منوعات

اضطراب التعلق لدى الأطفال قد يؤثر سلبا في حياتهم الاجتماعية إذا لم يعالج .. فما هو؟

لا يدرك كثير من الآباء ما يخفيه النفور الشديد لطفلهم من أحد الأبوين أو مقدم الرعاية، وخاصة الأم. وينظرون إلى ذلك السلوك على أنه فقط أمر يعتبر من طبائع الطفل الخاصة به، والتي قد يكون ورثها.

والواقع أن ذلك السلوك قد يكون علامة على وجود ما يسميه علماء النفس اضطراب التعلق التفاعلي، والذي سيؤثر على أسلوب ارتباط الطفل وعلاقاته طوال الحياة، مما يتطلب إخضاعه للعلاج.

قصة “شون”

شون، حسب الجزيرة نت، طفل يبلغ من العمر 6 سنوات، ذهب به والداه بالتبني إلى مُعالج نفسي بهدف التماس علاج له، يروي الطبيب على موقع “جود ثيرابي” (goodtherapy)  أن شون كان محبا ولطيفا في البداية، لكنه كان أيضا مندفعا، ويتعرَّض لنوبات غضب يُظهِر خلالها المزيد من العدوانية، لكنَّ الوالدين حاولا تجاهل ذلك، على افتراض أن سلوكياته ستتحسن مع اعتياده على حياة مستقرة.

بدلا من التحسن الذي افترضه الوالدان، تدهورت الأمور بسرعة. أخبر والدا شون المُعالج أنه عدواني مع إخوته الأكبر سِنًّا، ومن العسير تأديبه، ويواجه الكثير من المشكلات في المدرسة، ويُبلل السرير ليلا، كما أنه ينفجر غاضبا من دون سبب ولا يسمح لأحد أن يُهدئه.

وفي النهاية استطاع المعالج العثور على علامات مشكلات التعلق، التي سبَّبت كل هذه الأزمات في حياة طفل لم يتجاوز عمره ستة أعوام بعد.

ما المقصود باضطرابات التعلق؟

ركَّز عالم النفس التنموي جون بولبي عند وصف مفهوم الارتباط، حسب نفس المصدر، على الرابطة بين الأم والرضيع. التعلق، وفقا لـ “بولبي”، ليس حدثا يحدث مرة واحدة، ولكنه عملية تبدأ منذ الولادة وتمتد طوال السنوات الأولى من الحياة.

يمكن أن تؤثر علاقة الطفل بمُقدِّم الرعاية الأساسي خلال سنواته الأولى من الحياة، الذي غالبا ما يكون الأم، على أسلوب ارتباط الطفل وعلاقاته طوال الحياة.

يُطوِّر الأطفال عموما ارتباطات صحية وآمنة بالأمهات اللاتي يستجبن بكفاءة وبانتظام لاحتياجات الطفل، فيُقدِّمن له الطعام عندما يبكي، ويسعين إلى تلبية احتياجاته المُختلفة، ومنها بالطبع احتياجات الشعور بالدفء والحنان والاحتضان. كذلك يرتبط التعلق الآمن بقدرة الشخص لاحقا على الثقة والتعاطف، وعندما لا يحصل الطفل على هذا التعلق الآمن في وقت مبكر من الحياة، فقد لا يتعلم الثقة، وقد لا يستطيع تطوير قدرته على التعاطف والتفاعل مع الآخرين.

حاولت عالِمة النفس التنموي ماري أينسوورث تحديد ماهية التعلق غير الآمن من خلال اختبار أطلقت عليه اسم “وضع الغريب”، تترك الأم فيه طفلها مع الباحثين الذين يراقبون ردود أفعال الطفل.

أظهر الأطفال ذوو التعلق الآمن ارتباطا قويا بالأم، بينما أظهر الأطفال الذين يعانون من التعلق غير الآمن مجموعة متنوعة من ردود الفعل غير العادية وغير الصحية، بما في ذلك الغضب من الأم عند عودتها.

أُطلق على هذه الأعراض مجتمعة اسم اضطراب التعلق التفاعلي (RAD) هو حالة نادرة ولكنها خطيرة، تحدث حين لا يُشكِّل الرضيع أو الطفل الصغير روابط صحية وآمنة مع مُقدِّمي الرعاية الأساسيين له، هؤلاء الأطفال نادرا ما يلتمسون الراحة من مُقدِّمي الرعاية، ويكافحون من أجل تكوين علاقات مع الآخرين، ويواجهون صعوبة في إدارة عواطفهم.

يُعَدُّ اضطراب التعلق التفاعلي تشخيصا جديدا نسبيا، حيث قُدِّم لأول مرة في الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM) عام 1980. تُشير المعايير التشخيصية إلى أن الأطفال المصابين باضطراب التعلق التفاعلي (RAD) -الذي يتطور في مرحلة الطفولة عادة ما بين 9 أشهر و5 سنوات من العمر- لا يشعرون بالراحة مع مُقدِّمي الرعاية (الأم/ الأب) عند مواجهة الضيق أو التعب، مما يؤدي إلى مُحاولة الطفل الانسحاب من الوجود مع مُقدِّم الرعاية والانعزال عنه.

لكي يُشخَّص الطفل بهذا الاضطراب يجب أن يُظهِر الطفل نمطا ثابتا من السلوك المثبط والمنسحب عاطفيا تجاه مُقدِّمي الرعاية البالغين، مثل النفور منهم عند الشعور بالضيق. إلى جانب ذلك، يكون الطفل سريع الانفعال أو حزينا أو خائفا بدون سبب واضح. قد يكره الأطفال المصابون بهذه الحالة المودة الجسدية، وقد يتفاعلون بعنف عند الإمساك بهم أو احتضانهم أو تهدئتهم. من الناحية السلوكية، لا يمكن التنبؤ بسلوك الأطفال المتأثرين بهذا الاضطراب، ويصعب التحكم بهم أو تأديبهم.

تتقلب الحالة المزاجية لهؤلاء الأطفال بشكل متقطع، ويكون لدى معظمهم رغبة قوية في التحكم في بيئتهم واتخاذ قراراتهم بأنفسهم، ويكون لديهم مشكلات في الغضب والسيطرة، ويواجهون صعوبة في إظهار العاطفة.

كذلك، في بعض الأحيان، يُعاني الأطفال المُصابون باضطراب التعلق التفاعلي من حالات مرضية مُصاحبة، تُظهر الأبحاث أن الأطفال الذين يُعانون من اضطرابات التعلق يُعانون أيضا من معدلات أعلى من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، واضطرابات القلق واضطرابات السلوك.

وفقا للدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات العقلية، يحدث اضطراب التعلق التفاعلي بمعدل نحو 10% في مجموعات الأطفال الذين تعرَّضوا لسوء المعاملة، ويُعَدُّ عامل الخطر الوحيد المعروف لهذه الحالة هو الإهمال الاجتماعي الشديد خلال مرحلة الطفولة المُبكرة، ولكن في معظم حالات الإهمال، لا يتطور اضطراب التعلق التفاعلي إذا تحسنَّت الرعاية التي يحصل عليها الطفل بعد الإهمال.

أما عن نسبة انتشار هذا الاضطراب، فنظرا إلى أن اضطراب التعلق التفاعلي يُعَدُّ تشخيصا جديدا نسبيا، والعديد من الأطفال الذين يُعانون منه لا يلجأ ذووهم إلى مختصي الصحة النفسية ولا يُعالج الأطفال منه، فمن الصعب تحديد عدد الأطفال الذين قد يستوفون المعايير التشخيصية للاضطراب. لكن عام 2010، وجدت دراسة في الدنمارك أن أقل من 0.4% من الأطفال يُعانون من اضطراب التعلق التفاعلي. وقدَّرت دراسة أُجريت عام 2013 أن 1.4% من الأطفال الذين يعيشون في منطقة فقيرة في المملكة المتحدة يُعانون من اضطراب التعلق.

آثار طويلة الأمد

لا أعرف أكثر من أنني لا أثق في أحد، مهما ملأ شخص ما فمه بأنه يحبني أو أنه لن يتركني، أهز رأسي في صمت، لكنني أتيقن من داخلي أنه كاذب، وأنه سيرحل يوما ما، هذا هو اليقين الوحيد الذي يوجهني في علاقاتي”، هكذا بدأت منى.س، حديثها مع “ميدان”.

منى فتاة عشرينية، نشأت في إحدى دور الأيتام ثم انتقلت إلى دار رعاية للفتيات، تقول منى عن سبب توصلها إلى هذه النتيجة: “لا أعرف أبي ولا أمي، لكنني أعرف جيدا السيدة منال، تلك المرأة التي أمطرتني بمحبتها ودفئها، قضيت سنوات عمري الأولى في حضنها، كنت أظن أنها أمي، لأستيقظ ذات يوم على مفاجأة أفاقتني من وهم أمومتها، المفاجأة كانت أنها ستتزوج وسترحل عن الدار، تألمت ألما لا أستطيع وصفه، وأغلقت على قلبي ألف باب بعدها، رغم زيارات السيدة منال لي بعد زواجها، فإن شعوري تجاهها لم يعد أبدا كالسابق، علَّمني زواجها ورحيلها ألا أثق أبدا، ألا أحب أبدا، لأنني أتذكر حتى الآن الألم الذي اعتصر قلبي يوم رحيلها وهي سعيدة بزواجها”.

تتعامل منى في أحيان كثيرة بعدوانية مع مَن حولها، بحسب ملاحظة المشرفات المتعاملات معها، فتُثير تعجب مشرفاتها حينما يجدونها تُقابل كلمات المحبة بالسخرية، أو حتى بالعنف. لكن ذلك يتوافق مع التقديرات التي تشير إلى أن الأطفال في دور الحضانة، وأولئك الذين يقيمون في دور الأيتام، يُظهِرون معدلات أعلى بكثير من اضطراب التعلق التفاعلي.

لا يقتصر الأثر السلبي على المراحل العمرية المبكرة على ما يبدو. قد يؤدي التعلق غير الفعّال أو غير الآمن في وقت مبكر من الحياة إلى حدوث مشكلات في التعلق لاحقا ومواجهة صعوبة في تكوين العلاقات طوال الحياة، كما يمكن أن يؤدي ارتباط التعلق الضعيف إلى اضطرابات في النمو الاجتماعي والعاطفي.

هذا ما ترصده منصة “جود ثيرابي” (goodtherapy) من خلال حالة مي، وهي امرأة تبلغ من العمر 32 سنة، متزوجة ولديها مشكلات في العلاقة الحميمية. بدأت حياتها الجنسية مع زوجها في التدهور بعد شهر العسل مباشرة تقريبا، وهي تعترف بأن المشكلة مشكلتها؛ فهي تنفر من الدعوات الجنسية من زوجها، وتخشى أن يمسها في الفراش بأي شكل من الأشكال.

تؤكد مي أنها تشعر بالغضب منه دون سبب يمكنها تحديده، وتشعر أنها تود أن تعيش “حياة منفصلة” عنه، لكن التفكير في الطلاق يرعبها وهي لا تريد ذلك. لا تستطيع مي أن تشرح مشاعرها، لكن فحص طفولتها كشف عن حالات إهمال شديد اعتقدت مي أنها تجاوزتها. يكشف العلاج عن مخاوف مي من الرفض ومن أن يسيطر الآخرون أو يهيمنون عليها.

مثل مي كانت أزمة هبة التي تحدَّثت إلى “ميدان” قائلة: “لقد قضيت عمري في حضن أمي، ومع ذلك كُنت أفتقدها بشدّة، ظلت تُطاردني أحلام في طفولتي تتكرر باستمرار، وما زلت أتذكرها حتى الآن، كُنت أحلم أنني أود أن أحتضن أمي، ومع كل خطوة أقتربها منها خلال الحلم كانت تبتعد خطوة، لأشعر بألم يعتصر قلبي وأستيقظ فَزِعة”، هكذا بدأت هبة.م، المرأة الثلاثينية، حديثها مع “ميدان”.

تُضيف هبة قائلة: “لقد تفانت أمي في تربيتي، أنا ابنتها الوحيدة، كانت منغمسة في تعليمي وتربيتي، وتوفير بيت مستقر لأجلي بعد أن رحل عنّا والدي، ولم تُخبرني أمي أبدا أكثر من كونه مسافرا، كنت أعرف أنها لا تود قول المزيد حتى لا تؤلمني، كنت أعرف أنها تحمل من المسؤولية ما يفوق قدرتها على الاحتمال، كانت تود أن تفعل كل شيء بشكل صحيح، لكنني في غمرة كل انشغالها هذا بي افتقدت حضنها الدافئ، أعرف أنها تُحبني، فهي تفعل كل ما يبرهن على هذا، لكنها لم تكن تحتضنني”.

ترى هبة أن هذا أثَّر عليها في حياتها بأنه جعلها مُفتقدة للشعور بالحب، تود الحصول عليه بأي ثمن، جعلها تتهم نفسها بأنها لا تستحق الحب ولن تناله أبدا، ومع أول كلمة محبة وُجِّهت إليها صدَّقتها وسارت وراءها. عرَّضها تغييب عقلها الكامل من أجل الشعور بالحب لتجربة زواج غير متكافئة وقاسية انتهت باللجوء إلى محاكم الأسرة.

أسباب حدوث اضطراب التعلق التفاعلي

يعود سبب حدوث اضطراب التعلق التفاعلي إلى حصول الطفل على رعاية غير كافية خلال سنوات طفولته المُبكرة، التي قد تحدث بأشكال مُختلفة، مثل: التغييرات في مُقدِّمي الرعاية الأساسيين التي تحدّ من فرصة الطفل في تكوين ارتباط ثابت ودافئ بشخص مُحدد، أو النقص المستمر في الدفء العاطفي والعاطفة التي يحصل عليها الطفل من البالغين، أو أن يُربَّى الطفل في بيئة غير اعتيادية تحدّ بشدة من فرصة الطفل في تكوين ارتباطات تعلق آمنة مثل دور رعاية الأيتام.

عموما، السبب الذي يمكن اعتباره رئيسيا في حدوث هذا الاضطراب هو ألا يستجيب مُقدِّم الرعاية لبكاء الرضيع، أو لا تُقدَّم الرعاية والمحبة الكافية للطفل، فلا يُطوِّر ارتباطا صحيا. يتجسَّد هذا السبب بأشكال مُختلفة تؤدي إلى حدوث اضطراب التعلق، مثل: أن تُحبَس والدة الطفل بشكل متقطع، فيُقيم الطفل مع أقارب مختلفين أثناء وجودها في السجن، ولا يبقى الطفل في المنزل نفسه لمدة كافية لتكوين علاقة قوية مع أي شخص بالغ.

يحدث الأمر كذلك حين تكون الأم مصابة بالاكتئاب، ومن ثم فإنها تكافح من أجل رعاية طفلها، ولا تستطيع أن تستجيب للطفل عندما يبكي، ولا تتمكَّن من إظهار الكثير من المودة له. يتكرر الأمر كذلك حال إبعاد الطفل عن والديه ودخوله إلى دار رعاية، حيث يتناوب على رعايته أشخاص متعددون قد يرعونه سطحيا وبلا عاطفة، فلا يُشكِّل علاقات آمنة مع أيٍّ من مُقدِّمي الرعاية.

خلال الحالات السابقة، وغيرها عشرات الحالات والأمثلة الأخرى، يُعدُّ العامل المشترك الرئيسي هو التجاهل المستمر لاحتياجات الطفل العاطفية أو الجسدية، ويلعب نقص العاطفة هذا دورا أساسيا في إصابة الطفل باضطراب التعلق.

كيفية التعامل مع اضطراب التعلق؟

علاج اضطراب التعلق التفاعلي أمر في غاية الأهمية وفقا لبعض البحوث. فبدون علاج، قد يُعاني الطفل المُصاب باضطراب التعلق التفاعلي من مشكلات اجتماعية وعاطفية وسلوكية مستمرة. يُقدِّر الباحثون أن 52% من الأحداث المخالفين للقانون يُعانون من اضطراب التعلق، وأن الغالبية العظمى من هؤلاء المراهقين قد عانوا من سوء المعاملة أو الإهمال في وقت مبكر من الحياة.

كلما كان تلقي الطفل للعلاج أسرع، قلَّت المشكلات التي قد يواجهها الطفل بمرور الوقت. عادة ما تكون الخطوة الأولى في علاج الطفل المُصاب باضطراب التعلق التفاعلي هي ضمان منح الطفل بيئة مستقرة يستطيع من خلالها الحصول على المحبة والرعاية، قد يشمل العلاج الطفل وكذلك الوالد أو مُقدِّم الرعاية الأساسي، فيتم تثقيف مُقدِّم الرعاية ورفع وعيه حول اضطراب التعلق التفاعلي، وإعطاؤه معلومات حول كيفية بناء الثقة وتطوير علاقة صحية مع الطفل.

هناك عدّة طرق بعضها غاية في البساطة، يمكن من خلالها لمُقدِّمي الرعاية الأساسيين تقليل خطر إصابة الطفل باضطراب التعلق التفاعلي، منها توفير الاهتمام الإيجابي بالطفل، عن طريق اللعب مع طفلك، والقراءة له، واحتضانه، مما يساعد في تكوين علاقة محبة وبناء الثقة بينكما.

كذلك فإن الأنشطة اليومية البسيطة، مثل تغيير حفاضات طفلك وإطعامه، تُعَدُّ فرصا جيدة لتحقيق الترابط. إلى جانب ذلك، تزداد أهمية تثقيف نفسك بشأن اضطراب التعلق، خاصة إذا كنت تربي طفلا لديه تاريخ من الإهمال أو سوء المعاملة أو تغير مُقدِّمي الرعاية. ونظرا إلى أن الأطفال الذين يُعانون من اضطراب التعلق غالبا ما يواجهون صعوبات متعددة، فقد يُنصح بالعلاج الطبي لبعض الحالات المصاحبة.

غالبا ما يتطلب الأمر بعض الوقت لملاحظة التحسُّن. يحتاج الوالد للتعامل مع الطفل المصاب إلى تحديد حدود واضحة، والكثير من الصبر، ووضع توقعات واقعية. الطفل المُصاب باضطراب التعلق التفاعلي يريد السيطرة على بيئته، واتخاذ قراراته الخاصة والاعتماد على نفسه، لذلك يجب أن يكون القائم بالرعاية مُسيطرا أيضا، عن طريق توضيح حدود المسموح به وغير المسموح به. أيضا يجب الالتفات إلى أن تحذير هذا الطفل أمام الآخرين ليس إستراتيجية جيدة، فالمناقشة الفردية ستكون أكثر فائدة.

رعاية طفل مُصاب باضطراب التعلق التفاعلي مرهِقة. إذا كان طفلك يعاني من هذه المشكلة، سوف تبدئين بالشعور بالتعب الشديد إذا لم تحصلي على وقت راحة بانتظام، أيضا حاولي ممارسة مهارات إدارة الضغط النفسي، مثل اليوغا أو التأمل، التي قد تساعدك في الاسترخاء.

ثغرات في نظرية التعلق

بغض النظر عن اضطراب التعلق التفاعلي بوصفه حالة مرصودة، هناك بعض الانتقادات التي وُجِّهت إلى نظرية التعلق الخاصة بجون بولبي. افترضت النظرية أنه إذا نجح الرضيع في الارتباط بشكل فعّال بمُقدِّمي الرعاية الأساسيين، فسيكون قادرا على الحصول على علاقات آمنة ومستقرة عاطفيا إلى حدٍّ كبير طوال حياته. من جهة أخرى، إذا لم يكن قادرا على الاتصال أو الترابط جيدا، فإنه محكوم عليه بحياة غير مُستقرة وتشتد حاجته إلى العلاج لتجنُّب الآثار السلبية للاضطراب.

يرى البعض أن دليل بولبي على هذه النظرية ضعيف وشمل مزيجا من التحيزات الشخصية والثقافية المؤكدة، بما في ذلك طفولته الشخصية، التي انفصل خلالها عن والدته وتولَّت مربية رعايته، لكنها استقالت عندما كان في الرابعة من عمره فقط.

عن ذلك، يقول عالم النفس الدكتور جيروم كاغان، الأستاذ الفخري بجامعة هارفارد، وناقد رئيسي لنظرية التعلق: “الطبقة الاجتماعية والمزاج والثقافة هي تنبؤات أكثر دقة للنتائج المستقبلية، فالطبقة الاجتماعية التي ينشأ فيها الطفل هي اليوم عامل رئيسي لدى العديد من الدول لحدوث الاكتئاب والقلق والإدمان والجريمة، البيئة لها دور مهم أكثر من أي مجموعة جينات أو تجربة مرّ بها الطفل”. أثبتت الأبحاث أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية لها تأثير قوي على التنمية، وأن أقوى مؤشر على حدوث الاكتئاب أو قلق البالغين في العديد من الثقافات هو النشأة في طبقة اجتماعية محرومة.

يرى كاغان، الذي صنَّفته جمعية علم النفس الأميركية، بأنه عالم النفس البارز الثاني والعشرون في القرن العشرين، أنه في غضون 10-15 عاما ستكون نظرية التعلق مجرد تاريخ غير معمول به، يؤكد كاغان أن هذا سيحدث لأن مجال علم النفس يتجه إلى تصحيح أخطاء الماضي، وسيستغرق التخلص من النظرية هذا الوقت لأن التصحيح يحدث ببطء شديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *