العمق TV، مجتمع

قرى على مشارف الرباط تحيط بها مشاريع كبرى ويهدد سكانها العطش (فيديو)

تصوير ومونتاج: ياسين السالمي

وأنت تهم بمغادرة سلا الجديدة باتجاه الجنوب، يلفظك شارعها الرئيسي نحو منطقة شبه خلاء تم بعدها إلى طريق ضيقة تسند ظهرها على الطريق السيار رقم 5 قبل أن ينتهي بك المطاف وسط تجمعات سكنية تفرعت عن بعضها، هي في الأصل تنتمي لنفوذ مقاطعة احصين الحضرية التابعة لمجلس جماعة سلا، لكن واقعها ينطق غير ذلك، غابت مظاهر التحضر وميزاتها إلا مما يُدون قسرا على بطائق المواطنين ووثائقهم الإدارية.

تترك خلفك دوار سيدي احميدة، وتُسلّمُك مسالك ضيقة تحرس جنباتها أشجار شوكية لدوار العساكرة، لا حركة في تلك القرية خصوصا في بحر الأسبوع، وحدها قطط وكلاب نحيفةتتركل بين دور قصديرية، ورؤوس تشرئب خلف أبواب مائلة لتعود إلى حيث كانت بسرعة كبيرة.

تقف على هضبة تراصّت على سفحها دورغاية في العشوائية فيتراءى لك غير بعيد عنها بين أشعة الشمس التي تنزع إلى الغروب، الطريق السيار العابر باتجاه الشمالوكله حيوية، تتوسطه قنطرة محمد السادس المعلقة، تم تعيد عيناك وتصوبها باتجاه السفح فتكتشف مشهدا تخاله في قرية نائية،نسوة كثر بدوابهن يشقن منحذرا خطيرا جيئة وذهابا بكثير من المشقة وقليل من الصبر، غرضهن واحد، الحصول على لترات من الماء الصالح للشرب في منبع جوار واد يمر على مشارف المنطقة، منهن من يعلقن قنينات على ظهورهن، والمحظوظات منهن يحزن حمارا يكفيهن القليل من شر الأثقال صعودا وهبوطا.

عطش على ضفاف سد
غير بعيد عن سد سيدي محمد بن عبد الله الذي يؤمن متطلبات منطقة الساحل الأطلسي الممتدة من مدينة سلا مرورا بالعاصمة الرباط ووصولا إلى الدار البيضاء من الماء الصالح للشرب، تجد عشرات العائلات التي تنتمي لدواوير العساكرة والرياح وسيدي احميدة بمقاطعة احصين في سلا نفسها بداية كل أسبوعفي انتظار مرور شاحنة صهريجية يتيمة لتروي بعضا من عطشها الذي لا ينتهي وتوزع عليها بكثير من الشح مياها صالحة للشرب غير أنها لا تصلح لتأمين حاجيات متزايدة لمئات المواطنين إلا لساعات محدودة.

“السد غير بعيد” تشير نسوة بأيديهن باتجاه الشمال الشرقي للمنطقة، “إنه على بعد أميال قليلة، منا لكننا نواجه العطش وسنموت يوما ما ونحن على ضفاف سد”، يتحدثن إلى الجريدة بشكل جماعي وبأصوات تميل إلى الصياح بالكاد يفهم، لكنه يختصر مطلبا واحد، الحاجة إلى الماء.

صهريج وحيد ومئات الساكنة
صادف تواجدنا في المنطقة ومرور الشاحنة الصهريجية التي تنتظر النسوة قدومها بترقب كبير، إنها تقيهن من شر منحدر أتى على أجسادهن الرقيقة على الأقل ليومين أو ثلاثة، هكذا عقلت خديجة.

عرجت الشاحنة على زقاق ضيق، في ركنه المطل على الطريق مسجد متواضع على سطحه صهريج من البلاستيك تم تسييجه وتثبيته بقضبان حديدية، غالب الظن أنه أعد لتوفير الوضوء للمصلين، تم توقفت عند حوش، وسرعان ما التفت بها نسوة ورجال قدموا من اتجاهات مختلفة، الجميع بمن فيهم أطفال صغار يسارعون لملء قنينيات الماء، المنظر أشبه بتوزيع إعانات على لاجئين، ينالون نصيبهم من الماء ثم يعودون أدراجهم وهم يعلمون سلفا أن الكمية ستنفذ في ساعات.

تقف خديجة أمام مدخل سور أغلبه متلاشيا، والباقي قصب يحيط بمنزلها، قبالتها بضعة براميل متوسطة الحجم وقنينات مختلفة ألوانها كلها ملآى بالماء، وهي تتحدث عن معاناة البحث عن هذه المادة الحيوية، تكاد تنهي كل عباراتها بابتسامة تخفي وراءها حزنا وأسفا شديدين، “من فضلكم نريد الماء أتمنى أن تجلبوا لنا الماء” هكذا رددت في وجوهنا أكثر من مرة، كانت ترى فينا حلا لمشكلة العطش الذي لازم المنطقة منذ عقود طويلة وليس صحافيين يضعون معاناتهم على طاولة أصحاب القرار.

هذا حالنا يقول عبد المالك، مشكل الماء الصالح للشرب في المنطقة ليس مشكل اليوم، مذ كنت طفلا صغيرا وأنا شاهد أمي وقريناتها من النساء وهن يشقن هذا الجبل، نحن اليوم في 2022 ولا شيء تغير، لا يعقل أن يستمر الوضع، بيننا وبين الماء بضع كيلومترات، أكاديمية كرة القدم غير بعيدة عنا تم ربطها ونحن تركنا لمصيرنا المحتوم يضيف عبد المالك.

فقدان جنين بسبب الحلوف
يقع المنبع المائي الوحيد الذي يروي عطش الأهالي في مكان أسفل سفح جبل، والوصول إليه يعني التواري عن الأنظار بسبب بعده عن التجمعات السكنية، وهو الأمر الذي يجعل السناء الباحثات عن الماء في كثير من الأحيان في مواجهة مخاطر تحدق بهن.

عتيقة حكت للعمق كيف قدمت إلى المنبع كعادتها ذات صباح وهي حامل، لكن عودتها إلى الديار لم تكن كما ألفت، إذ حملت على الأكتاف بعدما فقدت جنينها بسبب خنزير بري هاجمها.

ابتسام سيدة قضت طفولتها في المدينة وشاءت الأقدار أن تستقر في دوار العساكرة، حكت بكثير من الحسرة كيف تستفيق في الصباح الباكر وتأخذ أبناءها إلى المدرسة الوحيدة المتواجدة في دوار سيدي احميدة، وكيف تعود لتلتحق بالمنبع لجلب الماء “حرام ما نعيشه، نحن منسيون هنا ولا أحد من المسؤولين سأل عن أحوالنا إلا في الحملات الإنتخابية”.

ابتسام وهي تحرك تقاسيم وجهها الشاحب، كشفت في حديثها أنها تغامر في كثير من المرات وهي تقطع المسافة الفاصلة بين الدوار والمنبع المائي، “نغامر بحياتنا من أجل الماء، أحيانا تذهب نسوة فرادى بحثا عن الماء، وإن اعترضغرباء إحداهنفي الطريق فلا أحد سيتدخل لإنقاذها في تلك المنطقة الخلاء”.

مسؤولية من؟
في الوقت الذي تشير فيه أصابع الإتهام إلى مجلس مقاطعة احصين، رمى رئيسها محمد بنعطية في حديثة “للعمق ” الكرة في مرمى وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق التي قال إنها تملصت عن مسؤولياتها تجاه عدد من المناطق الي تجاور نهر أبي رقراق وليس فقط العساكرة وسيدي أحميدة.

“بنعطية” فسر في حديثة كيف أن وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق عطلت جملة من المشاريع التنموية في المنطقة وبينها مشكل الماء الصالح للشرب، فلاهي بحسبه أتاحت المجال لباقي المتدخلين لمباشرة عملهم، ولا هي رفعت يدها عن اختصاصاتها التي يخولها لها القانون وأفسحت الطريق لمجلس المقاطعة.

بنعطية الذي استغرب بدوره كيف أن ساكنة بينها وبين الرباط كيلومترات قليلة تعيش بدون ماء،وزاد قائلا إنه من الغير المنطقي أن تنزع وزارة التجهيز والنقل أراضي ساكنة من أجل إنجاز سد سيدي محمد بنعبد الله سنة 1971 الذي يروي عطش نحو 7 ملايين نسمة، بينما يواجه السكان الأصليون عطشا هم في غنى عنه.

وحول استفادة مناطق قريبة من دواري العساكرة وسيدي احميدة من الربط بالماء الصالح للشرب، قال بنعطية إنه مجرد اجتهاد نتج عن اجتماعات متكررة بين عدد من المتدخلين بينهم شركة “ريضال” أفضت إلى موافقة من الوكالة، لكن الإفراج عن رخص التهيئة من قبل الأخيرة في المستقبل قد يعيد كل شيء إلى نقطة الصفر مع دخول منعشين عقاريين على الخط.

مسؤولو وكالة تهيئة أبي رقراق يبلعون ألسنتهم
بالرغم من كونها المسؤول الأول عن عطش عشرات العائلات على امتداد هامش مقاطعة احصين بسلا، إلا أن مسؤولي وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق رفضوا التجاوب مع “العمق” لإجراء مقابلة صحفية بالرغم من توصل مديرها بطلب في الموضوع.

الوكالة التي رأت النور في شهر نونبر من سنة 2005 وتتمتع باستقلال مالي تحت إشراف الدولة، وتسعى إلى تحقيقالتنمية الاقتصادية والاجتماعية لمدينتي الرباط وسلا، يقول محمد بنعطية رئيس مقاطعة احسين، إنها تناست سكان منطقة سيدي احميد والعساكرة ودواوير أخرى هم في مجال تدخلها، بينما تعتبر أن عملها يقتصر فقط على البرامج الموجهة لمدينتي الرباط وسلا.

أكثر من هذا فالوكالة عمدت في وقت سابق إلى وقف أشغال الربط الكهربائي لأحد الدواوير التي رصد لها مجلس الجهة آنذاك اعتمادات، بمبرر عدم الإختصاص وهو الأمر الذي فوّت على عشرات الأسر فرصة الربط من سنة 2006 إلى سنة 2011.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *