خارج الحدود، منوعات

الإسلام والمسلمون في قلب صراع السباق نحو قصر الإيليزيه الفرنسي

لم تخل انتخابات رئاسية فرنسية من محاولة توظيف ورقة الإسلام والمسلمين في الحملات الانتخابية بين مختلف المتنافسين، غير أن الانتخابات الرئاسية الحالية لها طابع خاص ميزها عن سابقاتها، حيث أصبح التطرف هو التوجه المشترك الرئيسي بين أكبر أربعة متنافسين في الانتخابات الرئاسية المقررة في الـ10 من أبريل الجاري.

ومن المفارقات في هذا التوجه المتطرف، أن فرنسا تعد من أكبر الدول الأوروبية من حيث حجم الجالية المسلمة، فحتى منتصف 2016، كان يعيش فيها نحو 5.7 ملايين مسلم، بما يشكّل 8.8% من مجموع السكان. في حين تقف هذه النسبة في مجموع الاتحاد الأوروبي عند حدود 4.9%، مع توقعات بأن ترتفع إلى 11.2% بحلول عام 2050، وفق إحصاءات مركز الأبحاث الأميركي.

4 مرشحين رئيسيين يتقاسمون خطابا متشددا ضد المسلمين

حسب تحليل لوكالة الأناضول، تكاد تكون المرة الأولى في تاريخ الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي يتقاسم فيها اليمين واليمين المتطرف المراتب الأربعة الأولى في استطلاعات الرأي، ما يضع مسلمي فرنسا أمام خيارات صعبة في ظل تصاعد الخطاب المعادي للإسلام والمهاجرين في الحملات الانتخابية.

وحسب نفس المصدر، وإن اختلف المرشحون الأربعة المتصدرين لنوايا التصويت حول عدة ملفات، إلا أن الشيء الوحيد الذي يجمعهم هو خطابهم المعادي للمسلمين والمهاجرين، والتهويل من خطر التهديد الذي يمثله الإسلام على هويتهم العلمانية.

ففي آخر استطلاع للرأي أجرته شركة “إيبسوس-سوبرا ستيريا”، الذي نُشر، السبت، لصالح صحيفة “لوموند”، ومؤسسة” جان جوريس وسيفيبوف”، أظهر أن الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، مازال يتصدر نوايا التصويت بـ25 بالمئة، متقدما بنحو 10 نقاط عن أقرب منافسيه.

إذ حازت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان على 15.5 بالمئة من نوايا التصويت، وهي ذات النسبة التي حصلت عليها فاليري بيكريس، مرشحة حزب الجمهوريين، الذي يمثل اليمين الديغولي التقليدي.

أما اليميني المتطرف إريك زمور، اليهودي من أصول جزائرية، فتراجع إلى المرتبة الرابعة بـ13 بالمئة.

+ ماكرون.. من اليسار إلى الوسط فاليمين

ماكرون، الذي خرج من عباءة الحزب الاشتراكي (يسار) ثم أسس حزب الجمهورية إلى الأمام (وسط) الذي ضم أجنحة من اليسار وأخرى من اليمين، سرعان ما جنح نحو اليمين بل وزايد في بعض الملفات على اليمين المتطرف في عدائه للإسلام والمسلمين بشكل غير مسبوق.

وأخطر ما خرج به ماكرون، إصدار قانون “مكافحة الانفصالية الإسلامية”، الذي يُضيق من حرية المسلمين، وكذلك غلق 3 مساجد خلال أشهر قليلة، وادعاء وزير داخليته جيرالد دارمانان، أن 70 من أصل أكثر من 2500 مسجد في فرنسا “يعتبر متطرفا”.

وكثيرا ما استفز ماكرون المسلمين بتصريحاته المعادية للإسلام على غرار قوله إن “الإسلام في أزمة”، وكذا دعمه للصور المسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وحل جمعيات لمسلمين بينها “التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا”، المناهض للعنصرية ضد المسلمين.

ومع تصاعد النزعة اليمينية المتطرفة في فرنسا خاصة منذ ذبح معلم في 2020 بعد نشره صورا مسيئة للرسول (ص)، أصبح تصريحات ومواقف ماكرون أقرب لليمن المتطرف، ومعادية للمهاجرين خاصة المسلمين منهم

+  لوبان وزمور.. صراع على زعامة التطرف

مارين لوبان، زعيمة حزب “التجمع الوطني”، لم تعد وحيدة في معسكر اليمين المتطرف، فبعد دخول إريك زمور، السباق الرئاسي، زايد على تطرفها، وشق صفوف معسكرها.

وحتى الرئيس ماكرون، يحاول أن يغرف من قاعدتها الشعبية، من خلال اقتراب خطابه من الشعبوية المتطرفة.

فلوبان، تقاتل في الانتخابات الرئاسية لمنع اضمحلال حزبها، أمام تنافس مرشحين رئاسيين بارزين على تبني خطاب يميني متطرف ضد المسلمين والمهاجرين، أكثر تطرفا من خطابها.

ففي نونبر الماضي، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة “إيفوب-فيدوسيال” لحساب صحيفة “لو فيغارو” وقناة “إل.سي.آي”، تفوق زمور على لوبان بنسبة 17 مقابل 16 بالمئة على التوالي.

واستغل زمور، الذي أدين مرتين بالتحريض على الكراهية، تصاعد الإسلاموفوبيا في البلاد بتوعد المسلمين بتغيير أسمائهم في فرنسا، وسيمنعهم من تسمية أبنائهم “محمد” كمثال، وتحول بسرعة إلى ظاهرة إعلامية استقطب اهتمام التيارات المتطرفة المعادية للإسلام.

الدعم الثاني الذي تلقاه زمور، وشكل طعنة في ظهر مارين لوبان، تلقيه دعما قويا من والدها جان ماري لوبان، الذي سبق وان أطاحت به من رأس “الجبهة الوطنية” قبل أن تغير اسمها إلى “التجمع الوطني”.

لكن مارين لوبان، استعادت المرتبة الثانية رغم تراجعها الطفيف في نوايا التصويت، وذلك لخسارة زمور 4 نقاط كاملة ما بين نونبر 2021 ويناير 2022.

وقد يعود تراجع شعبية زمور، راجع إلى استعمال مجموعة من أنصاره العنف ضد جمعية مناهضة للعنصرية، تظاهرت في أحد اجتماعاته، في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما دفع وزارة الداخلية إلى حل مجموعة “زواف باريس”، وقبلها جمعية “جيل الهوية”.

ولكن كلا من لوبان وزمور، يتبنيان نظرية “الاستبدال العظيم”، التي تروج لفكرة أن شعوبا أجنبية (المسلمون مثلا) ستحل محل الشعب الفرنسي.

وعبر هذه النظرية ينفخ زمور ولوبان في نار الرهاب من المهاجرين لدى اليمين المتطرف، مع التركيز على المسلمين، لكسب شعبية أكبر ولو بإثارة التفرقة والعنصرية ضد ثاني أكبر ديانة في البلاد.

+ بيكريس.. البحث عن مكان تحت مظلة التطرف

لا تختلف فاليري بيكرس، كثيرا في مواقفها المعادية للمهاجرين وإن كانت تصريحاتها ضد المسلمين أقل تطرفا من زمور ولوبان وماكرون، إذ تعهدت في حال انتخابها لرئاسة فرنسا بأن تكون “أكثر تشددًا” بشأن الهجرة.

وتقترح، بيكرس، التي فازت في ديسمبر الماضي بترشيح حزب الجمهوريين (يمين وسط) بـ”ترحيل الأجانب الذين يمثلون تهديدًا للأمن العام، خصوصًا من الذين يتبنون خطابًا إسلاميًا متشددًا”.

واتهمت ماكرون بالتغاضي عن “الإسلاموية، بل وكذلك الهجرة غير الخاضعة للرقابة، وزيادة انعدام الأمن…”

فبيكرس، التي سبق لها وأن شغلت منصب وزيرة المالية، ليست سوى امتدادا للخطاب المتشدد ضد المسلمين، الذي تبناه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي (2007-2012)، مؤسس حزب الجمهوريين (الاتحاد من أجل حركة شعبية سابقا).

لكن حزب الجمهوريين، الذي قاد البلاد في حقب مختلفة، يواجه الآن خطر الاضمحلال على غرار الحزب الاشتراكي، وكلاهما كانا ضحية خروج ماكرون من العدم ليؤسس حزبا (الجمهورية إلى الأمام) خليطا من اليسار واليمين.

كما أن جزءا من قاعدة الجمهوريين استقطبتها مارين لوبان، وهذا ما يفسر نزوع بيكرس، لتبني خطاب أكثر تشددا بشأن الهجرة والمسلمين، وقد يتصاعد هذا الخطاب كلما اقتربنا من موعد الانتخابات في آبريل/نيسان المقبل.

واستفادت بيكرس، من انقسام قاعدة اليمين المتطرف بين لوبان وزمور، وصعدت في استطلاع أجرته بولتيكو قبل نحو شهرين من المرتبة الرابعة بنسبة 10 بالمئة، إلى المرتبة الثانية بنسبة 15.5 بالمئة في يناير، بحسب الاستطلاع الخير الذي نشرته لوموند.

وتعكس نتائج سبر الآراء أن المرشح الذي سيصعد إلى الدور الثاني في مواجهة ماكرون، لم يحسم بعد، وأنه مازال منحصرا بين بيكرس ولوبان وبدرجة أقل زمور الذي تقلص وهج تصريحاته المتطرفة والعنصرية.

فالإسلاموفوبيا، أصبحت التجارة الرائجة في الرئاسيات الفرنسية، والمرشحون الأربعة الأقرب للرئاسة جميعهم يتنافس حول من يكون أكثر عداء للمسلمين للفوز بأصوات اليمين المتطرف

الانتخابات قد تخلف “دوامة من الكراهية” ضد الإسلام والمسلمين

قال عميد مسجد باريس إن الخطاب المعادي للإسلام المُنتهج في الحملة الانتخابية الفرنسية يهدد بخلق “دوامة من الكراهية” واتخاذ المسلمين الملتزمين كبش فداء، على غرار الخطاب المنتهج في الثلاثينات ضد اليهود.

وحسب مصادر إعلامية، أضاف شمس الدين حافظ في تصريح لصحيفة “غارديان” البريطانية: “إنني قلق للغاية.. نحن في مجتمع ممزق ويبحث عن نفسه، مجتمع ضعيف وخائف بعد الوباء”.

وتابع قائلا: “البحث عن كبش فداء حقيقة.. كانت هناك سوابق لذلك ففي عام 1930 عندما بدأت أصابع الاتهام إلى اليهود الذين أصبحوا مشكلة مجتمع بأكمله.. اليوم توجهت البوصلة للمسلمين.. فكرت أننا سنكون في مأمن من هذا النوع من الخطاب في القرن الحادي والعشرين”.

وقال لصحيفة “غارديان”: “لعدة سنوات حتى الآن، في كل انتخابات في فرنسا، تحدث بعض المرشحين عن “مشكلة الإسلام” وربط الإسلام بالهجرة أو الإرهاب”.

وأفاد بأن المسلمين في فرنسا تعرضوا للوصم أو الإهانات أو الرأي القائل بأن الإسلام لا يتوافق مع قواعد الجمهورية الفرنسية أو مع الغرب، لكن في هذه الانتخابات الأمر أكثر خطورة لأن هناك مرشحا يترك الحرية تماما ويتحدث عن “البديل العظيم” ويؤكد بشدة أن الإسلام والمسلمين لا يمكنهم البقاء في فرنسا، وأن مكانهم في مكان آخر، وإذا يريدون البقاء في هذا البلد وعليهم ألا يمارسوا شعائر دينهم”.

وقال إنه على الرغم من المخاوف الرئيسية للناخبين الفرنسيين من قضايا مثل تغطية نفقاتهم، فقد أصبح “من المألوف” للمرشحين “انتقاد الإسلام والمسلمين، ورؤيتهم على أنهم غير مرغوب فيهم وخطرين”.

وأوضح قائلا: “نحن في عام 2022، نحن من الجيل الخامس من المسلمين في فرنسا ولا يزالون يعتبروننا أجانب”.

وأكد حافظ أنه يخشى زيادة الأعمال المعادية للمسلمين بعد الانتخابات.

الانتخابات على الأبواب والمسلمون في عمق عاصفة قمعية

حسب الجزيرة نت، كشف تقرير إخباري نشره موقع لوريون 21 الفرنسي المختص في القضايا العربية أنه قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ما زالت موجات الرياح العاتية تهب على الحقوق والحريات، حيث يجد مسلمو البلد أنفسهم وسط هذه العاصفة القمعية.

فبعد حل الجمعيات الإسلامية وسن القوانين الماسة بحقوق الفرد والجماعة، حسب نفس المصدر، تواصل القيادات السياسية الفرنسية حملتها على أفراد الأقلية المسلمة وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، بحسب التقرير.

وأضاف أن أي مبادرة نابعة عن المسلمين في فرنسا يُنظر إليها على أنها طائفية ومنافية لحرية التعبير أو العلمانية، أو على أنها أحد مظاهر الإسلام السياسي

وعدّد التقرير المواقف والقرارات التي أعتمدتها حكومة إيمانويل ماكرون المتعلقة بتعرّض مساجد وجمعيات للدفاع عن الحقوق ومدارس ودور نشر وأندية رياضية بل وحتى محلات بيع الوجبات الخفيفة للحل أو الإغلاق. وكلها قرارات ومواقف سهلت موجات القمع الشامل ضد مسلمي فرنسا وذلك اعتمادا على قانون مكافحة الانفصالية الذي دخل حيز التنفيذ في آب/ أغسطس 2021 وأعيد تسميته بقانون تعزيزالمبادئ الجمهورية

واستدل التقرير بموقف وزير الداخلية جيرالد دارمانان الذي عبّر عن ارتياحه لتجميد نحو 200 جمعية قريبة من حركات الإسلام السياسي دون أن يكلّف نفسه تفسير المقصود بهذا القرب.

وأضاف التقرير هكذا يتم إخماد الأصوات المسلمة باسم حماية حرية التعبير، بينما يتم تنظيم الانفصال وتسييس كل حدث مرتبط بالإسلام باسم مكافحة الانفصالية والإسلام السياسي.

تكميم الأفواه

واستدعى التقرير ملف حرية التعبير الذي  يحتل مكانة مركزية في خطاب الإسلاموفوبيا الفرنسية، إذ يتم تصوير المسلمين والمتعاطفين معهم على أنهم يشكلون تهديدا لهذه الحرية، ويُتهمون باستمرار بأنهم يعملون على منع أي نقاش حول دينهم ، بل ويتم رفض مصطلح الإسلاموفوبيا بشدة، ويُنظر إليه من بعض الأطراف على أنه محاولة لفرض الرقابة

وأوضح التقرير أن هذه الرقابة تعمل بشكل سيّئ عكس إرادة ساسة فرنسا، فالحضور الدائم لموضوع الإسلام والمسلمين في النقاش العام وعبر سائل الإعلام الرئيسية، وحتى خلال الحملات الانتخابية الحالية، يجعل من مسلمي فرنسا رقما وازنا في العديد من المعادلات السياسية الراهنة والمقبلة، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية والبلدية

ووقف التقرير عند قضية الرسوم الكاريكاتورية أو الاستهزاء من رموز الإسلام التي اعتبرها نقطة جوهرية لما وُصف بإرادة تقييد النقاش العام. لكنه استدرك بأن مذبحة جريدة (شارلي إيبدو) واغتيال المعلم (صامويل باتي) جعلا تناول هذا الموضوع أكثر حساسية. ومع ذلك، يشدد التقرير بأن تعبير المسلمين والمسلمات عن رفضهم لرسوم يعدّونها مهينة يشكّل في حد ذاته مساسًا بحرية التعبير ويُعدّ تناسيًا لكون التعبير السلمي لهذا الرفض يدخل ضمن حرية التعبير نفسها

تنظيم وسيطرة

وأكد التقرير أن قانون تعزيز المبادئ الجمهورية والمعروف أكثر بقانون مكافحة الانفصال يسعى لإعاقة قدرة المسلمين على ممارسة حياتهم الاجتماعية على أكمل وجه

فالقانون -حسب التقرير- ذو هدف قمعي أساسا وقد أقرّ بذلك مجلس الدولة في رأيه الصادر في 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، ويُعد انتهاكًا واضحًا لحقوق وحريات الأقلية المسلمة في فرنسا وهي الأكثر عددًا في أوربا، لا سيما تلك المتعلقة بتكوين الجمعيات وممارسة الشعائر الدينية

مفردات حربية

ويؤكد التقرير أنه رغم كون مسلمي فرنسا يشكلون أكبر أقلية دينية منذ نهاية السبعينيات، وأنهم اندمجوا في المجتمع، وأصبحوا في الغالب فرنسيين وظلوا مسلمين، فإن عدم نجاح الدولة الفرنسية في ضبط الانتماء الإسلامي لهذه الأقلية الدينية يتم الاحتماء بالقانون لإعادة فرض النظام وتنظيم الانفصال.

وتظل المفارقة -حسب التقرير- كامنة في أن النظام التأديبي المسخّر ضد الأشخاص المسلمين يشهد على اندماجهم، فعمليات التفتيش وحلّ الجمعيات، وإغلاق المدارس والمساجد، وتشييد آلية تشريعية استثنائية ضد المسلمين، كل هذه التدابير تهدف إلى تنظيم الانفصال وفك العنصر الإسلامي عن الجسم الاجتماعي الفرنسي.

وقال التقرير إن الإسلاموفوبيا هي حقا ردة فعل تجاه قدرة المسلمين على التحرك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *