مجتمع

قصة “مريم” توحد الديانات السماوية وتمد جسرا للتواصل الديني بتطوان (فيديو)

تصوير ومونتاج: يونس ميموني

أجمع أكاديميون ورجال دين على أن قصة السيد مريم أمُّ المسيح عيسى، عليهما السلام، تشكل نموذجا للتقارب والوحدة بين الديانات السماوية الثلاث، وتُمد جسرا للتواصل بين المسلمين والمسيحيين واليهود.

جاء ذلك في ندوة احتضنها المركز السوسيو-ثقافي “ليرشوندي” التابع لكنيسة “سيدة الانتصارات” بتطوان، الإثنين، حول مكانة السيدة مريم في الإسلام والمسيحية واليهودية، تحت عنوان “مريم سيدة نساء العالمين”، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.

وشارك في الندوة كل من “أدولفو نافارو”، الراهب بكنيسة “سيدة الانتصارات” بتطوان، وأحمد الفراك، أستاذ الفلسفة والمنطق بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، وكريمة نور عيساوي، أستاذة تاريخ الأديان بكلية أصول الدين جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، إلى جانب حضور عدد من الباحثين والطلبة.

واعتبر المتدخلون أن قصة السيدة مريم واحدة من أبرز المشتركات الإنسانية والدينية التي من شأنها التقريب بين الشعوب والأفراد والأمم والمذاهب، مشيرين إلى أن إثارة مثل هذه القضايا المشتركة بين الديانات هدفها تخفيف حدة الصراع والحروب والكراهية، وفسح المجال للتواصل والحوار.

وتعتبر سيرة السيدة مريم من المواضيع الأثيرة التي استحوذت على اهتمام الباحثين في الفكر الديني عموما والفكر الإسلامي والمسيحي على وجه الخصوص، حيث تباينت نظرة الديانات السماوية إليها نظرا لما حظيت به من تقديس وتبجيل وما ألحق بها من افتراء.

“مريم العذراء”

“أدولفو نافارو”، الراهب بكنيسة “سيدة الانتصارات” بتطوان، قال في مداخلته، إن قصة السيدة “مريم العذراء” تشكل جسرا بين المسلمين والمسيحيين، مشيرا إلى أن أتباع الديانة المسيحية على دراية كبيرة بمدى الحب والتقدير الذي تحظى به السيدة مريم أمُّ النبي عيسى لدى جميع المسلمين.

وأشار إلى أن مريم قبلت أمر الله بأن تكون حاملا بالمسيح بشكل مفاجئ، وأن تواجه الأسئلة والشكوك من طرف عائلتها وخطيبها “خوسيه” وشعبها، متسائلا: “ماذا ستفعل فتاة صغيرة إذا وجدت نفسها فجأة حاملا ولم تجامع رجلا من قبل؟ كيف ستخبر عائلتها وتتعامل مع المجتمع الذي يكون صارما تجاه الأمهات العازبات؟”.

وأوضح أن المرأة المغربية يمكنها أن تفهم مريم بشكل أفضل من النساء الأخريات من الثقافات أو المجتمعات الأخرى، لافتا إلى أن كل هذه الأسئلة مرت في ذهن مريم كالبرق، لكن إيمانها ومحبتها لله كان أعظم، وهو ما جعلها تكون سيدة بين النساء. وتقبل دعوة الملاك جبريل، حيث أصبحت مثالا للخضوع الحقيقي لله.

غير أنه ليس كل المسيحيين يكرمون مريم بنفس الطريقة، يضيف المتحدث، فبعد الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر، لم يرغب المسيحيون البروتستانت في منح مريم مكانة كبيرة لأنهم اعتقدوا أن المسيحيين الكاثوليك أو الأرثوذكس عرضوا عبادة الأصنام على مريم.

ويرى المصدر ذاته، أن مريم تشكل لدى المسيحيين التقليديين، النموذج الأولي للمرأة والرجل المخلص لله، وهي مثال للإنسان الحقيقي الذي استسلم بالكامل لله، مضيفا بالقول: “بل إني أجرؤ على القول بأن مريم هي مثال للمسلم الحقيقي أيضا، باعتبارهما مثالين لمن يعطي قلبه وحياته وكيانه بالكامل لله”.

وشدد نافارو على أن مريم كانت وستظل في روحانية الكنيسة ولهوتها، خادمة للرب. لكن الله برحمته وعطائه اللامحدود، اختار إنسانا، امرأة، ليشاركه بطريقة ما في هذا المشروع، مشيرا إلى أن المسيحيين يعتقدون بأن الله حدد طريقة الاقتراب منه عبر تسليم أنفسهم تماما إليه، ابتداءً من إبراهيم وباقي الأنبياء، ثم مع مريم ويسوع، وأتباعهما.

مريم واليهود

من جانبها، قدمت أستاذة تاريخ الأديان بكلية أصول الدين بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، كريمة نور عيساوي، صورة عن مكانة المرأة في الديانة اليهودية من خلال نموذج السيدة مريم أم نبي الله عيسى، مشيرة إلى أن المرأة في اليهودية تحظى بحقوقها المدنية لكنها لا تحظى بحقوقها الدينية.

وقالت كريمة نور عيساوي، إن الدّارس لتاريخ الأديان إذا ما أراد رسم صورة واضحة للسيدة مريم بصفة خاصة وللمرأة عموما في الديانة اليهودية، سيجد نفسه يقوم بمجازفة كبيرة تتمخض عنها صورة ضبابية وغير واضحة المعالم، أو على الأقل مشوّهة الملامح.

واعتبرت أن هذه الصورة الضبابية عن المرأة في اليهودية لا تكتمل ملامحها إلا بالعودة إلى الأصول التشريعية في الديانة اليهودية المتمثلة في التوراة والتلمود، موضحة أن صورة المرأة اليهودية في هذه الأصول التشريعية والمجامع الرِّبية، تأرجحت ما بين الرُّؤية الإيجابية والرّؤية السلبية.

وبالرغم من القيمة التي حظيت بها السيدة مريم في العهد الجديد، توضح عيساوي، إلا أنه لا ذكر لها في العهد القديم، باستثناء بعض الإشارات في التلمود، مشيرة إلى أن الديانة اليهودية لا تعترف بمريم كسيدة نساء العالمين، ووصفتها بأوصاف أخرى لا تتطابق مع نظيرتها في الإسلام والمسيحية.

كما أشارت إلى تمثلات المرأة بصفة عامة في التلمود بصفته مصدر التشريع الأساسي في الديانة، ومختلف التحولات التي عرفتها قضية تحرير المرأة اليهودية من سلطة الحاخامات وقوانينهم المجحفة في حقها من العصور القديمة عبر العصور الوسطى وإلى العصر الحديث.

وفي تصريح لجريدة “العمق”، أوضحت عيساوي أن البحث في مجال علم الأديان “يجعلنا نتطرق إلى موضوع ههم، هو البحث عن المشترك الإنساني والديني بين الديانات”، معتبرة أن قصة مريم تشكل “جسرا لمد جسور التواصل بين جميع أتباع الديانات لكي نعيش في عالم يسوده الأمن والأمان والسلم والسلام”.

سيدة نساء العالمين

من جهته، اعتبر أستاذ الفلسفة والمنطق بكلية أصول الدين بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، أحمد الفراك، أن قصة “السيدة مريم” في القرآن الكريم وفي الإناجيل المسيحية، تشكل نموذجا للتقريب بين الأديان السماوية الثلاث، مشددا على أن الأمر يتعلق بموضوع يهم المسلمين والمسيحيين على حدٍ سواء.

وأوضح الفراك أن ذكر مناقب وشمائل المرأة الصالحة مريم، يساعد على التقريب بين الأديان وتجويد الفهم بخصوص عدد من القضايا، باعتبار مريم “سيدة نساء العالمين وقدوة جميع المسلمين والمسيحيين”، مشددا على أن هذه المواضيع تولي أهمية للمشترك الإنساني، وفي صميمه المشترك الديني.

وأشار إلى أن إثارة مثل هذه القضايا المشتركة بين الديانات هدفه تخفيف حدة الصراع والحروب والمواجهة والصدام والكراهية، مقابل فسح المجال للقلوب لكي تتواصل والعقول لكي تتفاهم والمصالح لكي تتكامل، مضيفا في هذا الصدد: “جميعا إخوة على هذه الأرض”.

واعتبر الأستاذ الجامعي أن مكانة المرأة في الدين هي نفسها مكانة الرجل، لافتا إلى أن الله كرم الإنسان وأرسل الأنباء وأنزل الكتب لحفظ هذا التكريم لصالح الرجل والمراة سواءً، معتبرا أن الدين كرم المرأة لكن التدين والثقافة ساهما في تقليص مكانتها وإهانتها تأثرا بثقافة الجاهلية التي كانت تسبق الوحي أو تحيط به.

وبخصوص مكانة السيدة مريم عليها السلام في القرآن الكريم، يوضح الفراك بأنها كانت المرأة الوحيدة التي ذُكر اسمها في القرآن لما لها من شأن عظيم من قديم الزمان إلى آخره، لافتا إلى أن معاني اسمها يختلف ما بين العابدة والمرتفعة والسيدة والمحبوبة، كما أن اسمها الآن يوجد في جميع لغات العالم.

وعدَّد الفراك عشرة أوصاف للسيدة مريم انطلاقا من الآيات التي ذكرها القرآن فيها، مشيرا إلى أن هذه الصفات تتجسد في كونها النذيرة والمتقبَّلة والمُصطفاة والمطهرة والمحجبة والمُبشَّرة والآية والصدِّيقة والقانتة والمُنعَّمة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *