مجتمع

بمعدل طلاق كل دقيقتين .. هل يستطيع “اجتماع الأزهر” مواجهة التفكك الأسري بمصر؟

الطلاق

“لا بديل عن النجاح”.. هكذا يرى البعض مهمة التحالف الثلاثي الجديد الذي تشكل في حضرة الأزهر الشريف نهايات العام الماضي، لتفعيل خطة مشتركة لمواجهة التفكك الأسري بمصر في العام الحالي، بمشاركة أبرز 3 جهات دينية بمصر، وهي مشيخة الأزهر ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف.

وكان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري (جهة رسمية) دق ناقوس الخطر -في تقرير حديث- بشأن معدلات وقوع الطلاق في مصر بواقع حالة كل دقيقتين.

وبحسب مختصين تحدثوا للجزيرة نت، فإن المهمة تتطلب تقييم ما سبق من جهود، ووضع ضوابط للمخطط الحالي مبنية على تفعيل الرسالة الإصلاحية للأزهر ودوره في المجتمع، وتأهيل الدعاة بشكل إصلاحي حديث مرتبط بالواقع مع إعلاء ضوابط حقوق الإنسان.

اجتماع ثلاثي

وشهدت نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي عقد لقاء ثلاثي مشترك بين وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، ومفتي الديار المصرية شوقي علام، ووكيل الأزهر الشريف محمد الضويني؛ تم الاتفاق فيه على أطر ومحاور المشروع التوعوي المشترك بين الأزهر الشريف، ووزارة الأوقاف، ودار الإفتاء المصرية، الذي يهدف إلى زيادة الوعي الأسري والمجتمعي بقضايا الأسرة، ويعالج مشكلاتها، ويعزز تماسكها واستقرارها.

الضويني -الذي يعتبر دينامو الأزهر الصاعد بحسب مراقبين- أشرف بنفسه على اجتماع أعضاء اللجنة التنفيذية المشكلة من الجهات الثلاث لوضع الإستراتيجية المعنية بهدف واحد، وهو الحد من انتشار مشكلة الطلاق في المجتمع، بالتعاون مع مؤسسات الدولة المعنية بقضايا الأسرة، وفق بيان رسمي من الأزهر الشريف.

ويشكل الاجتماع -بحسب مراقبين- نقلة في التعاون لخطورة الأمر، إذ عملت وزارة الأوقاف ودار الإفتاء والمشيخة على حدة في هذا الملف في السنوات الأخيرة.

البداية كانت بإصدار شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب قرارا بإنشاء وحدة “لم الشمل” يوم 16 أبريل/نيسان 2018، لتكون وحدة متخصصة في حل الخلافات والنزاعات الأسرية.

واستطاعت وحدة “لم الشمل” -وفق آخر بيان رسمي- حل مشاكل النزاع والخلاف القائمة لدى 66 ألف أسرة مصرية، منها ما كان ماثلا أمام المحاكم في درجات التقاضي المختلفة، ومعظمها قضايا تم الطلاق فيها بالفعل، ومنها قضايا مواريث، حيث تدخل أعضاء الوحدة للم شمل تلك الأسر بأكثر من طريقة ووسيلة.

وعقد علماء الوحدة أكثر من 45 ألف محاضرة وورشة عمل مع ما يقرب من 4 ملايين مصري منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018.

دار الإفتاء -على التوازي- شكلت لجنة للإرشاد الزواجي، برئاسة أمين الفتوى بدار الإفتاء عمرو الورداني.

وكشف الورداني -في تصريحات متلفزة- مؤخرا عن أن دار الإفتاء المصرية تصل إليها 5 آلاف شكوى شهريا، منها 3 آلاف عن الطلاق، مؤكدا أن 70% من الشكاوى التي تصل إلينا تكون عن “الطلاق”.

وأوضح أن نسب الطلاق تتزايد في السنه الأولي من الزواج، وبدأت ترتفع في الأشخاص الذين مر على زواجهم 33 عاما وأكثر من ذلك، حتى سن 65 سنة.

وزارة الأوقاف -بدورها- دشنت “مبادرة سكن ومودة” لتأهيل الواعظات والأئمة بأكاديمية الأوقاف، وذلك منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بهدف تأهيلهم للتعامل مع المقبلين على الزواج وتوضيح واجبات الزوج والزوجة وحل بعض المشكلات.

ومع مطلع العام الجاري، تحركت الخطة ميدانيا، ونظم التحالف الثلاثي إحدى فعاليات دورة “الأحوال الشخصية” للأئمة والواعظات، وذلك بمسجد النور بالعباسية في العاصمة القاهرة.

وأعلنت وزارة الأوقاف -في بيان رسمي لها- أن الفعالية تأتي في إطار التعاون مع الأزهر الشريف ودار الإفتاء ووزارة الصحة والسكان، لمواجهة التفكك الأسري.

روشتة للنجاح

من جانبها، ترى المستشارة الأسرية والاجتماعية الدكتورة منال خضر -في حديث خاص للجزيرة نت- أن هناك “زلزالا”، بحسب وصفها، “يقتلع الأسرة المصرية من جذورها التي تمتد امتداد تاريخ هذا الوطن”.

وتعرب الدكتورة خضر عن أسفها الشديد على تأخر الأزهر وتحالفه الجديد في العلاج، مؤكدة أنها لم تشعر بجهود الأزهر السابقة في هذا المجال فلم تكن ذات أثر فعال على النسيج المجتمعي، كما لم تكن الحملات على المستوى المؤثر في المجتمع؛ وإلا فما معنى انتحار فتاة تعرضت لابتزاز غير أخلاقي في عمق الريف المصري، واستدراج أخ لأخته ليهتك عرضها، وآخر يستولي على ميراث أخته ويبتزها، وقتل الزوجات لأزواجهن والأزواج لزوجاتهم بوصفه حلا مطروحا في الخلافات الزوجية.

وتضيف المستشارة المختصة بشؤون الأسرة والمجتمع أن الأسرة المصرية والنسيج المجتمعي كله أصبح في خطر يكاد يقضي على الأخلاق والقيم والعادات والتقاليد التي تميز الشعب المصري عن كل شعوب العالم؛ بسبب البعد عن الدين وقيم الحرام والحلال، والتخويف من التدين ومحاربته، وغياب القدوة والمصلحين عن النسيج الوطني، ومحدودية دور شيخ الجامع.

وحول التحرك الجديد من الأزهر، تعرب منال خضر عن فخرها -بوصفها مصرية ومراقبة وموجهة في مجال الأسرة- بهذا التحالف، لكنها تستدرك “للأسف، لا أرى مؤشرا لنجاحه أو ستكون الآثار الإيجابية له طفيفة وغير ملموسة”.

وترى خضر أنه -لإنجاح هذا التحالف- يجب تفعيل الرسالة الإصلاحية للإسلام في المناهج الدراسية وحلقات شيخ المسجد والمعلم وأستاذ الجامعة وكل صاحب رسالة في المجتمع، مع إشراك الأسر التي يعمل من أجلها هذا الاتحاد، فهم أقدر على تحديد مشاكلهم.

وبالتالي، يتم طرح الحلول الواقعية التي يمكن تطبيقها والمشاركة في حلها والنزول إلى البسطاء وعموم أفراد الأسرة المصرية وعدم الاكتفاء بـ”الشو” (الاستعراض) الإعلامي، بالتزامن مع وجوب تطوير الخطاب الديني وتأهيل المتحدثين باسم هذا التحالف بلسان العصر، والتطورات التي طرأت والمشاكل المستجدة والمستحدثة على الأسر المصرية.

وتحمّل المستشارة الأسرية الأزهر مسؤولية ما يحدث، مؤكدة أن هناك تراجعا لعلماء الأزهر الحقيقيين الحاملين للواء الإصلاح في مقابل بعض “المتأزهرين المعممين” -بحسب وصفها- الذين تجدهم في قنوات التلفزيون يخدمون أجندة محددة لا علاقة لها بأوضاع الأسرة، في ظل انتشار قدوات غير إيجابية بين الأسر تحض على سوء الأخلاق والطلاق، إلى جانب الخوف من التناصح بالمعروف في المجتمع، وغياب الأب والأم في ظل الحالة الاقتصادية الطاحنة.

ضوابط مطلوبة

من جانبه، يرحب الحقوقي والخبير القانوني محمد أبو العزم بخطوات الأزهر والأوقاف والإفتاء، مؤكدا أن للأسرة حق التمتع بحماية المجتمع والدولة والمؤسسات المجتمعية، كون الأسرة الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع.

ويشدد أبو العزم -في تصريحات للجزيرة نت- على أنه يجب على الدولة أن تتخذ تدابير تشريعية أو إدارية أو غيرها من التدابير أو الوسائل المستخدمة لتأمين الحماية الفعلية للأسرة، وبما لا يدع مجالا للتدخل التعسفي أو غير المشروع في شؤون الأسرة تحت أي شكل أو وصف.

ويعتبر أبو العزم تحرك المؤسسات الدينية الثلاث محمودا، ما دام يعلي من حقوق الأسرة، ولا يشكل عدوانا عليها، لافتا إلى أنه يجب أن تتوافق تلك التدابير والإجراءات مع الممارسة الكاملة للحقوق الأخرى المكفولة في الدستور؛ موضحا أنه عندما تعتمد الدول سياسات محددة لحماية أو تنظيم الأسرة ينبغي أن تكون هذه السياسات متوافقة مع شمولية حقوق الإنسان، وألا تكون على وجه الخصوص تمييزية ولا قهرية.

ويدعو أبو العزم التحالف الثلاثي إلى مراعاة تضمين خطته تدابير مناسبة لتأمين التساوي بين الزوجين في الحقوق والمسؤوليات لدى الزواج وفي أثناء قيامه وعند فسخه، بغية تأمين وحدة الأسرة أو جمع شملها.

ويضيف أنه من الأهمية بمكان أن يتساوى الزوجان في الحقوق والمسؤوليات داخل الأسرة، وحظر أي معاملة تمييزية في ما يتعلق بأسباب أو إجراءات الانفصال أو الطلاق، أو حضانة الأطفال، أو الإعالة أو النفقة، أو حقوق الزيارة، أو فقدان السلطة الوالدية أو استعادتها، مع مراعاة المصلحة العليا للأطفال في هذا الصدد.

ويؤكد أبو العزم أهمية أن تضع مصر إجراءات جديدة للطلاق، بحيث تسمح بإخضاع القرار الذي يتخذه أي مواطن مصري يود إنهاء حياته الزوجية للفحص القضائي والقانوني على قدم المساواة بين الجنسين، وسن التشريعات التي تجرم تجريما صريحا كافة أشكال العنف المنزلي والأسري.

خطوة مقدرة.. ولكن!

عضو اتحاد علماء المسلمين ورئيس مجلس إدارة أكاديمية بسمة للسعادة الزوجية الدكتور محمود القلعاوي يثمن خطوة الأزهر بالتعاون مع الأوقاف ودار الإفتاء، ولكنه يرى أنها خطوة متأخرة.

ويشير -في تصريح خاص للجزيرة نت- إلى أهمية إعطاء الحرية للداعية وإمام المسجد للتواصل مع الجماهير، وتأمينه فكريا واقتصاديا، ليكون قادرا على إدارة دفة المشاكل باقتدار وعلم، لأن كثيرا من الأعباء الاقتصادية قد تضرب بيت أبناء الأزهر أنفسهم مما يجعلهم ينصرفون لذواتهم قبل حل أي تحديات أخرى.

ويوضح أن الأمراض التي تغرق فيها الأسرة المصرية كثيرة جدا، وتحتاج إلى إصلاح تربوي وديني واجتماعي ونفسي، وهو ما يجب أن تنتبه له خطة الأزهر في المواجهة، إذ إن تآزر جهود كل الجهات المعنية هو الطريق لإصلاح ما فسد في الأسرة في ظل ارتفاع معدلات الطلاق…

المصدر:  الجزيرة نت

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *