منوعات

خبراء يفسرون لماذا يتحول عيد الحب إلى “موسم” انهيار العلاقات العاطفية؟

عروض وخصومات، ومحلّات تكتسي باللون الأحمر، وإعلانات مدفوعة تظهر لكَ على حساباتك على منصّات التواصل الاجتماعي، مطاعم بحاجة إلى حجز مسبق، وأخرى منذ أسابيع عدّة قد امتلأت حجوزاتها لهذا اليوم. فيديوهات لأفكار ابتكارية، فُلان يُفاجئ عشيقته في المطار، وآخر يشتري دُمية ضخمة يحملها في الشارع ويمشي بها أمام المارّة، والنّاس يُصوّرونه ويكتبون اقتباسات عن الحب والعشق والهيام. ورود وصور لعشاء رومانسي، وفائض من التسويق التجاري حول أهمّية أن تُقدِّر شريكك الزوجي أو العاطفي، وحول الطريقة التي يجب أن تُعبِّر له بها عن حبّك وهيامك… كل هذا ليس سوى لمحة سريعة عن “الصخب الأحمر” الذي يلازم عيد الحب كل سنة، لكن في نفس الوقت يتم الحديث عن “الوجه الشاحب” لهذا اليوم، فما هي مظاهره؟ وما هي أسبابه؟ التقرير التالي الذي أنجزته “الجزيرة نيت” بناء على دراسات يقربنا من الاجابات.

أرقام وإحصاءات ومتابعات علمية متعدّدة تُشير إلى أنّ كثيرًا من حالات الانفصال العاطفي والمشكلات الزوجية تحدث خلال فترة يوم الحبّ، بما يسبقه بأسبوع، وما يليه من أسبوع، ففي إحدى الدراسات التي تتبّعت منشورات مُستخدمي الفيسبوك وتحديثاتهم لحالتهم العاطفية، وجد باحثون أنّ يوم الحب والفترة التي تسبقه وتليه تُمثّل قمّة موجة المُنحنى الذي يرصد المنشورات التي تتحدّث عن الانفصال (لقد انفصلتُ مُؤخّرًا عن شريكي، شريكتي، زوجي، زوجتي، بسبب…)، وهي الفترة التي تتحوّل الحالة العاطفية فيها إلى: أعزب أو Single.

هناك أسباب موضوعية وعلمية لحدوث هذا التصاعد في حالات الانفصال في المرحلة التي تسبق وتتبع عيد الحبّ، تقول “الجزيرة نيت”، وتضيف أنّ منحنى المنشورات يُشير إلى أيّام ومواسم أخرى تزداد فيها حالات الانفصال العاطفي، بما يشمل يوم كذبة أبريل، بداية الأسبوع، والفترة التي تسبق رأس السنة.

وحسب نفس المصدر، قام الصحفي والمختصّ في عرض البيانات “ديفيد ماكاندليس”(1) بتمثيل حالات الانفصال بحسب تحديثات الفيسبوك وعرضها على خطّ زمني يُعبّر عن أشهر السنة ومواسمها كما يظهر في الصورة أدناه، ويشمل عطلة رأس السنة، والكريسماس، وعطلة الصيف، وأيام بداية الأسبوع، وكذبة أبريل، وموسم الربيع، ويم الحب “الفالنتاين”.

عيد الحب.. لماذا تزداد فيه حالات الانفصال وفي المناسبات والأعياد؟

لَم تكن هذه الأرقام بمَعزِل عن ملاحظات علماء النفس والباحثين المختصّين في علم نفس العلاقات العاطفية والزوجية، فقد كان لدى الباحثين معلومات جيّدة من تجاربهم مع المُراجعين في العيادات النفسية حول توتّر العلاقات العاطفية خلال مواسم مُعيّنة وبفعل أيّام مُحدّدة مثل يوم الحب(5)، ولذلك فقد اقترح الباحثون من فترات بعيدة سبقت ما استطاع الفيسبوك إثباته بسهولة لاحقًا، بأنّ يومًا مثل عيد الحبّ قد يكون قنبلة موقوتة لتدمير كثير من العلاقات الحميمية وانهيارها بفعل عدد من العوامل سنأتي على ذكرها في هذا المقال.

  • أولًا: التوقّعات المرتفعة فخ لتدمير أي علاقة

الخيبات لا تأتي إلّا من خلال التوقّعات، يُصاب الإنسان بالإحباط والخيبة، فقط في الّلحظة التي كان يتوقّع قبلها حصول شيءٍ ما، الإنسان الذي لا يتوقّع شيئًا لا يُصاب بخيبة عدم الحصول. بحسب الباحثين(2) في علم النفس، مشكلة يوم الحب والأعياد الموسمية هي أنّها ترفع سقف توقّعات المرء، يفترض الإنسان أنّ شريكه سيقوم بتحضير شيء استثنائي خلال هذا اليوم، وأنّ هذا اليوم لا ينبغي أن يمرّ كأيّ يومٍ آخر، وبمُجرّد حصول هذا التوقّع الابتدائي يتولّد لدى الفرد مستوًى داخليًّا من التوتّر يفوق أي يوم طبيعي آخر، ويجعله أكثر عُرضة للغضب والسخط وإثارة المشكلات. لا تنحصر مشكلة التوقّعات في يوم الحب فحسب، بشكلٍ عام وبحسب علماء النفس(2)، فإنّ الأزواج الذين يدخلون علاقاتهم بسقف مرتفع من التوقّعات، يُصابون بالخيبة بعد مدّة، ويُفصحون عن عدم رضا عام عن علاقاتهم على المدى الطويل.

  • ثانيًا المقارنة الاجتماعية

في علم النفس الاجتماعي(3)، يُعبّر مفهوم المقارنة الاجتماعية عن نزعة الإنسان لفهم ذاته وأوضاعه الشخصية من خلال مقارنتها بالآخرين وأحوالهم الشخصية. بحسب هذا التعريف، فإنّ مفهوم المقارنة الاجتماعية ليس فقط عملية إجرائية يُقارن بها الإنسان بين شيئين فحسب، وإنّما يُعيد الإنسان تعريف ذاته ومُساءلة أوضاعه من خلال جعل الآخرين معيارًا مركزيًا لفهم نفسه ولتحديد ما إذا كان أفضل أو أسوأ حالًا منهم. ازدادت سلوكيات المقارنة الاجتماعية بسبب منصّات التواصل الاجتماعية، وخاصّة التي تستخدم الصور والفيديوهات والقصص مثل الإنستغرام، حيث ارتبط الاستخدام المتزايد لمنصّات التواصل الاجتماعي بحسب الدراسات بارتفاع سلوكيات المقارنة الاجتماعية، وهو ما ارتبط بتدنّي الصحّة النفسية، وبزيادة اضطرابات القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل وتشوّه الجسد(4).

في يوم الحبّ، يتداول النّاس على حسابات التواصل الاجتماعي صورًا وفيديوهات لأشكال المفاجئة العلنية في المحلّات التجارية الكُبرى وفي المطاعم والمقاهي، والهدايا التي يُقدِّمها العشّاق لبعضهم بعضًا، وهذا بدوره يخلق معرفة في ذهن المشاهدين لمقارنة أحوالهم الشخصية بمثل هذه التجارب الغيرية، وإعادة التفكير عمّا إذا كان زوجي أو زوجتي يُفكِّر بتقديم مفاجأة مماثلة لي؛ وهو ما يُسبّب الشعور بالخيبة وعدم الرضا وإعادة التفكير في مدى صحّة اختياراتنا وعلاقتنا.

  • ثالثًا: تضخّم التقصير وكشف العيوب المسكوت عنها في العلاقة

يُسبّب تحديد يوم واحد لتعريف الحبّ، ولإثبات مدى تقدير الآخر لي أو مدى تقديري له، مشكلة معيارية تزيد من توتّر هذا اليوم وحساسيته(5). تكمن المشكلة الرئيسة -بحسب الباحثين- في أنّ مثل هذه الأيام تُسبّب تعرية للعديد من المشكلات والعيوب التي كان الزوجان أو الشريكان يتجنّبان الحديث عنها أو مناقشتها في سابق الأيّام. لذلك فإنّ أيّ خطأ أو تقصير أو فشل خلال هذا اليوم، يصير سببًا لتفجّر قنابل موقوتة كانت مكتومة في سابق الأيّام، فالزوجة التي كانت تشعر بعدم التقدير وعدم الاهتمام طوال أيّام السنة، لن تجد مُبرّرًا أفضل من هذا اليوم لإلقاء الّلوم وفتح نقاش معقّد وحسّاس حول هذه المشكلة عند تقصير الآخر في يوم الحبّ، ولو كان تقصيرًا طفيفًا.

ولأنّ طبيعة هذا اليوم تُسبّب نوعًا من الخلافات التدميرية، إذ بحسب الخبراء والباحثين في العلاقات الزوجية والذين تتبّعوا أسباب انتهاء العلاقات وأسباب استمرارها، وُجِدَ أنّ طبيعة الخلافات والأساليب التي يستخدمها الزوجان خلال الخلاف أو النقاش المحتدم تُؤثّر بشكل كبير على تدمير العلاقة أو بنائها(6)، ومن هذا المنطلق فإنّ الخلافات في عيد الحبّ ترتبط كثيرًا بإلقاء اللوم والإنكار وإشعار الآخر بالذنب، وهي أسوأ نوع من الأساليب النقاشية في العلاقات العاطفية، والتي ترتبط إحصائيًا بزيادة فُرَص ونِسَب الانفصال. وفيما يلي صورة توضّح أبرز الأساليب التي ترتبط علميًّا بتدمير العلاقات العاطفية(6).

  • رابعًا: التسويق التجاري لمفهوم الحبّ

تحدّد كثير من الصور والفيديوهات والإعلانات التجارية أشكال التقدير الوجداني الذي يجب أن يُقدِّمه الزوج لزوجته أو العشيق لعشيقته والعكس بطبيعة الحال، فالشخص الذي لا يجلب وردةً حمراء أو عبوة فاخرة من الشوكولاتة أو زجاجة من العطر هو شخص لا يُقدِّر شريكه العاطفي بما فيه الكفاية. كما أنّ هذه التسويقات تُلغي أيّ ظروف شخصية قد يمرّ بها الإنسان خلال اليوم، فغالب الصور الدعائية التي يتمّ تقديمها هي لموظّف يلبس بذلة فاخرة سوداء، يجلس خلف مكتبه في شركة تجارية ضخمة، يُجري بعض الاتّصالات لتحضير مفاجأة لزوجته أو عشيقته، ولديه كلّ هذا الترف المادي من المال والوقت كي يتفرّغ لتخطيط هذه المفاجأة.

تُغفل هذه الصورة التسويقية شريحة عريضة من أبناء الطبقات المُتوسِّطة وما دون المتوسّطة، الذين يعملون في أنظمة وظيفية مختلفة تمامًا، بما يشمل العمل في المصانع والمستشفيات في نوبات عمل قد تستغرق يومًا بأكمله أو ليلتين متواصلتين، بحيث ينشغل الشخص تمامًا في عمله إلى الحدّ الذي يُنسيه نفسه، أو يعجز عن وجود فائض مادي أو زمني يستطيع به تدبير مفاجأة عن بُعد. وتتفاقم المشكلة بالمحدودية الزمنية لهذا اليوم، فخلال 24 ساعة أنتَ مطالب بفعل شيء ما، وغالب التوقّعات أن يكون شيئًا استثنائيًا لا يُشبه باقي الأيام، وهو ما يصير أشبه بمقصلة للحكم على الشخص الآخر خلال هذا اليوم عن طريق نجاحه أو فشله بإثبات حبّه وهيامه بطريقة استثنائية.

بماذا ينصح علماء النفس لتجنّب مشكلات “عيد الحب”؟

  • توقّعات واقعية وتفاهمات مشتركة

لا ترفع سقف توقّعاتك، وضع اعتبارًا لظروف الآخر وانشغالاته وأنّ أيّ شخص قد يمرّ في أيّ لحظة بيوم سيئ في العمل، قد يتعرّض لضغوطات من مديره، أو قد يتأخّر عن عمله، قد تتعطّل السيارة، قد يَعْلَق الإنسان في أزمة سير خانقة، وغير ذلك من تفاصيل الحياة اليومية الخانقة التي قد تستنزف الشخص وتفقده تركيزه وقدرته على التخطيط أو التحضير. كما ينبغي أن تُقدِّر الظروف المالية التي يمرّ بها الآخر، والالتزامات المالية التي يُؤدّيها، وأنّ منتصف الشهر قد لا يكون أفضل حالًا ماديًّا للشخص كي يحضر هدية مناسبة.

  • البحث عن التفاصيل اليومية بدل المفاجآت الاستثنائية

لا تحصر تعريفك للآخر أو مدى تقديره أو حبّه لَك من خلال مفاجأة استثنائية لمرّة واحدة في السنة، ابحث عن مكامن التقدير والحب في الحياة اليومية، في شكره لك عندما تقوم بإعداد وجبة لذيذة، أو بنظرات تقديره لك عندما تقوم بمساعدته أو بحلّ مشكلة له، أو بالطريقة التي يعاملك بها أمام الآخرين وأمام العائلة. استحضر اللحظات الجميلة التي قضيتموها معًا، اللحظات الصادقة والعفوية، ولا تُغفل الرصيد التاريخي الطويل لكما معًا، فالرفقة الطيّبة والتفاهم والنقاشات الخاصّة كلّها تشكّل رصيدًا حميميًّا وصادقًا لمقدار الحبّ الذي تتبادلانه.

  • الامتنان للجيّد والمميّز بدلًا من السخط عن المفقود

تُعتَبر سلوكيات الامتنان من أكثر الممارسات التي ترتبط بالصحّة النفسية للأفراد، فالأشخاص الذين يتوقّفون في كل ليلة أو كل أسبوع لتأمّل أفضل ما جرى في حياتهم، والشعور بالامتنان لحصولهم على هذه العلاقات الطيّبة وهذه الظروف الحسنة؛ هُم أكثر صحّة نفسية وأكثر استقرارًا من غيرهم من الناحية النفسية. من هنا فإنّه من الصحّي أن يُقدِّر المرء موقعه في علاقته وفي حياته بمعزل عن مقارنتها بالآخرين، ومن الجيد أن يتمكّن أي امرئٍ من فهم ذاته دون وضعها في إطار ضيّق من المقارنات التي لا تورث إلّا الحسد والغيرة والإحباط. ومن الطرق الجيدة في هذا اليوم أن تخصّصوا وقتًا للحديث عن أجمل اللحظات التي قضيتموها معًا، وأكثر اللحظات التي شعرتم فيها بأنّكم على طبيعتكم دون تكلّف أو تخطيط.

  • ساعد شريكك على التخطيط ليوم جيّد بدلًا من توقّع المفاجأة

من الأفكار الواقعية التي ينصح بها أخصائيو العلاقات الزوجية هي أن تُعين شريكك على التخطيط ليوم جيّد بهذه المناسبة بدلًا من أن تكون هذه المناسبة محصورة في يوم 14 فبراير، بإمكانكما أن تتّفقا على قضاء يومٍ مميّزٍ وحدكما خلال الشهر القادم، في وقت وتاريخ مناسبين لكما إن لَم يكن من المناسب قضاؤه في هذا اليوم تحديدًا. تكمن أهمّية هذه الفكرة في أن يتعاون الطرفان على التخطيط ليوم جميل يقضيانه معًا بالاتّفاق على طبيعة الأنشطة أو المكان الذي يرغبان بالذهاب إليه، كما تكمن أهمّيته في ترك الوقت مفتوحًا بطريقة مريحة يحدّدها الطرفان بحسب ما توفّره لهما الأيّام والظروف، دون أن يكون هناك تاريخ صارم يخلق توتّرًا وحرجًا وعِبئًا على أحد الأطراف أو كليهما.

————————————————————

المصادر والمراجع:

  1. The Beauty of Data Visualization – David McCandless
  2. High hopes and happy homes. K. KERSTING – APA (2004)
  3. A theory of social comparison. Festinger L. (1954)
  4. How use of social media and social comparison affect mental health? Warrender D, Milne R (2020)
  5. How do holidays influence relationship processes and outcomes? Examining the instigating and catalytic effects of Valentine’s Day. Morse, K. A., & Neuberg, S. L. (2004)
  6. Love-Making from The Inside Out: Transform Complaints, Criticism, and Conflict into a Loving Relationship. – Dr. Bill Cloke (2009)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *