وجهة نظر

أنا الأمة الحزينة، المكسورة الوجدان..

تفاعلا مع ما يحدث في سوريا من أحداث دامية ومبكية وموجعة
تفاعلا مع صمت مطبق، اغتيلت فيه أنفة امة ولا حول ولا قوة إلا بالله :

أنا ملكة الملوك ،، وسلطانة ألازمان،،،
وهبني الله كل الكنوز أراضي وجبالا و وديانا ،، ياقوتا وزمردا ومرجانا ،،
جنة الرب على الأرض …بساتين وأغصان…زيتون وحب وفاكهة ورمان
وهبني الله جمالا يأخذ من العقول لبيبها ،ومن العيون زرقاء يماماتها،

فكنت مطمع الغزاة عبر العصور والأزمان
عايشت كل الحضارات ،وعاصرت كل الأديان
شاركت بكل الحروب و الغارات …وقفت في أوجه الطغاة و الغزاة…
حفاظاً على كبريائي وعليائي، صونا لعرضي وأرضي ،دفاعا عن أهلي وأحبابي وأصحابي.

أنا الأمة الحزينة ،المكسورة الوجدان ….
لي جذور ممتدة في عمق التاريخ الإنساني ،في كنفي رجالات من كل الأوصاف ..
الأبطال و الزعماء ، والأشراف والعظماء، والحكماء و العقلاء ،والأدباء والشعراء ….
فيهم حتى الأشرار الأنذال ، والسفهاء الجبناء، وفيهم أيضا مصاصو الدماء…
وثلاث بنات حسناوات،،لا هن إنسيات ولا جنيات ،، و لا حورياتٍ،،،
جمالهن فاق التقديرات،، طاهرات، عفيفات، بتولات،،
روحهن بلسم ودواء لكل عليل،ابتسامتهٌن غداء لكل جائع وفقير …
عيونهن نور لكل ضرير ،، و شعرهن الناعم الطويل ،ضل يحتمي به كل عابر سبيل من حر الظهيرة صيفاً،،
وجودهن كان منبع الاطمينان للقلب الحزين ،و مصدر الأمان للتائه والمحروم والحزين…

أنا الأمة الحزينة …
حين تآمر علي السفهاء و الجبناء ،،اختطفت بناتي الثلاث ….
فكان خطبا جللا ،أقرح القلب ،وأدمى الفؤاد ،واقرع الكبد ،،،
فاهتز العرش ،و انقلب الكيان ،وتمزق الوجدان ،،فمات الأمان والاطمينان،،
و حل الظلم و الطغيان، و الخراب و العدوان ….
انفجر البركان ، واهتز الزمان و المكان ….
فدبل الورد ،و اقتلع شجر الزيتون و الرمان ،،و كف الطير عن شدي الألحان ….
توقف النهر عن الجريان ، وتحولت الحقول لمقابر للولدان،و تناثرت أشلاء الأجسام على الجدران ….
ورائحة الموت في كل ميدان ،وانتشر البوم ،ومات الحمام ….
ولم تبق سوى النسور والذئاب تأكل أشتات الأبدان ….

أنا الأمة الحزينة ،المكسورة الوجدان ….
أبحت عن بناتي …سألت باطن الأرض ….سألت السماء من شمال أفريقيا إلى الخليج …..
سالت أعماق المحيط ،وموج البحر ،سالت فيروز الشطآن….
آه ، أنا المرأة التي تآمروا علي فجراً،و خطفوا بناتي ظهراً ،واغتصبت عصراً ….
و مزقت أطرافي و أحشائي شرقا وغرباً ،،
أين العهد الذي قطعه معي أهلي وخلاني؟أصحابي أحبابي وجيراني؟؟
وقد تغنوا بي على إيقاعات كاذبة، وشعارات واهية ، فهذا حبيب يعتد بي:
ولي وطن آليت ألا أبيعه وألا أرى غيري له –الدهر-مالكا
وذاك مهاجر يتغنى :
بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كـــرام
وذاك ادرف مدامعي يوما:
ذكرت بلادي فاستهلت مدامعـــي بشوقي الى عهد الصبا المتقادم
كانت كلمات على وقع شراب الهجر والغربة في كؤوس من الحنين والأشواق، فخرست الألسن حين ماتت الأشواق….وحين بيعت الضمائر ،
حين حل الخذلان ،واستحل أهلي دك الرؤوس تماما كما النعام .

فهل كثير علي أن أجزع وأفزع؟؟؟أم كثير علي أن أنعي زمن البطولة في زمن النذالة؟؟؟
وقد فرض علي عشق السلاح، والتغني بالبكاء والنواح ،
وقد أقبرت أرضي ، ونيل من عرضي …..
وقد ، وقد، ….قصفت أطرافي،وجرحت رجولتي وذبحت أنوثتي ونحرت شهامتي ، وبعثرت نخوتي،أعيش زمن الهولوكوست البائد،
حتى غدوت خوفا للآمنين….وقد كنت -حتى عهد قريب -مأوى الخائفين وبوصلة الغرب والعجم والتائهين،
صرت حروفا مفقودة لا يجيد نطقها العرب، وصرت حاضرا قاتما عارا على هؤلاء العرب.
لأني و لا فخر، أبدا لن أساوم …..حتى آخر رمق في سأقاوم……
بقلة من الأحرار سأنتفض على زمن القهر ، و زمن العهر….
سأغضب لنفسي ولأهلي …..سأغضب لأجزاء مغصوبة مني،
سأغضب لسوريا و السودان ،للعراق وفلسطين….
سأغضب لآبار النفط ، وحدائق الزيتون …..فلتبعدوا يا كلاب الصيد لأن حدائق الزيتون أبدا لن تؤويكم،
سأقيم الليل لله صلاة المظلوم تضرعا و استنكاراً،،و ا رباه ،و ا رباه،،
أنا الأمة الحزينة المكسورة الوجدان، ،،
أبحت عن بناتي الثلاث : الحرية، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية..