سياسة

ماذا يعني الإعلان عن تفكيك “خلايا الفساد” في الفترة الأخيرة بالمغرب؟

الفساد الاستبداد

أثار تحرك السلطات القضائية خلال الفترة الماضية بخصوص ملفات فساد مالية تورط فيها منتخبون وموظفون عموميون كبار، تساؤلات إن كان الأمر يتعلق بمرحلة جديدة داخل الدولة قوامها مكافحة الفساد، أم أن الأمر يلا يعدو أن يكون مجرد خطوات عادية يتم اللجوء بين الفينة والأخرى.

وللإجابة عن هذه الأسئلة طرحت جريدة “العمق” 3 أسئلة على رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي:

كيف تقرأ التحركات الأخيرة بشأن تفكيك “خلايا الفساد” بالمغرب؟

بالنسبة لنا نحن في الجمعية المغربية لحماية المال العام نعتبر أن هذه القرارات والاجراءات المتخذة في قضايا الفساد المالي، هي قرارات مهمة وشجاعة وكانت من بين مطالبنا في الجمعية.

بالنسبة لملف الصفقات بوزارة الصحة، تم فيه اتخاذ اجراء جديد لم تكن تتخذ فيما سبق، وهو حجز وعقل ممتلكات بعض المتهمين، وهذه الآلية هي اجراء وقائي واحتياطي، من شأنها أن تساهم في استرجاع الأموال المبددة والمُختلسة. وهذا من بين مطالبنا في الجمعية المغربية لحماية المال العام، بحيث دائما، واستنادا إلى اتفاقيات الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، نطالب دائما بوضع آلية لضمان استرجاع الأموال المبددة والمنهوبة.

هذه القرارات مهمة وشجاعة ونتنمى أن تشكل منطلقا لمرحلة جديدة قوامها إرادة سياسية حقيقة لمكافحة الفساد وحماية المال العام وربط المسؤولية بالمحاسبة، ذلك أن هناك ملفات أخرى لازالت أمام البحث التمهيدي ولدى قضاة التحقيق. وهي أيضا ملفات فساد مالي.

لابد أن يتم تعزيز هذه الاجراءات المتخذة في الملفات المذكورة وأن يتم اتخاذ مثل هذه الإجراءات في ملفات أخرى حتى نتوجه جميعا في المستقبل بإرادة سياسية واعدة تتطلع إلى القطع مع الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة، خاصة وأن الجميع يقر اليوم بخطورة الفساد المالي على البرامج والسياسات العمومية الموجه للتنمية، ولهذا فنحن نراهن على دور السلطة القضائية في مكافحة الفساد والرشوة، ونتمنى أن نرى مستقبلا مثل هذه القرارات والاجراءات، لأن المجتمع في حاجة ماسة إلى جرعات كبيرة من الأمل وإلى تعزيز الثقة في المؤسسات، وأعتقد أن مثل هذه الاجراءات من شأنها أن تؤدي هذه الوظيفة.

هل التحركات الأخيرة دليل على توجه الدولة نحو مكافحة الفساد بشكل جدي؟

أظنه من السابق لأوانه أن نحكم على الأمر بأنه مرحلة جديدة، لأن الأمر يتعلق فقط ببضع قضايا. وبالتالي فإنه بالمقارنة مع حجم الفساد المستشري في بعض المؤسسات العمومية والخاصة فمن السابق لأوانه أن نقول إن ذلك يشكل مؤشرا كافيا للقول بأن هناك مرحلة جديدة بصدد رسم معالمها، وذلك لابد أن نتريث وأن ننتظر ما إذا كان هذا توجه جديد أم لا، لإنه إذا كان الأمر توجها جديدا فلابد أن تعززه قرائن ومؤشرات أخرى كتحريك ملفات الفساد التي استقرت وقتا طويلا في البحث التمهيدي.

لأنه مقابل هذه السرعة التي تمت بها معالجة بعض الملفات بشكل صارم وشجاع، هناك بطئ كبير في معالجة ملفات أخرى أمام البحث التمهيدي وأمام القضاء، كما أن بعض الاحكام الصادرة في جرائم الفساد المالي لا ترقى إلى المستوى خطورة تلك الجرائم المتعلقة بالاختلاس والرشوة وتبديد الاموال العمومية والتزوير، ولا تحقق الردع العام والخاص وهي ضعيفة وهشة بالمقارنة مع الجرائم المرتكبة.

أضف إلى ذلك أن بعض المتابعات القضائية لحد الساعة تقتصر على بعض المنتخبين وبعض الموظفين الصغار، وأن مسؤولين كبار هم في منأى عن أي محاسبة، كالوزراء مثلا والولاة والعمال ومدراء مؤسسات عمومية كبرى، بل إن حتى مجرد الاستماع إليهم وفق المساطر القانونية في هذا الاطار لا يتم في قضايا الفاسد المالي، لذلك من المبكر أن نحكم بأن هناك مرحلة جديدة.

المغاربة يتطلعون فعلا إلى هذه المرحلة وهم شغوفون أيضا بمرحلة جديدة قوامها مكافحة الفساد والتصدي للافلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة، لأن الفساد يساهم في التفاوتات الاجتماعي والمجالي ويساهم أيضا في تقويض حكم القانون والعدالة، وبالتالي فالمغاربة يتطلعون اليوم إلى مستقبل واعد وإلى إرادة سياسية حقيقية تقطع مع كافة مظاهر الفساد ونهب المال العام والرشوة.

هناك مفسدون ناهبين للمال العام راكموا ثروات مشبوهة وبطرق غير مشروعة عبر توظيف الآلية العمومية للاغتناء غير المشروع، لذلك فالمغاربة يتطلعون إلى أن يروا أن الناس جميعا هم سواسية أمام القانون، وذلك بتقديم المتورطين في قضايا الفساد المالي إلى القضاء من أجل محاكمتهم طبقا للقانون.

الأكيد أن القضاء لن يكون وحده كافيا لمكافحة الفساد، لكن هناك مقاربات أخرى وآليات ووسائط لابد أن تتحرك، وضمنها دور الأحزاب السياسية والبرلمان والحكومة ومؤسسات الحكامة والمجتمع المدني والإعلام …، وكل هذه الآليات والمقاربات تلتقي في إطار رؤية مندمجة وشاملة من أجل مكافحة الفساد، باعتبار الأخير قضية مجتمع ومعركة محاربته طويلة تحتاج إلى استراتجية متكاملة ومتعددة الأبعاد.

هذه التحركات الأخيرة بخصوص تفكيك شبكات الفساد المالي تأتي في وقت تُتهم فيه الحكومة بسحب القوانين ذات الصلة بمكافحة الفاسد من البرلمان، كيف تفسر ذلك؟

اعتقد أن تحرك السلطة القضائية في الملفات الأخيرة تم بناء على شكايات، وهذا يأتي في وقت عملت فيه الحكومة على سحب القانون الجنائي الذي يتضمن عقوبات ضد الاثراء غير المشروع، وكذا مشروع احتلال الملك العمومي واستغلال مقالع المعادن، وهو ما يثر نوعا من القلق بشأن غموض إرادة الحكومة في مكافحة الفساد، خاصة وأن البرنامج الحكومي وحتى الحكومة من خلال الناطق الرسمي باسمها لم تعد تذكر ولو شفويا أي خطاب يتحدث عن مكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة.

نتخوف من أن تشكل هذه المؤشرات نوعا من التراجع عن التزامات الدولة في مكافحة الفساد، خاصة وأن المغرب له التزامات أممية وقدم مجموعة من الوعود والبرامج والنوايا المتعلقة بمكافحة الفساد سنة 2007، لذلك فالمغاربة ينتظرون أن تترجم تلك الوعود على أرض الواقع.

وإذ استحضرنا أيضا مصير الاستراتجية الوطنية لمكافحة الفساد التي وضعت سنة 2015 وتمتد إلى 2025. فاليوم لا حديث عن هذه الاستراتجية ولا عن مصيرها، إذا هذا القلق يغذيه هذا الغموض وهذا التردد في مكافحة الفساد.

اعتقد أنه نحتاج إلى جرعة قوية من قرارات وبرامج تروم مكافحة الفساد. هذه البرامج وهذه القرارات لا بد أن تعزز بإرادة سياسية حقيقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *