أخبار الساعة، منوعات

اكتشافان يعيدان إلى الواجهة حلم البشر باستدامة الشباب والخلود

يتطلع البشر مند فجر التاريخ إلى اليوم الذي يمكنهم فيه استدامة شبابهم بل والخلود أيضا. وعرف تراث الأساطير والخيال الشعبي قصصا مثيرة عن “إكسير الحياة” أو أكسير الخلود، وانشغل فلاسفة مند القدم بالجدل حوله، واستمر حلم استدامة الشباب والخلود عبر الروايات وقصص الخيال العلمي.

وإكسير الحياة، حسب ويكيبيديا، هو عقار أسطوري أو مشروب يضمن لشاربه حياة أبدية أو شباب أبدي، وقد سعى إليه العديد من ممارسي الخمياء (الكيمياء القديمة). وتذكر أساطير مصر القديمة أن بعض الآلهة حصلت على الأبدية لما شربت “القطرات البيضاء” (الذهب السائل). وفي الصين القديمة سعى العديد من الأباطرة للبحث عن الأكسير الخرافي لأسباب متنوعة. في أسرة تشين مثلا أرسل “تشين شي” هوانغ الخيمائي “شو فو” مع 500 رجل شاب و 500 امرأة شابة إلى البحار الشرقية لإيجاد الأكسير، لكن لم يعودوا أبدا. ويعتقد الصينيون أن التناول طويل الأمد للمواد الثمينة كاليشم والزنجفر والهيميتايت (أحجار كريمة) يعطي بعضا من طول العمر للشخص الذي يتناولها…

ويستمر حلم استدامة الشباب والخلود بشكل عنيد في الخفاء في بحث الناس الدائم عن الأسلوب الأنسب في الحياة لاستدامة الشباب، ومحاربة الشيخوخة، وتحول ذلك إلى وقود صناعة مكتملة تذر الملايين في مجال التغذية، والطب الشعبي، والطب البديل، واللياقة البدنية، والتجميل، …

واليوم يبدو أن حلم استدامة الشباب ومحاربة الشيخوخة، والخلود قد خرج من عالم الخرافة والأسطورة والخيال العلمي، ليدخل مجال البحث العلمي من خلال اكتشافين مذهلين.

علماء ينجحون في تجديد خلايا جلدية لامرأة

أعلن علماء بريطانيون نجاحهم بتجديد شباب خلايا جلدية لامرأة في الـ53 من عمرها، لتوازي عمر من يبلغن 30 عامًا، ما يُمهّد على الأرجح، لعلاج الأمراض المصاحبة للشيخوخة مستقبلًا، حسب “سي ان ان”.

وحسب نفس المصدر، خضعت الدراسة لمراجعة الأقران، ونشرت في المجلة العلمية eLife، أمس الجمعة. ووضعها علماء من معهد بابراهام في جامعة كامبريدج يإنكلترا، وهي ما برحت في مراحلها الأولى، وفق ما أفاد بيان إعلامي الجمعة.

لم تظهر الخلايا التي تجدّد شبابها أصغر فقط، بل كانت أسرع في معالجة جرح صناعي من الخلايا الأكبر سنّا، كأنها في الـ23 من العمر، “وهذا مؤشر واعد أنه في أحد الأيام ستستخدم هذه الدراسة لإنتاج خلايا أنجع في علاج الجراح”.

ووفق البيان، أُطلق اسم “إعادة برمجة” على هذه الآلية المستندة إلى تقنية الخلايا الجذعية. وكان في مستطاع العلماء إعادة ضبط الخلايا على الصفر من خلال تحويل خلايا الجلد مجددًا إلى خلايا جذعية. وبهدف وقف فقدان الخلايا لوظيفتها، أوقف العلماء آلية إعادة البرمجة بعد بضعة أيام، الأمر الذي سمح للخلايا بالحفاظ على خاصيتهم الوظيفية، في حين أصبحت أصغر سنًا بيولوجيًا.

تجديد الشباب

وقال دكتور ديلجيت جيل الباحث ما بعد الدكتوراه والمشارك في الدراسة لـCNN إنّ “الاحتمالات المستقبلية لعملنا مثيرة للغاية”.

وتابع: “من خلال المنهجية التي اتبعناها، قد نتمكن من أخذ خلايا من المرضى، وتجديدها، ثم زرعها مجدّدًا لعلاج الأمراض. حاليًا، يتركّز عملنا على خلايا الجلد، ما يساعدنا على معالجة الجروح، والحروق، والتقرّحات. نحن متحمسون لمعرفة إذا كانت منهجيتنا ناجحة على أنواع خلايا أخرى مستقبلًا، مثل القلب، والكبد وخلايا الدماغ، الأمر الذي يوسّع مروحة التطبيقات المحتملة”.

ويهتم فريقه أيضًا بمعرفة المزيد عن الآليات الكامنة وراء تجديد الشباب. وقال “من خلال فهم أفضل لذلك، ربما سنتمكن من تعزيز تجديد الشباب من دون إعادة برمجة الخلايا الجذعية على الإطلاق”.

العقبات

ولفت دكتور جيل إلى أنّ هذه المنهجية قد تستلزم وقتاً قبل تطبيقها سريريًا لتطوير علاجات.

وأضاف: “أمّا بالنسبة للعوائق الأساسية، فنحن بحاجة للتأكّد من أنّ منهجيتنا آمنة جدًا. فنحن نستخدم عوامل ياماناكا Yamanaka، لإجراء إعادة البرمجة العابرة، التي يمكن أن تعزز تكوين خلايا سرطانية عند تشغيلها في سياق خاطئ. ونقوم، في منهجيتنا المتبعة، بتشغيل هذه العوامل لفترة محدودة من الوقت، ما يُفترض أن يساهم بتجنّب هذه المشكلة، ورغم ذلك، نحتاج إلى فحص الخلايا بدقة لفترات زمنية أطول عد تطبيق ذلك بغية التأكد من أنّ وضعها مستقر وآمن”.

وخلُص جيل إلى أنه “في المجمل، يشكّل بحثنا بداية مثيرة للغاية، لما له من قدرة كبيرة محتملة على علاج الأمراض المصاحبة للشيخوخة”.

قنديل البحر يجدد الحياة باستمرار

في تقرير نشرته صحيفة “لوبوان” (Le Point) الفرنسية، حسب الجزيرة نت، قالت الكاتبة ناتالي لامورو، إن فكرة “الحياة الأبدية” حلم قديم قدم العالم قاد أجيالًا من الرجال والنساء للبحث عن أمور غريبة مثل الكأس المقدسة أو ينبوع الشباب.

وتعد هذه المحاولات، حسب نفس المصدر، التي تم حشدها لتخليص البشرية من الأمراض والشيخوخة من خلال الابتكارات العلمية والتقنية، استمرارا لمحاولات الأقدمين البحث عن طريق للخلود أو التحرر من طبيعتنا الفانية.

قنديل البحر الخالد

وحسب هيلين ميرل بيرال، الباحثة في آليات موت الخلايا، فإن المفارقة أن قاع المحيطات مليء بالمخلوقات الصغيرة غير العادية القادرة على العودة إلى شكلها اليافع.

وأبرز هذه المخلوقات التي ركز عليها العلماء قنديل البحر الخالد الذي يسمى علميا بـ”تيورتبسايس”. ومن بين الخصائص المميزة لهذا الحيوان المائي قدرته على تجديد خلاياه إلى أجل غير مسمى.

وذكرت الكاتبة أنه يوجد نوعان من قنديل البحر من جنس تيورتبسايس المعروفة بقناديل البحر الخالدة: أولهما “تيورتبسايس نيوتراكولا” الذي اكتشفه جون ماكرادي عام 1857 في البحر الكاريبي، والثاني قنديل البحر الخالد الذي درسه كريستيان سومر وهو طالب في علم الأحياء البحرية في إيطاليا عام 1988 في مياه البحر الأبيض المتوسط.

ويقلّ طول تيورتبسايس نيوتراكولا عن 5 ملليمترات. أما النوع الثاني “قنديل البحر الخالد” فيتغير شكله اعتمادًا على بيئته، فهو يمتلك 8 مجسات في المياه الاستوائية مقابل 24 مجسا أو أكثر في المناطق المعتدلة.

خالد نظريا.. ولكن كيف؟

تنمو قناديل البحر الصغيرة وتتكاثر ثم تموت. ولكن عندما تتدهور ظروفها المعيشية مثل نقص الغذاء ودرجة حرارة الماء غير المناسبة والتعرض للإصابة والشيخوخة، يفعّل قنديل البحر خاصية رفض الموت حيث يغير قنديل البحر شكله ليعود بالزمن إلى مرحلة البوليب ويستأنف مسار الحياة الطبيعية مرة أخرى مما يجعله “خالدا نظريا”.

تشبه هذه العملية إلى حد ما الفراشة التي تتحول إلى شرنقة مرة أخرى أو إنسانا يعود إلى حالة الجنين. وقد لاحظ شين كوبوتا، الباحث في علم الأحياء البحرية بجامعة كيوتو اليابانية، عام 2011 تجديد قنديل البحر الخالد لنفسه 10 مرات على التوالي.

ويُطلق على هذه العملية في قلب هذه التحولات اسم “التمايز المتبادل”، حسب ستيفانو بيراينو، عالم الأحياء بجامعة ليتشي الإيطالية وأحد العلماء الأوائل الذين كشفوا عن هذه الظاهرة.

يتوافق تباين التمايز مع الحركة العكسية حيث تفقد الخلايا المتخصصة هيكلها وتعود إلى حالة أولية، غير متمايزة، دون خصائص ثم تظهر حالة جديدة من التمايز، ولكن بأي آلية؟

ويعرف العلماء أن بعض الجينات تصبح نشيطة عند بدء هذه العملية لكنهم يجهلون كيف يتم التحكم في المفاتيح الجزيئية التي تسمح للجينات بالنشاط والخمول. إذا علمنا ذلك، يمكننا على سبيل المثال إعادة تنشيط جينات معينة حتى تتمكن الخلايا من الاستمرار في إنتاج بروتينات أساسية معينة.

والسؤال المطروح: هل استطاعت قناديل البحر استعمار كل البحار في العالم بفضل هذه القدرة المذهلة على “التمايز المتبادل”؟ في الحقيقة، الأمر ليس كذلك.

توضح بيلا جليل، الباحثة في البيئة البحرية، أن “المشطيات والشعاب المرجانية وشقائق النعمان البحرية وقناديل البحر منتشرة على نطاق واسع وهي تعد من الأنواع الغازية البحرية والمائية الداخلية وتفتقر إلى آلية التحويل التبادلي التي يتميز بها قنديل البحر الخالد.

ولغزو البحار والمحيطات بهذه السرعة، عاش قنديل البحر الخالد في شقوق السفن المملوء بالمياه التي تجوب العالم وتكاثر في هذه البيئة المجهدة من خلال عكس دورة حياته.

هل يجب أن نقلق من هذا الانتشار؟

قالت بيلا جليل إن “لقناديل البحر آثارًا بيئية واقتصادية دراماتيكية تتراوح من الأضرار التي تلحق بمصايد الأسماك إلى تلوث البنية التحتية الساحلية والبحرية، إلى المخاطر على صحة الإنسان”.

وتابعت “نحن لا نعرف إن كان هذا الأمر يهدد التنوع البيولوجي. نحتاج أولاً إلى تحديد عدد أنواع تيورتبسايس الموجودة. اكتشفت الدراسات الجزيئية ما بين 7 و9 أنواع من جنس تيورتبسايس، وقد يكون أحد الأنواع مجمعًا من اثنين إلى 4 أنواع مخفية”.

وبسبب هذا التعقيد الواضح، يجب إعادة تقييم الحالة الغازية أو المتوطنة للأنواع المحلية بعناية. ومع ذلك، تشير البيانات المتاحة إلى أن قنديل البحر الخالد نوع غازي.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *