خارج الحدود

تعمل على حمايتها.. كيف اكتشفت طالبان قيمة التماثيل الوثنية؟

أن تجند حركة طالبان التي تسيطر على السلطة في أفغانستان اليوم حراسا لحماية تماثيل بوذية، فهذا أمر شديد الغرابة، خاصة وأن الحركة كانت قد تجندت لتحطيم تلك “التماثيل الوثنية” في السابق تحت استنكار عالمي انضم إليه علماء مسلمون أيضا. على اعتبار أن الأمر لا يتعلق بأصنام تعبد بل فقط بتماثيل أصبحت تراثا ثقافيا شاهدا على عصور مضت.

وتعمل الحركة على نقل التماثيل البوذية إلى متحف كابول والحفاظ عليها، ليس لقيمتها التاريخية، ولكن لكونها اليوم تمثل طوق نجاة الاقتصاد الأفغاني الذي أنهكته العقوبات، والصراعات. فكيف ذلك؟

 أوثان “تحرس” أكبر مخزون عالمي من النحاس

وحسب قناة الحرة، تسعى حكومة طالبان في أفغانستان إلى الاستفادة من منجم يعتقد أنه يحوي “أكبر مخزون للنحاس في العالم” بعد عقود من الفشل في استغلال هذه الثروة الهائلة.

وتجري الحركة، التي تواجه أوضاعا اقتصادية خانقة، محادثات مع شركات صينية كبيرة لاستخراج هذا المعدن، مما قد يعطي بكين “نفوذا” في الدولة الآسيوية التي تترنح تحت العقوبات، كما تتطلع إلى المشاركة روسيا وتركيا وإيران، وفق تقرير لأسوشييتد برس.

وتقول الوكالة الأميركية إنه من المثير للسخرية أن الحركة التي أثارت غضب العالم قبل نحو عقدين عندما كانت في السلطة بسبب تدميرها لتماثيل بوذية، تعود اليوم لحماية هذه التماثيل في محاولة لاسترضاء الصين والاتفاق معها على الاستثمار في المنجم.

وفوق هذا المنجم الذي يقع في مدينة “مس عينك” القديمة، تقع تماثيل بوذية يقف لحراستها مقاتلو طالبان الذين لطالما استهدفوا هذه التماثيل “الوثنية” يوما ما.

ويضم الموقع الضخم، الذي تم اكتشافه في ستينيات القرن الماضي، أربعة أديرة وورش نحاسية قديمة وقلعة، ويعتقد أنه كان مستوطنة بوذية رئيسية ومفترق طرق للتجار القادمين من الغرب ومن الصين.

ويقع على عمق مئات الأمتار من هذا الموقع الأثري، الذي بناه رهبان بوذيون في القرن الأول، “ما يُعتقد أنه أكبر مخزون من النحاس في العالم” يصل حجم المعدن فيه وفق دراسات إلى 12 مليون طن.

ويعلق حكام طالبان في أفغانستان آمالهم على بكين لتحويل هذا المعدن إلى مصدر إيرادات لإنقاذ الدولة التي تعاني من نقص في السيولة وسط عقوبات دولية خانقة.

وقال حاكم الله مبارز، رئيس فرقة الأمن التي تحرس الموقع، إن حراسته ستفتح الطريق لضخ مليارات الدولارات من الاستثمارات الصينية.

وقاد مبارز وحدة قتالية من قبل في الجبال المحيطة لمحاربة القوات الأفغانية، وعندما استسلمت تلك القوات العام الماضي، هرع رجاله لتأمين الموقع. قال: “كنا نعلم أنه سيكون مهما للبلاد”.

ويشير تقرير أسوشييتد برس إلى أنه لطالما أدركت الحكومات المتعاقلة لأفغانستان أهمية قطاع التعدين غير المستغل، الذي قدرت قيمته بنحو تريليون دولار، لكنها فشلت في استغلاله بسبب العنف المستمر.

والآن، تتطلع العديد من الدول، بما في ذلك إيران وروسيا وتركيا، إلى الاستثمار لملء الفراغ المتبقي في أعقاب الانسحاب الأميركي، وفق التقرير.

تنافس دولي والصين الأكثر حظوظا

وطرق باب مكتب زياد رشيدي، مدير العلاقات الخارجية بوزارة التعدين، هذه الأيام الروس والإيرانيون والأتراك والصينيون. ليقول إن الجميع “في عجلة من أمرهم للاستثمار”، لكن الاهتمام الصيني “غير عادي”.

وقد تكون الصين أول قوة عظمى تتولى مشروعا كبيرا في أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان، مما قد يعيد رسم الخريطة الجيوسياسية لآسيا.

وفي حين لم تعترف الصين بحكومة طالبان، إلا أنها على عكس المجتمع الدولي، دعت إلى إلغاء تجميد الأصول الأفغانية، وواصلت عمل بعثتها الدبلوماسية في كابول.

وبعد أشهر قليلة من استيلاء طالبان على العاصمة في أغسطس الماضي، حث وزير التعدين والبترول بالإنابة في طالبان، شاه الدين ديلوار، موظفيه على إعادة إشراك الشركات الصينية المملوكة للدولة، الذين استعانت بهم حكومة حامد كرزاي من قبل لاستغلال الموقع وفشلت بسبب مشكلات لوجستية.

واتصل رشيدي بشركة “أم سي سي” الصينية من أجل العودة، ومن المقرر أن تصل لجنة فنية في تحالف يضم هذه الشركة العملاقة إلى كابول في الأسابيع المقبلة لمعالجة العقبات المتبقية لإبرام تعاقد طويل الأمد.

ومن ضمن المقترحات لحل المشكلات العالقة نقل القطع الأثرية البوذية، وتم تكليف وزارة الثقافة الأفغانية بالفعل بتقديم خطة للنقل على الأرجح إلى متحف كابول.

وقال ديلوار لوكالة أسوشيتيد برس: “لقد نقلنا بالفعل بعض (القطع الأثرية) إلى العاصمة، ونعمل على نقل الباقي، حتى يمكن بدء أعمال التعدين”.

لكن الشركة تسعى أيضا إلى إعادة التفاوض على الشروط، خاصة ما يتعلق بخفض الضرائب ومعدل رسوم، يصل إلى 19.5 في المئة، إلى النصف تقريبا.

وبينما تبدو الوزارة متفائلة بإمكانية التوصل إلى اتفاق، يتوخى مسؤولو مؤسسة “أم سي سي” الحذر، ولم يتحدثوا إلى وكالة أسوشييتد برس بشكل رسمي، مشيرين إلى الحساسيات حول المحادثات الجارية بينما لا تزال العقوبات الدولية تحظر التعامل مع طالبان.

ويقول التقرير إن طالبان وعدت القرويين في المنطقة بتوفير نحو 3 إلى 4 آلاف وظيفة مباشرة بسبب هذا المشروع، ونحو 35 ألف وظيفة غير مباشرة.

ويمكن أن يجلب الاستثمار في ميس عينك ما بين 250 إلى 300 مليون دولار سنويا لعائدات الدولة، بزيادة قدرها 17 في المئة، بالإضافة إلى 800 مليون دولار في الرسوم، وفقا لمسؤولي الحكومة وشركات.

وهذا مبلغ كبير في الوقت الذي تعاني في البلاد من الفقر مع تجميد الأصول ووقف المنح الدولية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *