اقتصاد

يهيمن أم ينكمش؟.. مستقبل الدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي يقسم الخبراء

لا يتعلق الأمر بعملة رسمية عادية لدولة مهما كانت قوية، بل يتعلق بعملة تمكنت وفق مسار متدرج من عملة رسمية عادية قبل نحو 235 عاماً عن إصدار المجلس القاري الأميركي في نيويورك الدولار ليكون عملة رسمية للولايات المتحدة، إلى الهيمنة على غالبية المعاملات التجارية وبما يتجاوز ما نسبته 83 في المئة في العالم.

لذلك فمقاربة الإجابة عن سؤال مستقبل العملة الخضراء، وفق التوصيف الاقتصادي الشائع، يتجاوز الاقتصاد الأمريكي إلى الاقتصاد العالمي، في ظل المخاوف التي تعززت بالغزو الروسي لأوكرانيا والحديث عن تشكل نظام عالمي جديد.

فما هي قصة العملة الخضراء؟ وماذا يقول الخبراء عن مستقبلها في ظل التطورات الأخيرة؟

كيف هيمن الدولار على الاقتصاد العالمي؟

على قدر صعوبة ظهور الدولار إلى العلن، حسب اندبندنت عربية، كانت رحلة صعوده على رأس النظام الاقتصادي العالمي على مدار العقود الأولى للقرن العشرين.

فبعد طباعة الدولار وتداوله، حسب نفس المصدر، لم تكن العملة مغطّاة بالذهب (ما يعني عدم قدرتك على استبدال العملة الورقية بالذهب متى أردت)، شهد الاقتصاد الأميركي موجة كبيرة من التضخم عام 1879، خسر خلالها الدولار جزءًا كبيراً من قيمته، ليأتي قرار في المقابل بتغطيته بالذهب مِمّا خفّض التضخّم وأنعش الاقتصاد.

خمسة عقود أخرى كانت فاصلة عن موجة كساد لم يشهدها الاقتصاد الأميركي من قبل، سُمّيت بـ”الكساد العظيم” عام 1929 واستمرت لسنوات، دفعت معها الرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت إلى إلغاء تغطية الدولار بالذهب عام 1933، قبل أن يعود عن قراره في العام اللاحق مع تعديل نسبي لسعر الدولار، واستمر الحال إلى أن قادت الولايات المتحدة الجهود الدولية لتوقيع اتفاقية “بريتون وودز” عام 1944 (عُقد المؤتمر في ولاية نيو هامبشير وحضرته 44 دولة من حول العالم، واستمر لأكثر من 22 يوماً)، وهي تلك المحطة الفاصلة في الاقتصاد الدولي والأميركي وإنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، إذ تمخّضت عنها نشأة المؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها “البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي”.

وفق الاقتصاديين والمعنيين، كانت تلك المحطة هي “البداية الفعلية لهيمنة الدولار عالمياً على مجمل الاقتصادات الدولية، وتحوّله من عملة محلية إلى عملة عالمية تربّعت على عرش المعاملات التجارية بين الدول في النظام العالمي الجديد ما بعد “بريتون وودز”، جاءت فيه الولايات المتحدة وعملتها الخضراء على رأسه”.

ووفق مخرجات “بريتون وودز”، نُظّمت التجارة العالمية الدولية واتّفق على تطبيق بعض الشروط والقيود عليها، كان أبرزها اعتماد الدولار الأميركي كمرجع رئيس لتحديد سعر عملات الدول الأخرى. وشُكّل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتطوير والتعمير، وعليه صارت الدول الـ44 تستند إلى الدولار الأميركي لتحديد قيمة عملاتها دولياً.

في هذه الأثناء أيضاً، كانت الولايات المتحدة تمتلك 75 في المئة من ذهب العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان الدولار العملة الوحيدة على مستوى العالم المغطّاة بالذهب (بقية الدول تخلّت عن تغطية عملاتها بالذهب بعد حصول تضخّمات في اقتصاداتها)، مِمّا دفع عدداً كبيراً من دول العالم إلى العمل على تكديس الدولارات الأميركية بهدف استبدالها بالذهب مستقبلاً كاحتياطي، وصارت بلدان عدّة تستخدم عملة الدولار كاحتياطي النقد الأجنبي، إذ وافقت الدول الأعضاء بين عامَيْ 1945 و1971 على المحافظة على أسعار صرف عملاتها مقابل الدولار في وقت كانت أوقية الذهب حينها تساوي 32 دولاراً.

ويُعرف هذا النظام بنظام “بريتون وودز” وقد استمر حتى عام 1971، عندما قرّرت الحكومة الأميركية وقف تحويل الدولار واحتياطيات الدول الأخرى من الدولار إلى ذهب. ومنذ ذلك الحين، ظلّت الدول الأعضاء في الصندوق حرة في اختيار أي نظام لتسعير عملتها مقابل العملات الأخرى، عدا اللجوء إلى الذهب. وبات الدولار الأميركي يستمدّ قوته من حجم الإقبال على شرائه لاستخدامه عملة احتياطية أو لتسديد ثمن تجارة، إذ إن أسعار بضائع عدّة يتاجر بها عالمياً، تُسعّر بالدولار. كما أنه وبسبب كبر حجم السوق الأميركية كشريك تجاري، تشتري دول كثيرة الدولار أو تحتفظ به لتسديد ديونها للولايات المتحدة كما أن دولاً عدّة تحتفظ به احتياطياً إضافياً إلى الذهب.

مستقبل الدولار بأعين الخبراء

تباينت وجهات نظر الخبراء والأكاديميين حول الحالة المستقبلية للدولار الأميركي، حسب الجزيرة نت، فبينما يقول البعض إنه سيضعف تدريجيا أو إن ضعفه سيتسارع يقول آخرون إنه سيظل قويا حتى إنه سيصبح العملة الدولية الوحيدة المستقرة المتداولة.

وحسب نفس المصدر، يقول الكاتب هي جان في مقال بموقع “مودرن ديبلوماسي” (Modern Diplomacy) إن العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا كان لها تأثير في النظم الاقتصادية والتجارية والمالية العالمية على نحو أثار مخاوف في السوق والأوساط الأكاديمية بخصوص تعديل النظام المالي العالمي، وأضاف أن أحد القضايا الرئيسة التي تخضع للمناقشة هي حالة الدولار الأميركي

وأشار إلى أن غيتا غوبيناث النائبة الأولى للمدير العام لصندوق النقد الدولي حذرت من أن هذه العقوبات قد تضعف تدريجيا دور الدولار الأميركي في العالم، وذلك سيؤدي إلى مزيد من تفتت النظام النقدي الدولي

وقال محللون مثل كريستينا تيساري، الخبيرة الاقتصادية في بنك “غولدمان ساكس”، إن تصرفات واشنطن وحلفائها لتجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي من النقد الأجنبي أثارت مخاوف من أن الدول قد تشرع في التخلص من الدولار بسبب المخاوف بشأن القوة التي يمكن أن تحشدها أميركا جراء هيمنة العملة.

وقال كينيث روغوف، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، في مقابلة مع بلومبيرغ، إن هيمنة الدولار قد تنتهي في غضون 20 عاما، والسبب هو أن “تسليح الدولار” سيحفز تسريع الحلول البديلة من قبل الدول الأخرى، مضيفا أن قوة العقوبات على روسيا قد تؤدي إلى تسريع التغييرات في النظام المالي الدولي للتنافس مع الدولار الأميركي

وقال روغوف إنه في حين أن هذا لن يحدث بالتأكيد بين عشية وضحاها، فإن ما كان يمكن أن يستغرق 50 عاما قد يستغرق الآن 20 عاما فقط لتحقيقه.

حصة الدولار في الأسواق

يبدو أن هذا السرد مدعوم بتغيرات البيانات في وضع الدولار في الأسواق العالمية. ووفقا لأحدث بيانات تكوين العملات لاحتياطيات النقد الأجنبي الرسمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي، بلغت احتياطيات العملات الأجنبية العالمية المقومة بالدولار الأميركي 7087 تريليون دولار أميركي في الربع الرابع من عام 2021، مع حصة سوقية بلغت 59.15% في الربع الثالث كانت قد انخفضت إلى 58.81%، وبلغت حصة الدولار من العملة الاحتياطية العالمية 72% في مطلع القرن

في المقابل، يرى الخبير تشان كونغ أن استمرار الوضع العالمي في اتجاه التنمية الحالي سيبرز الدولار الأميركي في العالم، وإذا لم تكن هناك تقلبات في أسعار الصرف ناتجة عن التضخم أو الطوارئ فسيكون الدولار الأميركي في وضع فريد عند مقارنته بالعملات الرئيسة في العالم

ويكمن الاختلاف بشكل أساسي في تنوع الآراء حول تأثير الحدث الجيوسياسي للحرب في أوكرانيا، إذ يعتقد البروفيسور روغوف أن الدولار قد انخفض من حيث حجم السوق، وأن بدائل جديدة للعملات ستظهر، وذلك يضعف مكانة الدولار

ومع ذلك، يعتقد تشان كونغ أن بدائل الدولار الأميركي لا يمكن أن تنجح لأن سوق هذه البدائل ضعيفة، واقتصادها الاجتماعي مضطرب، وبعضها لا يزال في مناطق الحروب. لهذه الأسباب، سيظل الدولار الأميركي قويا، حتى إنه سيصبح العملة الدولية الوحيدة المستقرة المتداولة. وبوجه عام، تضطلع العوامل الجيوسياسية بدور مهم في العملات العالمية، وسيدعمها الدولار.

رخاء أكبر

تشان كونغ أشار في مقال له بعنوان “الاستعداد لعصر النقص الاقتصادي” إلى أنه خلال فترة من عدم اليقين الاقتصادي قد تكون دول المحور الأنجلو-أميركي ملاذات أكثر أمانا في مواجهة الاضطرابات الجيوسياسية، ويعتقد أنه بمجرد حل الحرب الجيوسياسية في أوروبا ستظهر البلدان البحرية واقتصاد القارة الأميركية من جديد

ومن منظور النمط المكاني للعالم، تكون الصراعات والسباقات أكثر حدة في المنطقة القارية من العالم، أي المنطقة القارية حيث توجد أوروبا وروسيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى والصين والهند. وسيكون من الصعب إنشاء مناطق عازلة بينها، ومن ثم هناك تصادمات مباشرة مع بعضها

وفي المقابل يقع الموقع الجغرافي للمحور الأنجلو-أميركي وسط المحيط، وتربط طرق المحيط الأطلسي والمحيط الهادي القارة الأميركية بعدد كبير من البلدان الجزرية والمناطق ذات الأحجام المختلفة، وغالبا ما تكون هناك انقسامات محيطية بينها

وتاريخيا ونسبيا، توجد عداوات أقل حدّة بين هذه الأجزاء من العالم، وهي تعتمد على بعضها تجاريا. لذلك، ففي حين أن المناطق القارية تشهد اضطرابات عنيفة فإن لدى المحور الأنجلو-أميركي والدول البحرية والأميركيتين فرصًا أكثر بروزا للتنمية والتمتع برخاء أكبر من ذي قبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *