وجهة نظر

أسباب مناخية ووبائية وديموغرافية ساهمت في حماية المغاربة من عواقب كورونا

كوفيد -19 خلال عامين: أسباب مناخية ووبائية وديموغرافية ساهمت في حماية سكان المغرب وإفريقيا من العواقب المؤسفة لفيروس كورونا.. فهل سيقوم كل بلد بتكييف شروط السلامة والوقاية من وباء كورونا؟

مراد الرصفة *

مقدمة عن جائحة كوفيد -19

تسببت جائحة كوفيد -19 في ارتفاع عدد الوفيات في العديد من البلدان، بينما كان انتشاره أقل في بلدان أخرى في إفريقيا وآسيا. فهم الفيزيولوجيا المرضية لمرض كوفيد -19 جعل من الممكن تكييف العلاج الدوائي ضد المرض، باستخدام مضادات الالتهاب الستيرويدية والمضادات الحيوية ومضادات التخثر بشكل أساسي. أدى ظهور لقاحات فيروس كورونا في نهاية عام 2020 إلى تفادي آلاف الوفيات حول العالم، لكن اتضح أن بعض الدول عانت أكثر من غيرها من حيث حصيلة الوفيات والحالات الشديدة الناجمة عن فيروس كورونا. أظهرت العديد من الدراسات أن الوفيات الناجمة عن كوفيد 19 تكون أكثر ارتفاعا عند كبار السن و لدى الأشخاص الذين لديهم عوامل خطر مثل السمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية والفشل الكلوي المزمن والسكري وأمراض الأورام.

في هذا العمل البحثي، قمنا بالتحقيق في العلاقة المحتملة للظروف المناخية وعدد الوفيات الناجمة عن كوفيد19- من ناحية، ومن ناحية أخرى، بحثنا عن التأثير
المحتمل للظروف الوبائية والديموغرافية قبل اندلاع الجائحة على الوفيات الناجمة عن كوفيد19- في 39 دولة من أربع قارات (أمريكا وأوروبا وأفريقيا وآسيا).
قمنا بتحليل مؤشرات السرطان ومرض الزهايمر، وكذلك معدلات الولادة والوفاة والخصوبة والنسبة المئوية للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عامًا.
تم حساب عوامل الارتباط وعوامل التحديد، وكذلك التحليلات عن طريق الانحدار الخطي البسيط والانحدار متعدد الحدود.

نتائج الدراسة

في هذه الدراسة، تم تسجيل أعداد كبيرة من الوفيات المرتبطة بوباء كوفيد -19 في العديد من بلدان أوروبا وأمريكا مقارنة بالدول الأخرى في إفريقيا وآسيا بعد عامين من الجائحة (الإحصائيات حتى 22 مارس 2022).

كما هو موضح في الرسم البياني التالي، كانت الوفيات الناجمة عن كوفيد19 أعلى في كثير من الأحيان خلال العام الثاني مقارنة بالسنة الأولى للوباء في العديد من البلدان، على الرغم من تلقيح مستويات عالية من السكان. من المحتمل أن يكون هذا مرتبطًا بالفعالية المنخفضة لبعض اللقاحات وفقدان المناعة المكتسبة بعد التطعيم بمرور الوقت. كان التأثير الوقائي للقاحات محصوراً في بعض البلدان خلال السنة الثانية من انتشار الوباء، ولا سيما تلك الموجودة في أوروبا الغربية حيث كانت معدلات التطعيم فوق 50٪ في وقت ذروة منحنى الوفيات خلال الموجة الوبائية في أوروبا الغربية و المغرب (22 أغسطس 2021)، بينما حققت الدول الأخرى مستويات منخفضة جدًا من التطعيم، و كان المغرب قد بلغ 35،5٪ من السكان الملقحين.

كما هو مبين في الشكل التالي، باستثناء جنوب إفريقيا، سجلت بلدان أخرى في إفريقيا معدلات وفيات منخفضة جدًا مقارنة بالدول الأخرى في أوروبا وأمريكا.

يوضح الشكل التالي متوسط مؤشر الأشعة فوق البنفسجية ودرجة الحرارة السنوية في 39 دولة فيما يتعلق بخط العرض الجغرافي لكل بلد. تم الحصول على منحنيات شكل الجرس عند مقارنة خط العرض الجغرافي والمتوسط السنوي لمعايير مناخية، وهي درجة الحرارة ومؤشر الأشعة فوق البنفسجية لكل بلد.

سُجِّلت أعداد كبيرة من الوفيات في خطوط العرض الجغرافية الأعلى لنصفي الكرة الأرضية، بينما سُجِّلت درجات أقل من الوفيات في البلدان الواقعة حول خط الاستواء والبلدان ذات خطوط العرض المنخفضة. ولَّد التحليل بواسطة الانحدار متعدد الحدود منحنى شكل الجرس المقلوب عند مقارنة قيم خط العرض الجغرافي و أرقام الوفيات الناجمة عن فيروس كوفيد -19 ، حيث تقع معظم الوفيات على مستويات عالية من خطوط العرض (كما هو الحال في أوروبا). وبواسطة الانحدار الخطي البسيط سُجِّل ارتباطًا مهمًا بين أرقام الوفيات الناجمة عن فيروس كوفيد -19 ودرجة الحرارة السنوية لكل بلد.

عند رسم قيم نسبة المواليد والوفيات مقارنة بقيم خطوط العرض الجغرافية ولَّد التحليل بواسطة الانحدار متعدد الحدود منحنى على شكل جرس، حيث تقع القيم الأدنى لنسبة المواليد والوفيات باتجاه أعلى خطوط العرض (كما هو الحال في أوروبا). يُظهر تحليل الانحدار الخطي البسيط وجود علاقة قوية للغاية بين نسبة المواليد مقابل الوفيات وعدد الوفيات ا الناجمة عن كوفيد19

عند رسم قيم خط العرض الجغرافي مقارنة بدرجات السرطان ومرض الزهايمر، ولَّد التحليل بواسطة الانحدار متعدد الحدود منحنى شكل الجرس المقلوب حيث تقع معظم حالات السرطان ومرض الزهايمر باتجاه أعلى مستويات قيم خطوط العرض (كما هو الحال في أوروبا).

مقارنة بدرجات السرطان ومرض الزهايمر، ولَّد التحليل عن طريق الانحدار الخطي البسيط ارتباطًا مهمًا بين أرقام الوفيات الناجمة عن فيروس كوفيد -19 ودرجة السرطان ومرض الزهايمر لكل بلد.

عند رسم قيم خط العرض الجغرافي والعمر المتقدم ولَّد التحليل بواسطة الانحدار متعدد الحدود منحنى شكل الجرس المقلوب حيث تقع المستويات العالية للنسب المئوية لكبار السن عند المستويات العالية من خطوط العرض. وولَّد التحليل عن طريق الانحدار الخطي البسيط ارتباطًا مهمًا بين أرقام الوفيات الناجمة عن فيروس كوفيد -19 ونسبة العمر المتقدم في كل بلد.

تثبت نتائج الدراسة الحالية أن العوامل المناخية المرتبطة بكل خط عرض جغرافي قد يكون لها نوع من التأثير على انتشار فيروس كورونا وانتشار كوفيد -19 ، من خلال آلية غير معروفة حتى الآن. كما أظهرت دراسات حديثة أخرى أن درجات الحرارة المنخفضة مرتبطة بمزيد من حالات الإصابة بفيروس كورونا. تظهر نتائجنا، جنبًا إلى جنب مع النتائج الأخرى التي نشرتها مجموعات أخرى، أن درجة الحرارة والأشعة فوق البنفسجية يمكن أن تسهم في انخفاض حالات كوفيد -19 والوفيات.

تدعم بياناتنا الفرضية بأن البلدان التي تقع بالقرب من خط الاستواء ولديها متوسط ​​درجات حرارة سنوي مرتفع ومتوسط ​​مرتفع لساعات سطوع الشمس السنوي ومتوسط ​​مرتفع لمؤشر الأشعة فوق البنفسجية قد تكون محمية من فيروس كورونا SARS-CoV-2 ومرض كوفيد -19 المرتبط به.

من ناحية أخرى، يبدو أن البلدان المذكورة أعلاه والأقرب إلى خط الاستواء أنها كانت أقل تأثراً بوباء كوفيد -19 ، ربما علاقة بدرجاتها المنخفضة من السرطان ومرض الزهايمر ، وانخفاض النسب المئوية للأشخاص المتقدمين في السن. أثبتت نتائج هذه الدراسة أن المستويات المنخفضة من درجات الحرارة ومؤشر الأشعة فوق البنفسجية، فضلاً عن الظروف الوبائية والديموغرافية السلبية قد تفسر ارتفاع عدد الوفيات بسبب كوفيد19في الدول الأوروبية على وجه الخصوص وفي أمريكا.

استنتاجات الدراسة

يبدو أن المغرب وشمال إفريقيا يكونان منطقة انتقالية للظروف المناخية المذكورة أعلاه، مع ظروف وبائية وديموغرافية مواتية مقارنة بأوروبا على وجه الخصوص، وهو ما من شأنه أن يفسر انخفاض معدل الإصابة بفيروس كورونا والوفيات الناجمة عن هذا المرض في المغرب وفي معظم البلدان الأفريقية، مثل بلدان وسط أفريقيا على وجه الخصوص. هذه البلدان لها خصائص وبائية (انخفاض معدل الإصابة بالسرطان ومرض الزهايمر) وخصائص ديموغرافية (معظمها من الشباب) تختلف تمامًا عن تلك الموجودة في البلدان الواقعة في شمال نصف الكرة الشمالي، حيث تكون المؤشرات الوبائية والديموغرافية سلبية للغاية. يمكن أن تستمر الخصائص المناخية والوبائية والديموغرافية والعادات الغذائية في حماية السكان في إفريقيا كما كان الحال خلال العامين الماضيين من الجائحة في العالم.

لهذا، يعتقد كاتب هذا المقال أن المغرب والدول الإفريقية بشكل عام لا ينبغي أن يبالغوا في القلق بشأن احتمال عودة موجات جديدة من فيروس كورونا، وأن التدابير الأمنية يجب أن تتكيف مع الخصائص المناخية والوبائية والديموغرافية وغيرها من خصوصيات سكان كل بلد، وعلى وجه الخصوص، النظام الغذائي وتأثيره على تكوين الجراثيم المعوية، وهو “عضو” رئيسي في المناعة العامة للفرد، والذي يكون العامل الرئيسي الذي يكون وراء الاختلافات بين السكان في جميع أنحاء العالم.

لذلك، في غضون عامين من الوباء، تمكنت العلوم الطبية من فهم الفيزيولوجيا المرضية لمرض كوفيد 19 بشكل كافٍ واستخدام الأدوية المناسبة في علاج المرضى وخاصة الحالات الشديدة. تمكنت اللقاحات من إنقاذ الأرواح، ومع ذلك، فشلت بعض البلدان في مواجهة الوباء حتى مع التطعيم، لأسباب لم يتم تحديدها بعد. ما هو واضح هو أنه بصرف النظر عن العلاجات الدوائية المتاحة، فإن الاختلاف في الخصائص الوبائية والديموغرافية بين السكان وكذلك الظروف المناخية لكل بلد كان لها بالتأكيد تأثير على درجة المقاومة ضد الوباء.

* مراد الرصفة، أستاذ التعليم العالي في علم الأدوية / قسم الصيدلة، مختبر الوبائيات والبحوث في العلوم الصحية، كلية الطب والصيدلة وطب الأسنان، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *