أخبار الساعة

لماذا تتساهل الكازينوهات مع غسيل الأموال “القذرة”؟


تحتاج المنظمات الإجرامية إلى القيام بعمليات غسيل أموالها غير الشرعية الناتجة عن الكسب غير القانوني، بغية إخفاء مصدر الدخل وتغيير شكله وإضفاء الشرعية على الأموال المتحصلة منه.

ويعتبر مصدر الأموال غير القانوني (مثل المخدرات والاتجار في البشر، والرشوة، …) العامل الأساسي في تصنيفها قذرة، لذلك يعمل مجرمو غسيل الأموال على إضفاء الشرعية على مصدرها (غسلها).

ولتفادي انكشاف أمرهم، والوقوع بين يدي العدالة، يلجأ مجرمو غسيل الأموال إلى تبييضها عبر عدة وسائل لا تطرح فيها مسألة مصدرها، مثل شراء العقارات، والتحويل إلى عملات أخرى من مكاتب الصرف، والتهريب إلى الخارج، والاستثمارات غير المراقبة بشكل دقيق.

وحسب ويكيبيديا أظهرت المناقشات التي عرفها مؤتمر دولي لمناقشة ظاهرة غسل الأموال المنعقد في البحرين أن حجم تجارة غسل الأموال يتراوح حالياً وفقاً لإحصائيات صندوق النقد الدولي ما بين 950 مليار دولار و1500 مليار دولار.

وتعتبر الكازينوهات ملاذا آمنا لمجرمي تبييض الأموال، وتزخر المصادر الإعلامية بأخبار تورطها في عمليات غسيل الأموال عبر العالم.

وحسب قناة يورونيوز، غالبا تفضل الكازينوهات “غض الطرف” عن مصادر أموال الزبائن، وفق تصريحات أدلت بها “مايرا مارتيني”، مديرة شؤون مكافحة غسل الأموال في منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية.

ويعرف مكتب الأمم المتحدة الإقليمي المعني بالمخدرات والجريمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، غسيل الأموال “تجهيز العائدات الإجرامية لإخفاء مصدرها غير المشروع. وهذه العملية ذات أهمية خاصة لأنها تمكن المجرم من التمتع بهذه الأرباح دون تعريض مصدرها للخطر”.
فكيف تتم عملية غسيل الأموال في الكازينوهات؟

لا تسأل عن مصدر الأموال

حسب نفس القناة، يمكن أن يصل زبون إلى كازينو وبحوزته أموال “قذرة”، أي ناجمة عن أنشطة مخالفة للقانون على غرار الاتجار بالمخدرات أو بالبشر، ولن يطرح عليه أحد في المؤسسة أي أسئلة.

واعتبارا من اللحظة التي يبدأ فيها الزبون الاشتراك في الألعاب والربح، تصبح الأموال مغسولة لأنه يمكنه بالتالي أن يعلن رسميا ما هو مصدرها، إذ يصبح لها مصدر محدد.

على سبيل المثال، لنعتبر أن هناك موظفا يجني ألف يورو شهريا. لن يكون بإمكانه تبرير شراء منزل يبلغ ثمنه مليون يورو، وإلا سيشتبه بأنه تلقى رشوة. لكن إذا أشار إلى أنه كسب هذه الأموال في كازينو، فيمكنه عندئذ أن ينفق هذه الأموال من دون أي مشكلة.

هل تتماشى الكازينوهات مع اقتصاد الظل؟

في كثير من بلدان الاتحاد الأوروبي، حسب المصدر السابق، تخضع الكازينوهات إلى أنظمة صارمة لمكافحة غسل الأموال. لكن أحيانا تُطرح تساؤلات حول مدى التزام هذه الأنظمة لأن هذا الأمر لا يصب بالضرورة في صالحها: فهو قد يخيف الزبائن، مثل أولئك الذين، وإن لم يكونوا مخالفين للقانون، لا يرغبون بالكشف عن مصدر المبالغ التي يريدون إنفاقها على اللعب.

لذا، فإن لم تكن هناك دولة تسهر على تطبيق هذه الأنظمة، يمكن إقامة رابط بين اقتصاد الظل والكازينوهات. لأن الكازينوهات على استعداد في أغلب الأحيان أن تغض الطرف وعدم إجراء تدقيق معمّق في ماضي زبائنها. عادة ما يكون هناك رابط بين الأنشطة المخالفة للقانون والكازينوهات.

على سبيل المثال، تعتبر قبرص بلدا يجذب الفاسدين لأن ثقافة السرية لا تزال قائمة فيها. وهناك أيضا واقع القوانين: هل تطبق؟ هل تتخذ الدولة تدابير في حال الشك أو تفرض عقوبات على الأشخاص المعنيين؟

إلى الآن لم نشهد في قبرص تصديا (حكوميا) حازما لغسل الأموال. بالتأكيد تشهد الأمور تحسنا لكن قبرص متأخرة جدا على صعيد تطبيق القوانين الأوروبية الجديدة لمكافحة غسل الأموال.

ما هي المخاطر المتصلة بغسل الأموال؟

يسهّل غسل الأموال قيام الفساد. لأنه إذا كان من السهل غسل الأموال، يكون الفساد أكثر إغراء للأفراد، لأن هؤلاء سيدركون أن هناك آليات لاستخدام أموال الرشاوى من دون أي باعث للقلق.

يجذب غسل الأموال أيضا الأشخاص الذين يتمتعون عادة بـ “سمعة سيئة” في البلاد على غرار المجرمين. وهو يسهّل أيضا دخول أشخاص مدرجين في قائمة العقوبات الأوروبية ويسعون لإخفاء مصادر أموالهم، وهو ما يمكن أن نلاحظه حاليا مع الحرب الدائرة في أوكرانيا التي تتعرض منذ الـ24 شباط/فبراير لغزو روسي.

وغسل الأموال هو أيضا وسيلة لتجنّب دفع الضرائب وهو يفوّت على الدول مداخيل كبرى.

مراحل غسل الأموال

حدد مكتب الأمم المتحدة الإقليمي المعني بالمخدرات والجريمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ثلاثة مراحل في عمليات غسل الأموال، هي: الإيداع، والتمويه، والإدماج.

وفصلت ويكيبديا هذه المراحل الثلاثة كما يلي:

+ مرحلة الإيداع

هي مرحلةُ توظيف أو إحلال، بحيث يتم التخلصُ من كمية كبيرة من النقود غير الشرعية (الأموال القذرة) بأساليبَ مختلفةٍ إما بإيداعها في أحد المصارف أو المؤسسات المالية أو عن طريق تحويل هذه النقود إلى عملات أجنبية، أو عن طريق شراء سيارات فارهة ويخوت وعقارات مرتفعةِ الثمن يسهل بيعها والتصرف فيها بعد ذلك.

وتعد مرحلةُ الإيداع هذه أصعبَ مرحلة بالنسبة إلى القائمين بعملية غسل الأموال؛ حيث إنها مازالت عرضةً لاكتشافها، – خاصة أنها تتضمن في العادة كمياتٍ كبيرةً جداً من الأموال السائلة،- حيث إن التعرف على من قام بعملية الإيداع لهذه الأموال ليس بالأمر العسير ومن ثم علاقته بمصدر هذه الأموال.

+ مرحلة التمويه

هي مرحلة التجميع أو التعتيم حيث تبدأ بعد دخول الأموال في قنوات النظام المصرفي الشرعى، ويقوم غاسل الأموال باتخاذ الخطوة التالية والتي تتمثل في الفصل أو التفريق بين الأموال المراد غسلها عن مصدرها غير الشرعى عن طريق مجموعة معقدة من العمليات المصرفية والتي تتخذ نمط العمليات المصرفية المشروعة، والهدف من هذه المراحل جعل تتبع مصدر تلك الأموال غير المشروعة أمراً صعباً.

وتتلخص أهم تلك الوسائل في تكرار عملية تحويل تلك الأموال من بنك إلى آخر، والتحويل الإلكتروني للأموال، ويزيد من حالة التعقيد في تتبع تلك الأموال تحويلها إلى مصارف تتبنى قواعد صارمة من سرية الإيداعات في بلاد أخرى، وهي ما يطلق عليها بالملاذات المصرفية الآمنة، وتتسم هذه الملاذات بتساهل قوانينها، وجودة وسائل النقل من طائرات وسفن وسهولة تأسيس الشركات.

+ مرحلة الإدماج

تعتبر هذه المرحلة هي الختامية في غسل الأموال ويترتب عليها إضفاء طابع الشرعية على الأموال، لذلك يطلق عليها “مرحلة التجفيف” ومن خلال هذه المرحلة يتم دمج الأموال المغسولة في الدورة الأقتصادية والنظام المصرفى، لكى تبدو وكأنها عوائد أو مكتسبات طبيعية لصفقات تجارية، مثل الشركات الوهمية والقروض المصطنعة، وتواطؤ البنوك الأجنبية، وكذلك الفواتير الوهمية في مجال الاستيراد والتصدير. وعند الوصول لهذه المرحلة يكون من الصعب جداً التميز بين تلك الأموال غير المشروعة والأموال المشروعة إلا من خلال أعمال البحث السري وزرع المخبريين بين عصابات غسل الأموال.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *