منوعات

دراسة جديدة تكشف أسرار الدماغ في كيفية ترميز الذكريات

لم تكن الذكريات مجرد استرجاع لماض جميل أو مؤلم، بل كانت أيضا لغزا حير الفلاسفة والعلماء مند القدم. وما أن يتمكن العلم من حل لغز من ألغاز الذاكرة حتى ينتصب أماهم تحدي فك لغز جديد.

وآخر ألغاز الذاكرة التي استهدفها العلماء ببحوثهم هو معرفة “الشفيرة” التي يستخدمها الدماغ لترميز الذكريات العابرة، وجاءت نتائج دراسة جديدة لتقدم تفسيرا لما اختلفت حوله نظريتان سابقتان.

الذاكرة العاملة

على مدى عقود، حسب الجزيرة نت، تساءل العلماء كيف وأين يقوم الدماغ بترميز الذكريات العابرة؟ وتقترح إحدى النظريات أن الذاكرة العاملة تعتمد على “مخازن” خاصة في الدماغ، منفصلة عن المكان الذي يتعامل فيه الدماغ مع المعلومات الحسية الواردة من العين أو الأنف، وتشير نظرية أخرى معارضة إلى أنه لا توجد مثل هذه المخازن الخاصة أصلا، فما هو الجديد الذي جاءت به الدراسة الجديدة؟

وحسب نفس المصدر، تؤكد الدراسة الجديدة التي نُشرت في 7 أبريل/نيسان بدورية “نيورون” (Neuron)، أنه بدلا من عكس ما يحدث أثناء الإدراك أو الاعتماد على مخازن الذاكرة الخاصة، يبدو أن الذاكرة العاملة تعمل على جمع واستخراج المعلومات الحسية الأكثر صلة بالبيئة ثم تلخصها في رمز بسيط نسبيا.

والذاكرة العاملة نظام معرفي محدود الاستخدام والقدرة، وهو مسؤول عن تخزين المعلومات المتاحة للمعالجة بشكل مؤقت، التي تسمح للأشخاص بالاحتفاظ بالمعلومات ومعالجتها مؤقتا لفترات زمنية قصيرة، وتستخدم، على سبيل المثال، عندما تبحث عن رقم هاتف ثم تتذكر بإيجاز تسلسل الأرقام من أجل الاتصال، أو عندما تسأل صديقا عن الاتجاهات إلى مكان ما ثم تتبع المنعطفات للوصول إليه.

تعمل الذاكرة العاملة بشكل أساسي كجسر بين الإدراك (عندما نقرأ رقم الهاتف) والعمل (عندما نطلب هذا الرقم). وغالبا ما يستخدم مصطلح الذاكرة العاملة بشكل مشابه أو مُرادف للذاكرة قصيرة الأمد، ولكن العديد من المُنظِّرين يؤكدون وجود اختلاف كبير بينهما، فالذاكرة العاملة تسمح بمعالجة وتغيير المعلومات المُخزنة، في حين تشير الذاكرة قصيرة الأمد إلى تخزين المعلومات بشكل مؤقت فقط.

حل ألغاز الذاكرة العاملة

قال كبير مؤلفي الدراسة كلايتون كيرتس، أستاذ علم النفس والعلوم العصبية في جامعة نيويورك (New York University) في تقرير لموقع “لايف ساينس” (Live Science) في رسالة بالبريد الإلكتروني “كانت هناك أدلة لعقود على أن ما نخزنه (في الذاكرة العاملة) قد يكون مختلفا عما نتصوره”

ولحل ألغاز الذاكرة العاملة، استخدم كيرتس، ويونا كواك طالبة الدكتوراه بجامعة نيويورك، تقنية مسح للدماغ تسمى التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) وتقيس نشاط المخ برصد التغيرات المرتبطة بتدفق الدم إلى أجزاء مختلفة من الدماغ.

وتعتمد هذه التقنية على حقيقة أن تدفق الدم في المخ وتنشيط الخلايا العصبية مرتبطان، وعندما تكون منطقة في المخ قيد الاستخدام، يزداد أيضا تدفق الدم إلى تلك المنطقة، لذلك توفر هذه التقنية مقياسا غير مباشر لنشاط خلايا الدماغ.

استخدم الفريق هذه التقنية لمسح أدمغة 9 متطوعين أثناء قيامهم بمهمة تشغل ذاكرتهم العاملة. وفي إحدى التجارب، شاهد المشاركون دائرة مكونة من حواجز شبكية على شاشة لمدة 4 ثوان تقريبا؛ ثم اختفى الرسم، وبعد 12 ثانية، طُلب من المشاركين أن يتذكروا زاوية الشرط المائلة.

وفي تجارب أخرى، شاهد المشاركون سحابة من النقاط المتحركة التي تحولت جميعها في نفس الاتجاه، وطُلب منهم أن يتذكروا الزاوية الدقيقة لحركة السحابة النقطية.

وطُلب من المشاركين الانتباه فقط إلى اتجاه الخطوط المائلة أو زاوية حركة السحابة النقطية، لذلك افترض الباحثون أن نشاط أدمغتهم سوف يعكس فقط تلك السمات المحددة للرسومات، وهذا ما وجدوه بالفعل عندما حلل الفريق بيانات مسح الدماغ لاحقا.

خطوة أساسية إلى الأمام

استخدم الباحثون النمذجة الحاسوبية لتصور نشاط الدماغ المعقد، وإنشاء نوع من الخرائط الطبوغرافية التي تمثل النشاط في مجموعات مختلفة من خلايا الدماغ، مما ساعدهم على فهم كيفية ارتباط نشاط دماغ المشاركين بما لاحظوه على الشاشة أثناء مهمة الذاكرة.

ويكشف هذا التحليل أنه بدلا من تشفير جميع التفاصيل الدقيقة لكل رسم، قام الدماغ بتخزين المعلومات ذات الصلة اللازمة فقط للمهمة. وظهرت أنماط نشاط الدماغ التي تشبه الخطوط في القشرة البصرية، حيث يتلقى الدماغ المعلومات المرئية ويعالجها، والقشرة الجدارية هي منطقة رئيسية لمعالجة الذاكرة وتخزينها.

يقول ديريك ني، الأستاذ المساعد في علم النفس وعلم الأعصاب بجامعة ولاية فلوريدا (Florida State University) -لموقع “لايف ساينس” (Live Science) في رسالة بالبريد الإلكتروني- إن العمل الجديد يمثل “خطوة أساسية إلى الأمام” في دراسة الذاكرة العاملة. وأضاف “هذه الدراسة تقدم نظرة غير مسبوقة إلى هذه المنطقة الوسيطة الغامضة بين الإدراك والعمل”.

ويشار إلى أن أحد قيود الدراسة أن الفريق استخدم رسومات مبسطة للغاية، والتي لا تعكس بالضرورة التعقيد البصري للعالم الحقيقي. ويمتد هذا القيد إلى العديد من دراسات الذاكرة العاملة. وختم الأكاديمي تصريحه بقوله “سيحتاج المجال إلى التحرك نحو محفزات أكثر ثراء تتناسب بشكل أفضل مع خبراتنا البصرية الطبيعية لنقلنا من المختبر إلى المنفعة العملية”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *