منوعات

دليلك الشامل.. كيف تختفي تماما من على الإنترنت؟

قضى الثنائي الفرنسي “لينا موغر” و”ستيفان ريميل” خمس سنوات في السفر في جميع أنحاء اليابان بدءا من عام 2008، واكتسبوا ثقة السكان المحليين للتعرُّف عن قرب إلى ظاهرة مثيرة للقلق، وهي اختفاء شخص ما فجأة من على الإنترنت ومن العالم الواقعي على حدٍّ سواء، والتقوا بأحباب المفقودين: الآباء المُتخلى عنهم، وربات البيوت، والعشاق السابقين. لا توجد بيانات حكومية رسمية حول هذا الاتجاه، ولكن من خلال بحث هذا الثنائي، “يختفي” أزيد من 100 ألف شخص سنويا في اليابان بلا أثر.

في كتابهما “المختفون: شعب اليابان المتبخر في القصص والصور الفوتوغرافية”، يرصد الثنائي “موغر”و”ريميل” قصص هؤلاء المختفين في مقالات قصيرة، خُصِّص كلٌّ منها لأحد أولئك الذين فروا من المجتمع الحديث بحثا عن حياة أكثر سرية وأقل خزيا. يُطلق على هؤلاء “جوهاتسو” (johatsu)، وهو مصطلح يعني باليابانية “الناس المتبخرون”، لأنهم يختفون تماما مثل البخار.

لا أحد من هؤلاء الناس يختفي جسديا، وعلى الأرجح فإن هذا “التبخر” هو اختفاء إرادي. على غرار أولئك المُدرجين في برنامج حماية الشهود في الولايات المتحدة، يختار “الجوهاتسو” تغيير أسمائهم وعناوينهم وعلاقاتهم التجارية، ويمكنهم في الأساس مسح تاريخهم بالكامل مثلما تمسح تاريخ المتصفح على جهازك.

حسب كتاب “المختفون: شعب اليابان المتبخر في القصص والصور الفوتوغرافية” هذا الهروب في اليابان يمكن أن يكون سهلا بشكل مدهش، إذ تمنح قوانين الخصوصية اليابانية المواطنين قدرا كبيرا من الحرية في إخفاء مكان وجودهم. فقط في القضايا الجنائية يمكن للشرطة التنقيب عن البيانات الشخصية للأشخاص، ولا يمكن للأقارب البحث عن السجلات المالية.

تساعد المعتقدات الشعبية في تسهيل الأمر أيضا. ففي اليابان، يؤمن الناس بـ”الكاماكوكشي” (spiritedaway)، وهو معتقد شعبي يعتقد بموجبه الناس في القرى أن الآلهة تخبئ البشر، ويستخدمون هذا المعتقد لتبرير اختفاء الناس بدون سابق إنذار لجعلهم يتقبلون هذا الاختفاء. أما الأسباب الحقيقية للاختفاء فتتراوح بين الهروب من العنف المنزلي، والابتعاد عن الضغوط المجتمعية، مثل ضغط العمل أو حتى التخلُّص بشكل كامل من العلاقات المتأزمة، وربما التهرب من تسديد الديون.

المثير للدهشة أن هذه النزعة المتزايدة نحو الاختفاء تسبَّبت في ظهور شركات تساعد الناس في هذا الأمر، وتُعرف هذه الشركات بـ”متاجر الاختفاء الليلي” (Night moving shop)، وهي تحزم الأمتعة وتنقلها، وتعمل على هويات جديدة للراغبين، وتؤجِّر محل سكن جديدا مقابل مبلغ بسيط من المال.

لكن في هذه الأيام، أصبح الهروب والاختفاء بشكل نظيف وتام أصعب مما نتخيل، والفضل في هذا يرجع إلى هواتفنا الذكية التي تترك أثرا لنا في كل موقع وتطبيق، كل محتوى تفاعلت معه، وكل تغريدة كتبتها، وحتى كل منشور تجاهلته، يمكن أن يساهم في أن تعرفك شركات التقنية أكثر، لكن ماذا لو أردنا الذهاب في طريق “الجوهاتسو” الرقمي؟ هل يمكننا أن نختفي تماما من على الإنترنت؟

حسابات منصات التواصل الاجتماعي

لنبدأ مع حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي. أنت تعلم أن معظم البيانات التي تجمعها منصات التواصل الاجتماعي متاحة للعامة، ويمكن الوصول إليها بكل سهولة، وبل ويمكن بيعها لأغراض تجارية. في الواقع، هناك خدمة تُسمى “احذفني” (DeleteMe) يمكنك استخدامها لحذف حسابك، لكن الخبر السيئ الآخر هو أن بياناتك المحذوفة لا تزال في قواعد البيانات الخاصة بكل شركة. للتأكُّد من ذلك يمكنك إدخال بيانات حساباتك المحذوفة على موقع “Background check”، وستكتشف صعوبة حذف بياناتك بالكامل.

ما العمل في هذه الورطة أيها “الجوهاتسو”؟

خدمة “احذفني” لمسح حضورك على منصات التواصل الاجتماعي ربما تختار أن تُقدِّم طلبا لهذه الشركات لكي تحذف بياناتك بالكامل، لكن صدِّقني قد يستغرق ذلك دورة كاملة للأرض حول الشمس لفعل ذلك، كما أنّك لا تضمن أن توافق الشركات على طلبك، وحتى إذا وافقت، ما الذي يضمن لك أنهم حذفوا بياناتك بالفعل؟ حسنا، لا يوجد ضمان، لذا عليك تلطيخ حساباتك.

وكلمة “التلطيخ” هنا تعني “تمييع” كل المعلومات الشخصية الخاصة بك، وذلك عن طريق إرسال طلبات صداقة أو متابعة عشوائية لأشخاص عشوائيين، ثم بعد ذلك تُرسل طلبات أخرى وتتابع أصدقاء الأصدقاء العشوائيين، وبالتزامن، تدخل إلى مجموعات بعيدة كل البُعد عن اهتماماتك، وتُضيف هوايات لا تتعلق باهتماماتك الحقيقية في الملف التعريفي الخاص بك.

ولكي تزيد الأمر صعوبة على الخوارزميات، أضِف صور وجوه كثيرة على حساباتك على مواقع التواصل، وبهذا تضمن أن نظام التعرف على الوجوه لن يتتبَّعك، في الواقع لقد شتَّته وبات لا يعرف أي وجه هو وجهك. بالطبع قد تمتلك وكالات الاستخبارات في بلدك معلومات عنك تُكذِّب كل ما تفعله، لكننا هنا لا نريد الاختباء من وكالة الاستخبارات، كل ما نفعله هو تلطيخ المعلومات العامة عنك على الإنترنت.

أخلاقيا وقانونيا، ينبغي لك عدم تحميل صور لأشخاص لا تعرفهم على حساباتك، فهذا قد يُعرِّضك للمساءلة القانونية، لكننا سنحارب النار بالنار، وسنواجه الذكاء الاصطناعي بذكاء اصطناعي مثله أيضا. ما ستفعله هو إدخال صور لممثلين مشهورين مثلا على أحد مواقع الشبكات العصبية الصناعية، لتولِّد لك صورا لأشخاص غير موجودين أصلا.

ومثلما “لطَّخت” حساباتك على مواقع التواصل، لطِّخ البريد الإلكتروني الخاص بك إن كنت تستخدمه بكثرة. يمكنك الاشتراك في النشرات البريدية لمجلات وصحف لا تهتم بمجالاتها على الإطلاق، أو الاشتراك في مواقع المواعدة لترسل لك الترشيحات على سبيل المثال، ومن ثم أرسل ردا إلى جميع هذه الرسائل العشوائية.

بيانات الموقع الجغرافي

حسنا، لننتقل الآن إلى بيانات موقعك. لعلك تدرك أن أغلب المتصفحات تُخزِّن سجلات البحث والموقع الجغرافي الخاص بك، لذلك يُنصح باستخدام متصفح مثل “DuckDuck Go” الذي لا يستخدم بيانات موقعك الجغرافي عند تصفح الإنترنت. النصيحة البدائية التالية هي استخدام “التصفح الخفي” (incognito mode) التي يستخدمها 46% من الأميركيين، لكننا وصفنا هذه النصيحة بالبدائية لسبب وجيه، وهو أن المواقع الإلكترونية وشركات الإعلانات لا تزال تملك إمكانية معرفة ما تبحث عنه، لذا فإن هذا الخيار ليس كافيا في رحلتنا للبحث عن الخفاء.

المستوى الأول المقبول هو استخدام خدمات البروكسي. لنتخيَّل أنّك جاسوس وتريد تمرير رسالة إلى أحد المراقبين في المؤسسة التي تتجسَّس لها، سيكون من الخطر تمرير الرسالة بنفسك، لذا فستبحث عن أحدهم لتمرير الرسالة للمراقب، وسيحمل الشخص نفسه الرد من المراقب لك، هذا بالضبط ما يقوم به البروكسي، إنه يقوم بدور المفوض أو الوكيل بينك وبين المواقع التي تزورها. أحد الأمثلة على خدمات البروكسي هي خدمة (hide me proxy)، ويمكنك معرفة المزيد منها ببحث سريع على الإنترنت.

خدمة (hide me proxy) المستوى الثاني هو “الشبكات الافتراضية الخاصة” (virtualprivate network) المعروفة اختصارا بـ(VPN). توفِّر خدمات “في بي إن” الأمان والخفاء، سواء لعنوان الـ”IP” الخاص بك، أو لاتصالاتك التي يتم تشفيرها، كما أن استخدام هذه الخدمة قد يحميك من العديد من الهجمات السيبرانية، وستُفيدك في فتح المواقع المحجوبة، لكن عيبها الوحيد هو التكلفة، لأنك إذا أردت أن تظل مختفيا عن الأنظار فعليك دفع مبالغ مرتفعة نسبيا مقابل الخدمة. بالطبع يوجد إصدارات مجانية من الخدمة، لكن لا يُنصح باستخدامها لأنها تبيع بياناتك لسماسرة البيانات.

المستوى الثالث، وهو الأعلى من حيث التخفي، هو استخدام متصفح “Tor” اختصارا لـ “The onion router”، وهذا بسبب استخدامه للتشفير متعدد الطبقات (البصلة متعددة الطبقات أيضا)، لذا فالبيانات هنا محمية بطبقات عديدة من التشفير، مما يجعله الحل الأمثل للتخفي، لكن يعيبه فقط بطء نقله للبيانات

حسنا، لنفترض أنك تريد الاختفاء فعليا ومن على الإنترنت في آنٍ واحد، هنا يوجد أكثر من خطوة ستتخذها لتدمير هويتك القديمة تماما.

تدمير البيانات على حاسوبك

حاسوبك المحمول يشبه القنبلة الموقوتة. إذا أردت الاختفاء كليا فعليك ترك أجهزتك المفضلة خلف ظهرك، ومن ضمنها هاتفك وحاسوبك، مهما كنت متعلقا بهما فأنت تعلم جيدا أنهما أداة جيدة للتعقب. هنا أنت أمام خيارين، إما تدمير جهاز حاسوبك بالكامل، وإما القيام بعملية تلطيخ. أعتقد أنك ستتخذ الخيار الأخير.

أولا، عليك تحميل أدوات لتعدين العملات الرقمية، يوجد العديد منها متاح مجانا على الإنترنت، وعليك شراء البعض من عملة البيتكوين الشهيرة، لماذا؟ لأننا سنخلق حلقة مرور للأسعار ذهابا وإيابا بين المحافظ المختلفة الخاصة بك، ما سيعطي انطباعا عنك أنك مهتم بالكريبتو عموما، لذا إن بحث أحدهم عنك فربما يطرأ على باله أنك مَدين لإحدى منصات العملات الرقمية ولهذا هربت، لذا فهي تُستخدم بوصفها غطاء جيدا.

ثم عليك وضع كلمة سر سهلة، عيد ميلاد أحد والديك سيكون كافيا، ومن ثم ابحث عن عدة أماكن متقاربة في المسافة لا تنوي الذهاب إليها من على جهاز حاسوبك، حتى إذا فتحه أحد المخترقين عن بُعد فإن تلك المعلومات ستُضلِّله.

وداعا يا هاتفي

خطتك للاختفاء توجد في عقلك أنت فقط، عليك ألا تبحث عن أي مكان تنوي الاختفاء فيه أيها “الجوهاتسو” على حاسوبك أو حتى باستخدام هاتفك المحمول. بالحديث عن هاتفك المحمول، عليك تكرار نسيانه عمدا في المنزل قبل اختفائك بفترة، لأن شركات الاتصالات بإمكانها تعقُّب حركتك بسهولة.

في أثناء تركك لهاتفك في المنزل، اذهب إلى ماكينات الصراف الآلي البعيدة عنك واسحب منها كميات قليلة من المال، لتشتيت البيانات التي قد تأتي من بطاقتك للبنك، استخدم هذا المال لشراء هاتف قديم لا يتصل بالإنترنت ولا تُشغِّله في نطاق الهاتف الذكي الخاص بك نفسه، لا تُشغِّله أبدا حتى تذهب إلى “مأواك السري”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *