منوعات

ليست مزحة .. جائزة نوبل للحماقة لبحث علمي حول فيزياء توزيع الكريمة في بسكويت أوريو

إذا كنت من الذين لا يعلمون بوجود جائزة نوبل للحماقة، فبالتأكيد سوف تعتقد أن العنوان نوع من الدعابة أو التلاعب بالألفاظ. لكن الأمر ليس كذلك. وإذا كنت تعتقد أن بحثا علميا حول توزيع الكريمة في بسكويت أوريو لا يستحق جائزة، فأنت بالتأكيد لم تنتبه إلى أن الجائزة هي للحماقة العلمية. وربما تسأل بعد ذلك: كيف تستحق الحماقة جوائز؟ وكيف تكون الحماقة علمية؟ وما علاقة كل هذا بجائزة نوبل الشهيرة التي تمنح لكبار العلماء؟

في هذا المقال سنعرفك بإحدى أغرب الجوائز في المجال العلمي، كما سنعرفك بالدراسة التي استحقت تلك الجائزة وأعلن عنها في مطلع هذا الشهر.

جائزة نوبل للحماقة العلمية

“جائزة إيغ نوبل”  (Ig Nobel Prize) أو جائزة نوبل للجهلاء أو جائزة نوبل للحماقة أو جائزة نوبل للحماقة العلمية، هي كلها أسماء جائزة تمنح كل عام في أجواء مضحكة وكوميدية للأبحاث العلمية اعتماداً على معيار أنها “تجعل الناس يضحكون ثم تجعلهم يفكرون”، حسب ويكيبيديا. وفي العادة يتم تصنيف الأبحاث الفائزة بأنها عديمة الجدوى وسخيفة وغير محتملة، إلا أنه في بعض الأحيان ينتج عن الأبحاث الفائزة علم نافع.

تغطي الجوائز عشرة مجالات مختلفة، حسب نفس المصدر، ويتم منحها للفائزين في مراسم احتفالية شبيهة بجائزة نوبل الأصلية، في قاعة احتفال مهيبة بمسرح “هارفرد ساندرس” بجامعة هارفرد الأمريكية، ويشهد هذا الاحتفال العجيب حوالي 1200 مدعو، كما تتم إذاعته على الهواء مباشرة على الإنترنت، بالإضافة لوسائل البث الاعتيادية كالإذاعة والتلفزة، ويرأس لجنة الجوائز الدولية البروفسور أبراهامز، عالم الرياضيّات السابق وعالم الكومبيوتر و رئيس تحرير مجلة سجلات الأبحاث المستبعدة (غير المحتملة) التي تمنح الجوائز كل عام في نفس توقيت جائزة نوبل العالمية الأصلية، وتصدر عن جامعة كامبردج البريطانية.

يتراوح ترتيب البحوث الفائزة بالجوائز، حسب المصدر ذاته، من الأسوأ إلى الأكثر سوءاً. وتقدم الجوائز للأبحاث الفاشلة الخالية من الهدف الواضح وعديمة المعنى والمفهوم، في معظم المجالات التي تغطيها جوائز نوبل الأصلية كالجوائز العلمية التي تشمل علوم الأحياء والاتصالات والطب، كما تقدم جوائز في الأدب والاقتصاد والسلام.

وفي عام 2010، أصبح أندريه غييم أول شخص يفوز بكل من جائزة نوبل الأصلية وجائزة إيج نوبل.

أمثلة للجائزة

+ في علم الأحياء:

ذهبت الجائزة الأولى لبحث يدرس تأثير طعم العلكة على أمواج المخ، وذهبت جائزة أخرى إلى عالمتين من النرويج لدراسة قدموها عن تأثير الثّوم والبيرة والقشدة الحامضة على شهية الديدان الطّفيلية.

+ في الطب:

ذهبت الجائزة الأولى لبحث يدرس تأثير صوت المصعد على الجهاز المناعي للإنسان.

+ في علم الأرصاد الجوية:

منحت الجائزة الأولى لبحث يدعو لاعتماد صوت الدجاج كمقياس لسرعة الإعصار.

+ في الأدب:

ذهبت إحدى الجوائز في الأدب إلى المحررين بمجلة “النص الاجتماعي” لموافقتهم على نشر بحث بلا معنى، ولم يفهمه أحد، والذي ادعى مؤلفه أن الواقع ليس موجودًا. وظهر عنوان البحث بالشكل التالي: (الورق كان ينتهك الحدود: نحو تحول هيرمينيتاكيسي لخطورة الكم).

دراسة فيزياء توزيع الكريمة في بسكويت أوريو

بعدما تعرفنا على جائزة نوبل للحماقة العلمية، دعونا الآن نتعرف على أحد البحوث التي حصلت على الجائزة مؤخرا، والتي تتعلق بدراسة فيزياء توزيع الكريمة في بسكويت أوريو.

قد تكون لاحظت من قبل أن الحشو بين رقيقتي بيسكويت أوريو (أو غيره) لا يتم بالتساوي بينهما، لكنك بالتأكيد لم تطرح السؤال: لماذا؟

لكن تلك الملاحظة، حسب الجزيرة نت، حيرت العلماء لفترة طويلة، وجاءت الدراسة الجديدة لتقدم اختراقا علميا للإجابة عن سؤال: هل يمكن تقسيم حشوة بسكويت أوريو بالتساوي بين الرقائق؟

ووفقا لما جاء في بحث مبهج للغاية نُشر في العدد الأخير (عدد أبريل/ نيسان 2022) من دورية “فيزكس أوف فلويدس” (Physics of Fluids)، حسب الجزيرة نت، كشفت التجارب العلمية أنه حتى في ظل الظروف المعملية المُحكمة بدقة، فمن المستحيل عمليا الحصول على كميات متساوية من الكريمة على شطري البسكويت الشهير، وهي نتيجة “تؤكد أن الجانب الثقيل من الكريمة موجه بشكل موحد في معظم بسكويت أوريو.

كشف سر بسكويت “أوريو

يعتبر بسكويت “أوريو” (Oreo) من أشهر أنواع البسكويت في العالم، وهو علامة تجارية لبسكويت تنتجه شركة “نابسكو” الأميركية، ويتكون من كريمة بيضاء تقع بين قطعتي بسكويت شوكولاتة (به نسبة 7% من مسحوق الكاكاو) وفي الثقافة الشعبية الأميركية، كلمة “أوريو” كانت تعني أن هذا الشخص أسود لكن داخله أبيض.

حاولت كريستال أوينز، طالبة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (Massachusetts Institute of Technology)، الحصول على نسبة كريمة متساوية في شطيرتي الأوريو، وأتيحت لها الفرصة لقيادة الباحثين في اختبار احتمالية تحقيق هذه النتيجة باستخدام مقياس الانحدار، وهو أداة تقيس عزم الدوران ولزوجة المواد المختلفة.

قالت أوينز في تقرير لموقع فايس Vice “كنت مدفوعة بشكل شخصي برغبة في حل تحد كان يحيرني عندما كنت طفلة كيف أفتح أوريو وأحصل على كريمة مرتبة بالتساوي على كلا الشطيرتين؟”.

وأضافت “لقد فضلت طعم الكريمة مع رقائق بسكويت أوريو، ولكن إذا حصلت على قضمة من الرقائق، أجد أنها جافة جدا بالنسبة لي، وإذا غمرتها في الحليب، فسوف تنهار الرقاقة بسرعة كبيرة”.

وتابعت”عندما جئت إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تعلمت كيفية استخدام مقياس “الريومتر” (Rheometer) في المختبر، والذي يلف عينة سائلة بين أقراص متوازية لقياس اللزوجة.. لقد استخدمت مقياس “الريومتر” الخاص بنا في الأصل لاختبار حبر من الأنابيب النانوية الكربونية كنت أصممه لطباعة ثلاثية الأبعاد للإلكترونيات المرنة، ولكن ذات يوم أدركت أنه أخيرا لدي الأدوات والمعرفة لحل هذا التحدي القديم باستخدام بسكويت أوريو”.

جهاز “أوريومتر

وفقا للدراسة، اتبعت أوينز وزملاؤها مقاربة منهجية لهذا السؤال المهم، واخترعت جهاز “أوريومتر” “Oreometer”، وهو جهاز مطبوع بطابعة ثلاثية الأبعاد، ومصمم لدراسة بسكويت أوريو، والأجسام الدائرية ذات الأبعاد المماثلة”.

فحص الفريق نسبة الكريمة على كل شطيرة بصريا وقام الباحثون بتسجيل النتائج. تم أيضا إدخال عدد من التباينات في التجربة، مثل غمس البسكويت في الحليب، وتغيير معدل دوران مقياس الانسياب، واختبار نكهات أوريو المختلفة وكميات التعبئة. لكن رغم بذل قصارى جهدهم، لم يتمكن الباحثون من إيجاد حل للمشكلة التي أزعجت أوينز لعقود.

قالت أوينز “لقد أثبتت النتائج صحة ما رأيته كطفلة – يميل الكريم إلى التفكك والالتصاق بشطيرة واحدة، مما ينتج عنه شطيرة واحدة شبه عارية وواحدة تحتوي على معظم الكريمة تقريبا.

في حالة انقسام الكريمة على كلتا الرقاقتين، فإنه يميل إلى الانقسام إلى نصفين بحيث تشكل “نصف قمر” من الكريمة بدلا من طبقة رقيقة على كل منهما، لذلك ليس هناك سر للحصول على كريمة بالتساوي في كلتا الشطيرتين إن أردت شقهما”.

وتابعت “كان هذا مفاجئا بالنسبة لي لأنني كنت أتخيل أنه إذا قسمت أوريو، فستحصل على الكريمة مقسمة بشكل مثالي، لكن هذه ليست الطريقة التي تعمل بها الفيزياء”.

مصطلح علمي جديد

من ناحية أخرى، أكدت أبحاث الفريق الطبيعة المراوغة لأوريو، وتمتلئ الدراسة الجديدة بالكشف عن هذه الوجبة الخفيفة وخصائصها المثيرة للاهتمام.

وذكرت أوينز وزملاؤها، ولأول مرة، أن الأوريو ينتمي إلى ما يسمى بنظام النسيج “الطري”. كما كشف الباحثون أن هذه الدراسة تؤصل لمصطلح جديد وهو “أوريولوجي” (Oreology) ويعرف بأنه “دراسة تدفق وكسر كعكة الساندويتش”.

قدمت هذه النتائج سلسلة أخرى من التحديات لوجهة نظر أوينز للعالم فيما يتعلق بسكويت أوريو، واستنتج الباحثون أيضا “تدهور قوة رقاقة بسكويت أوريو الشوكولاتة بمرور الوقت بعد غمسه في الحليب”، وأنه يعاني من “خسارة هيكلية كبيرة” في غضون دقيقة واحدة من التعرض للحليب.

جائزة نوبل للحماقة العلمية

والآن لنعد إلى جائزة نوبل للحماقة، لتأكيد أن دراسة فيزياء البسكويت ليست جديدة، ففي عام 1999 حصل الدكتور لين فيشر على جائزة “إيغ نوبل” (Ig Nobel Prize) في الفيزياء بسبب أبحاثه الرائدة حول الوقت المطلوب لغمس قطعة البسكويت في الشاي، وبالطبع هذه الدراسة تؤرخ لمرحلة مهمة في هذا المجال.

وبقدر ما كانت الدراسة الجديدة مفيدة لدراسات البسكويت، فلا يزال هناك العديد من الألغاز حول هذه الحلوى اللذيذة التي تتطلب تفسيرا.

وتأمل أوينز أن عملها يجعل الناس يفكرون في المفاهيم العلمية التي تقوم عليها وجباتهم اليومية الخفيفة.

وقالت “بهذا الاسم المناسب للعلم الشبيه بعلم الأورام، آمل أن تجعل دراستنا المزيد من الأشخاص على دراية بمجال بحث علم الأوريولوجي”.

واختتمت قائلة “هناك العديد من الأسئلة التي لم نتمكن من الإجابة عنها بشكل كامل في دراستنا الأولى، ولذا نرحب بالأشخاص الآخرين للمساهمة بأفكارهم وتجاربهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *