وجهة نظر

الأم المنكوبة

فلسطين هي تلك الأم الكريمة التي كانت تسكن مع زوجها في بيت دافئ تحيط به أشجار الزيتون والحقول الجميلة، طرق بابها يوما ضيف فاستضافته فقتل زوجها ليلا واغتصبها ثم طردها خارجا وبدأ يقتل أبناءها واحدا تلو الآخر وهي تدفنهم على جنبات الحقل وكلها أمل أن يشتد عود أحد أبناءها قبل أن يقتل فينتقم لها أو يتحرك أحد من أهلها ليرجع لها حقلها وبيتها وينقذ ما تبقى من أطفالها.

العراق هي تلك الأم التي تزوجت رجلا كان يقوم بواجباته تجاهها وتجاه أبناءها وكان يوفر لهم الحياة الكريمة لكنه كان قاسي القلب وصارما في التعامل، كان له عدو يريد الاستيلاء على ملكه، ذهب يوما إلى الزوجة ووعدها أنه سيمنحها الحب هي وأبناءها وسيرعاهم أفضل رعاية شرط أن تساعده على التخلص من الزوج القاسي، ساعدته وأعدموه لكنها ما لبثت أن رأت وجه الرجل الحقيقي، بدأ يقتل أبناءها ويوقع بين الآخرين، دمرها وشتت رزقها وبدأ يسرق وينهب أملاكها، حاولت أن تنقذ الباقي من أبناءها بعدما اكتشفت الفخ الذي وقعت فيه لكنها لم تفلح.

سوريا هي تلك الأم الشقراء التي وهبها والدها لإبن كبير البلد، ذلك المدلل القاسي الذي اعتقدها إرثا مما خلفه أباه، فأساء معاملتها. أنجبت معه أبناء ولم يتغير فأرادت التخلص منه فأخبرته برغبتها في الانفصال فغضب وثار وأشعل النار في كل مكان وخرج الوحش الذي كان يخفيه بداخله وراء ابتسامة صفراء، وجعل جيشه يفتك بكل من أيد قرار الأم في التحرر من قيده فقتل ثم قتل ثم دمر ونادى في أصحابه: من يريد أن يشبع عطش الدم؟ من يتمتع بقتل الأطفال فليقترب هاهنا؟ من يتمتع بتدمير ما بناه الرجال فليجلب سلاحه معه؟ اقتلوا من شئتم وهدموا ما أردتم فأنا ولي أمرهم وأنا المالك ولن اعترض بل سأساعدكم حتى يكون الدمار أسرع وينقطع صراخ أبنائي وأطفالهم الصغار فهم لا يتركوني أنام، لكن لا تقتلوا الأم اتركوا قلبها يحترق لأنها تجرأت وقالت لي لا.

مصر تلك الأم المطلقة بأبناء تقدم لخطبتها زوج صالح وعدها بالوقوف إلى جانبها إلى أن يشتد عود أبناءها وأن يرجع لها ما سلبه منها طليقها، لكن أهل طليقها هجموا على العرس واختطفوا العريس وأجلسوا مكانه أهبلا مخبولا ألبسوه بذلة وطلبوا منه أن يدمرها وأبناءها لينتقم منهم على طلاقها فابتسم عندما فهم المطلوب منه وقام بما طلبوه وأكثر ولا زال مبتسما حتى وهو يحاول أن يجمع بضع كلمات في جملة ليخبر العائلة أنهم ماضون إلى الهاوية.

لطالما كانت القضية قضية أم وأبناء ورجل، تبدأ المحن بعد موت الرجل أو بعد موت الرجولة فيه فتقاوم المرأة لوحدها مع أطفالها الصغار من أجل الحياة الكريمة في الوطن ثم من أجل الوطن وبعدها من أجل الحياة.

#الأم_المنكوبة