رمضانيات

اغتنم رمضان واستعن بإرشادات علم النفس للتخلص من العادات السيئة

أصبح اليوم من المعلوم بالضرورة من فقه الصيام وثقافته العلم بفوائده الصحية المختلفة والكثيرة. غير أن كثيرين لا يستحضرون في لائحة الأمراض التي تعالج في عيادة رمضان أو تخفف فيها سوى الأمراض العضوية، ولا يدركون أن رمضان يوفر فرصة لمعالجة الاختلالات السلوكية أيضا، وخاصة ما يتعلق بالتخلص من العادات السيئة والمضرة.

والعادة نفسياً هي أنماط معتادة ومكتسبة ومتعلمة ومتكررة للفرد من السلوك، وتحدث ما قبل الشعور وليس بتفكير شعوري بشكل مباشر أو ملاحظ لأنها لا تلتقي مع تحليل الذات. والتعود هو تعلم بعد فترة من التعرض لمثير معين، حسب ويكيبيديا.

وجميع البشر يعيشون في كل لحظة ضمن شبكة من العادات الجيدة أو الرديئة، فهي التي تقود سلوكنا وتحدّد مستوى أدائنا ونمط علاقتنا واتجاهات تفكيرنا وأنواع اهتماماتنا. لذلك فإنه من المهم أن يكون علمنا برصيد عاداتنا علما واعيا، يميز خبيثها عن الطيب.

وفي هذا المقال تجد نصائح خبراء علم النفس السلوكي وعلم نفس العادات، تساعد في الإقلاع عن العادات المضرة والسيئة، حسب الجزيرة نت.

ماذا أفعل كيف أحقّق ما أريد؟

  • أولًا: لا تُخبر أحدًا بنواياك، الكتمان شرط للإنجاز

ثمّة مقولة شائعة في الثقافة العربية، قد تُنسَب إلى النبيّ الكريم بوصفها حديثًا، تقول: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، وبالفعل تُشير العديد من الدراسات إلى أنّ إخبار النّاس بالنوايا قبل تحقيقها أدعى لعدم تحقّقها. لكنّ الفرق الرئيسي بين التداول الشعبي لهذه المقولة وبين ما يخبرنا به العلم يكمن في تعليل الفشل في تحقيق الأهداف بعد إخبار النّاس بها.

لا تذهب الدراسات إلى تفسير إعاقة تحقّق الأهداف والفشل بالإنجاز إلى جهة الحسد أو العين، أيّ أنّ الدراسات لا ترى مصدر هذه الإعاقة مصدرًا خارجيًّا، لكنّها تُثبت أنّ مصدر هذه الإعاقة يكون ذاتيًّا وداخليًّا. إذ إنّ ما يحدث فعليًّا حين تخبر أصدقاءك بما تريد تحقيقه، هو أنّ كثرة الحديث وكثرة تخيّل الهدف تُشعر الإنسان بشعور مخادع ولذيذ يُساعد في إفراز هرمون الدوبامين، والذي يُفرَز في العادة عند شعور الإنسان بالإنجاز.

من هنا، فإنّ ما يحدث فعليًّا هو أنّ الدماغ يشعر كما لو أنّ الهدف قد تحقّق بالأساس، ويُكافئ صاحبه على ذلك بإشعاره بنشوة التحقيق بمجرّد إخباره لمَن حوله برغبته في تحقيق ذلك؛ لأنّ ما يحدث عادةً حين تخبر أحدهم بطموحك وأهدافك العظيمة هو أنّ الناس سيُثنون عليك وسيمدحونك ويقولون عبارات تشجيعية وإيجابية تجعلك تشعر بالسعادة وبنشوة حقيقية، وهو ما يخدع العقل، ويشعر كما لو أنّ الهدف تحقّق فعلًا؛ فتفقد الحافزية والدافعية لإنجازه، لذلك إذا أردتَ تحقيق أمر ما فلا تخبر به أحدًا حتّى تحقّقه، أو أَخبِرْ به أقلّ عدد ممكن من الأشخاص إن كان لا بدّ من إخبار أحدهم، فإنّ هذا من شأنه أن يُقلّل من فُرَص تقاعسك عن أدائه.

  • ثانيًا: مجرّد تدوينك لعاداتك السيئة كفيل بتقليصها

قد تبدو هذه النصيحة غريبة، لكن تُشير الدراسات إلى أنّ مُجرّد تدوينك لعاداتك السيّئة فور حدوثها أو في نفس يوم حدوثها كفيل بمقاومتها. يحدث هذا لأنّك تمارس العادات بتلقائية وبلا وعي، ولكنّك حين تتناول دفترك في كلّ مرّة تُقْدِم فيها على عادة ما وتدوّنها فإنّك تصير أكثر وَعيًا بحدوثها، وتنقلها من حيّز العادات اللاواعية إلى حيّز الأفعال المرصودة والواعية. أضف إلى هذا أنّك قد تقوم ببضعة تجاوزات صغيرة خلال يومك، لكنّك حين تقوم بتدوينها جميعًا، ستراها مجتمعة، وبدلًا من أن تكون مجرّد تجاوز صغير في وجبة صغيرة مثلًا أو سيجارة واحدة فقط، ستجد في نهاية اليوم أنّك تناولت العديد من الوجبات الصغيرة والعديد من السجائر؛ فتصير أكثر وعيًا بحجمها مجتمعة ومتراكمة.

لذلك، كل ما عليكَ فعله هو أن تُبقي في جيبك دفترًا صغيرًا، وأن تدوّن كل تجاوز سلوكيّ ترغب في التخلّص منه، فور حدوثه، اكتب العادة ووقتها ومكانها وشعورك الذي سبق قيامك بها (الساعة 3:10 مساءً تناولت سيجارة؛ لأنّي كنت أشعر بالقلق من تكليف وظيفي أوكله إليّ مُديري في العمل)، وهكذا، لأنّ هذا سيُساعدك على رؤية أنماط سلوكية، مثل اقتران القلق لديك بتدخين السجائر، واقتران الشعور بالفراغ بتناول الطعام غير الصحّي.

  • ثالثًا: استبدل العادات السيئة بعادات بديلة، لا تتوقّف عنها فحسب

تُشير الدراسات العصبية إلى أنّ الدماغ حين يعتاد على عادة سلوكية مُعيّنة فإنّه يخلق مسارًا عصبيًّا للعادة؛ كي يُسهّل من حدوثها، وهذا يشتهر في الوسط العلمي وخاصّة في الدراسات العصبية والسلوكية بالعبارة التي تقول: الخلايا العصبية التي ترسل إشارات إلى بعضها بعضًا، ترتبط ببعضها بعضًا “neurons that fire together wire together”.

يترتّب على هذه القاعدة العلمية أنّه من الصعب أن تترك فراغًا لمسار عصبي تم تكوينه بالفعل، بل الأجدى أن تقوم باستبداله، فمثلًا إذا كان لديك عادة سلوكية سيئة هي تناول الأطعمة غير الصحّية عند الشعور بالقلق، فإنّ ما يجب أن تفعله هو أن تستبدل نوعية الطعام بدلًا من منع نفسك من تناول أي شيء، بهذه الطريقة أنتَ تُبقي على المسار العصبي ولا تُقاومه، ولكنّك تستبدل الطعام غير الصحّي بتناول فاكهة مثلًا، أو بتناول علكة بدل التدخين عند الشعور بالقلق مثلًا.

  • رابعًا: ضع حواجزَ ومعيقاتٍ أمام عاداتك السيّئة

لا تحدث العادات في الفراغ، كما لا تحدث بدون مقدّمات أو محفّزات سلوكية. ثمّة قواعد أساسية في علم نفس العادات تذهب إليه الدراسات، يُمكِن إجمالها بالآتي:

  • تبدأ العادات بالعمل تلقائيًّا عند تحفيزها (هناك مُحفِّز وراء تفعيل كلّ عادة).تتشكّل العادات بالممارسة (المكافأة)، وتتلاشى بالعوائد السيئة (العقاب).
  • حين تكون العادة السيئة فعلًا تلقائيًّا، فيجب أن تضع لها حواجزَ تجعلك أكثر وعيًا بحدوثها، لهذا يتّجه علماء النفس لنصيحة الأفراد بوضع عوائق لممانعة الفعل التلقائي، مثلًا مُجرّد إزالة الطعام من مدى الرؤية البصري وإخفائه ووضعه في أماكن مرتفعة صعبة الوصول وفي عُلَب وعُبوّات غير شفّافة، كفيل بتقليل احتمالات وقوع العادة السيّئة وأدعى لإفقادها تلقائيتها.
  • هذا ينطبق بالعكس على العادات التي تودّ اكتسابها، في حال أردتَ الالتزام بالذهاب إلى النادي الرياضي، فمن الأفضل أن تجهّز ملابسك الرياضية وحقيبتك قبل أن تنام، ومن الأفضل أن تُسجّل في نادٍ قريب من مكان إقامتك، كلّ هذه التسهيلات أدعى لزيادة فُرَص التزامك بالعادات الإيجابية.
  • خامسًا: تجاوز موجات الإلحاح الغرائزي بالتأمّل

حين تحاول التخلّص من عادة سيّئة كالتدخين أو الشره في تناول الطعام أو الإباحية، وفي الأيام الأولى التي تنقطع فيها عن عاداتك السيّئة، يشيع لدى النّاس الشعور برغبة إلحاحية حادّة وكثيفة، بوصفه أحد الأعراض الانسحابية للتخلّص من عادة سلوكية عميقة ومستحكمة. حين تأتي هذه الرغبة تجعلكَ مُحاصرًا في خانة ضيّقة من القرارات، وكأنّه ليسَ هناكَ أيّ خيار آخر سوى العودة إلى السلوك السيّئ وكأنّ صوتًا ما يتردّد داخل رأسك (افعلها الآن وهنا! لا تنتظر! لا يسعكَ المزيد من الانتظار)، فمثلًا قد تشعر برغبة مُلحّة لتناول الطعام، أو التدخين، أو قد تشعر برغبة مُلحّة للعودة من سفركَ الذي لا تُطيق وإنهاء الغُربة إلى الأبد، أو قد تشعر برغبة ملُحّة للإنفاق والتسوّق أو الغضب، والأفضل دائمًا أن لا تتّخذ قرارًا تحت وطأة “الرغبة المُلحّة” وأن تنتظر.

يصطلح الباحثون على التقنية المستخدمة للتغلّب على هذا الشعور باسم “Urge Surfing”، أي ركوب الرغبة، تمامًا مثل ركوب الأمواج (رياضة الركمجة)، بوصفها وسيلة لتجاوز الرغبة المُلحّة. تستغرق أي موجة رغبة مدّة ثوانٍ إلى دقائق (قد تصل إلى 30 دقيقة) أو أقلّ، اعتمادًا على تغذية الرغبة أو التجاوب معها أو التعاطي معها بطريقة تفاقم من وجودها. لذلك أوّل نقطة يجب أن تدركها أنّ هذا الشعور الذي يبدو كما لو أنّه للأبد، ليس إلّا شعورًا مُؤقّتًا.

يكمن سرّ النجاح في تخطّي هذه الحالة، بأن تكون على قناعة علمية بأنّ هذا الشعور ليس إلّا شعورًا مؤقّتًا وعابرًا، لأنّك ستشعر خلال موجة الإلحاح الشعوريّ بأنّها رغبة لا يُمكِن تفاديها أو تجنّبها، وستبدو كما لو أنّها مستحكمة وضرورية، لكنّك في الحقيقة لو انتظرت قليلًا حتى تعبر موجة الإلحاح الشعوري ستجد أنّك لا تريدها بنفس الطريقة، وأنّ بإمكانك مواصلة يومك بشكلٍ طبيعي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *