.. هل بحجة إدخال السرور على الأسرة يحق تزوير النقطة؟

ياليت الأمر توقف عند الصغار فقط.. فالصغير أمامه سنوات من الفرص لتصحيح الأخطاء.. ولكن أهل البيت جلهم يرقصون.. لأن ضارب الطبل هو رب الأسرة.. فكم من فرد في المجتمع أراد أن يدخل السرور على نفسه وأهله بنفس الطريقة.. طريقة التزوير والنصب والاحتيال؟

كم محتالا سلب المغفلين أموالهم.. عبر “السماوي” و “الطلاميس”.. أو عبر انتحال شخصية هامة.. وتركهم يلطمون وجوههم من “الشمتة”.. قبل الحسرة على ضياع ما خزنوة “لدواير الزمان” في رمشة عين.. لقد فعل هذا هو أيضا.. ليفرح أمه الغارقة في غياهب الفقر والحرمان.. والتي تصرخ من شدة المرض الذي حصل على شهادة الإقامة في جسدها المنهك.. بسبب فقر الدم والروماتيزم.. لشح الغذاء وقلة الفراش.

كم موظفا ابتز صاحب مسألة.. واستفاد من “الدهنة والقهوة والكاميلة وميزي”.. ليفرح زوجته التي عكرت حياته بكثرة الغمز واللمز.. والكلمات التي تنزل على رأسه كالقنابل منذ سنين خلت.. ليبني لها بيتا راقيا واسعا.. بدل سكنىالعمارات التي خنقت أنفاسها.. ولتكون مناسبة تاريخية كي “تفركع المرارة” لجارتها الحقودة.

وكم شرطيا أو دركيا نصب الكمين للراكبين.. متلصصا خلف شجرة.. أو مترصداتحت قنطرة.. ولسان حاله يقول “زيد كسيري.. زيد كسيري.. واحد 200 درهم جابها الله”.. لعله يجمع بعض ملايين السنتيمات.. ليفرح ابنه الذي يحلم أن يلج معهد الشرطة..ليرث حرفة أبيه.. ويحقق منتهى السعادة والفرح.. بالظهور أمام شباب الحي متبخترا في بزته الجديدة.

بل كم بيتا خرب بشهادة زور.. وكم بريئا رمي في غيابات السجون.. وكم ظالما خرج من المحكمة سالما غانما.. ليفرح شاهد الزور مع قرنائه بكأس وغانية..ويعتلي منصات “الكباريهات” الراقية.. فاتخذ باب المحكمة مقرا لعمله.. وأضحت الشهادة حسب الطلب.. والثمن يدفع حسب نوع القضية.

وكم ميزانيات نهبت.. وكم صناديق من أموالها أفرغت.. ليفرح المسؤول رفيع المستوى أولاده.. بعطلة صيف في “جزر هواي” أو “شلالات نياكرا”.. أو أماكن سياحية لا يعلم عنها صاحب المقال إلا ما يعلمه إنسان العصر الحجري عن الهاتف المحمول.

بلكم مشاريع موجودة على الورق.. وقدم حسابها بالوثيقة والفاتورة.. ولا يظهر لها أثر على أرض الواقع.. كأنما انشقت الارض وابتلعتها.. أو هوت بها الريح في مكان سحيق.. وما ابتلعتها أرض ولا مستها ريح.. وإنما ابتلعها جيب فلان ابن فلان.. ليفرح ابنته التي صدعت دماغه.. تريد أن تقتني “خاتم الماس البراق” الذي سلب عقلها في أحد محلات باريس.

وكم بلادا ضاعت بسبب التزوير في الأرقام والإحصائيات.. والتلاعب بالنسب المئوية.. ورسم للمنحنيات الصاعدة.. ليفرح مسؤولوها شعوبهم بوهم كاذب.. يحسبه الشعب ماء.. حتى إذا جاءه لم يجده إلا كذبا ونفاقا وتدليسا.

وكم وكموكم؟؟؟؟…فهل كانت النار من تلك الشرارة المنطلقة من قسم الثانية ابتدائي؟.. الله أعلم، لكن الذي أعلمه هو المثل الشعبي “قالو باك طاح.. قالو من الخيمة مشا مايل”.