أخبار الساعة، منوعات

في اكتشاف جديد .. الذكاء الاصطناعي يتفوق عل البشر في توزيع الثروة

كان في الاستعمار أعذار قوم .. فأصبحوا لا عذر لهم بعد الجلاء. تكييف هذا البيت الشعري البليغ سيكون عنوان التحدي الجديد الذي يرفعه الذكاء الاصطناعي أمام الأنظمة السياسية، التي تتعذر بالتعقيدات التي تطرحها مختلف العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في وجه إنشاء عدالة اجتماعية حقيقية.

والاكتشاف الجديد، الذي أظهر فيه الذكاء الاصطناعي تفوقه على البشر في توزيع الثروة، لا شك سيسقط الأقنعة في المستقبل عن السياسيين في مواجهة انتظارات مجتمعاتهم. فهل ستستمر أعذار السياسيين في تبرير سوء توزيع الثروة بعد إثبات الذكاء الصناعي تفوقه على البشر في هذا المجال؟

فما قصة دخول الذكاء الاصطناعي مجال توزيع الثروة؟ وكيف يمكنه القيام بذلك ويتفوق فيه على البشر؟ وما هي التحديات التي تواجهه؟

“هذه ليست مهمة سهلة”

توصلت دراسة جديدة، حسب قناة الحرة، إلى أن الذكاء الاصطناعي “يمكن أن يبتكر طرقا لتوزيع الثروة بشكل أفضل من أنظمة صممها بشر”.

وأظهرت نتائج الدراسة المنشورة في موقع “سينس أليرت”، والتي توصل إليها باحثون في شركة “ديب مايند” DeepMind للذكاء الاصطناعي ومقرها المملكة المتحدة، أن أنظمة التعلم الآلي “جيدة في حل مشاكل الفيزياء والبيولوجيا المعقدة، وقد تساعد أيضا في تحقيق أهداف اجتماعية، والوصول إلى مجتمع عادل ومزدهر”.

وفي مقابل ذلك، حسب نفس المصدر، يشير الباحثون إلى أن “هذه ليست مهمة سهلة”. ويقولون إن “بناء آلة يمكنها تقديم نتائج مفيدة يريدها البشر بالفعل هو أمر معقد، بسبب حقيقة أن الناس غالبا ما يختلفون حول أفضل طريقة لحل القضايا، وخاصة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية”.

ويوضح الباحثون في ورقة بحثية جديدة، بقيادة رافائيل كوستر، المؤلف الأول وعالم الأبحاث في ديب مايند، أن “إحدى العقبات الرئيسية أمام تحقيق التوافق بين البشر والآلة، هي تعدد وجهات النظر بالمجتمع البشري، بما لا يتوافق مع تفضيلات الذكاء الاصطناعي”.

وتشير الدراسة إلى أنه “على سبيل المثال، غالبا ما يكون علماء السياسة والاقتصاد على خلاف حول الآليات التي ستجعل مجتمعاتنا تعمل بشكل أكثر عدالة أو كفاءة”.

وللمساعدة في “سد الفجوة” بين البشر والآلة، طور الباحثون “نظاما لتوزيع الثروة، يحتوي على تفاعلات أشخاص (حقيقية وافتراضية)، وتم تضمين بيانات التفاعلات في النظام، للمساعدة في توجيه الذكاء الاصطناعي نحو النتائج المفضلة للإنسان أو (الأكثر عدلا افتراضيا بشكل عام)”، وهو ما “يمكن الذكاء الاصطناعي من تحقيق نتائج مذهلة”.

وشارك في هذه التجارب آلاف الأشخاص، وكانت عبارة عن “تمرين استثماري، ويسمى لعبة السلع العامة، حيث يتلقى اللاعبون مبالغ متفاوتة من المال، ويمكنهم المساهمة بأموالهم في صندوق عام، ثم الحصول على عائد من الصندوق يتوافق مع مستوى استثمارهم”.

وتمت إعادة توزيع الثروة على اللاعبين عبر “نماذج مختلفة من المساواة”، وأظهرت التجارب أن نظام دفع الأموال في اللعبة كان أفضل من “معايير إعادة التوزيع التقليدية”.

ويوضح الباحثون: “اكتشف الذكاء الاصطناعي آلية تصحح عدم التوازن الأولي للثروة، وتفرض عقوبات على الأشخاص الذين يحصلون على شيء دون جهد أو تكلفة (مثل شخص غير نقابي ويتمتع بمزايا نقابية)”.

ويلفت الباحثون إلى أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في إعداد السياسة العامة والأحكام القانونية ومكافحة عدم المساواة أو “التحيزات” في المجتمع، بالإضافة إلى ذلك فإن الدراسة تعتبر “أداة يمكن أن تساعد البشر على تصميم حلول أفضل”.

حجم عدم المساواة في العالم

حسب موقع الأمم المتحدة، بالمقارنة مع 30 سنة مضت، ازداد التفاوت في الدخل في عدد ملفت للنظر من البلدان وهو الآن في أعلى مستوياته في معظم البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وعلاوة على ذلك، انضاف إلى عدم المساواة في الدخل عدم المساواة في الثروة، ولا سيما في البلدان التي بها مستويات عالية سلفا من عدم المساواة مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وشهدت بلدان أخرى كانت تقليديا أكثر مساواة، مثل ألمانيا والدانمرك والسويد، بدورها اتساع الفجوات بين الأغنياء والفقراء.

وما فتئ الخبراء الاقتصاديون، حسب نفس المصدر، يربطون بين العولمة والتقارب في الدخل، ويبدو أن سد الفجوات في الدخل في جميع الدول قد بات اتجاها واضحا، مما يعكس تباطؤ النمو في البلدان الغنية واستمرار النمو السريع في الصين وفي وقت لاحق في الهند. ولكن هذا الاتجاه هو أقل أمنا مما كان يتصور كثيرون في البداية (ذي إيكونوميست إكسبلينز، 2014). وعلاوة على ذلك، حتى طفرات النمو التي حدثت مؤخرا في البلدان النامية هي نفسها تزامنت مع ارتفاع مستويات عدم المساواة، وهي في بعض الحالات بارزة في الاقتصادات المتقدمة بالقدر نفسه بل وأكثر أحيانا.

ويمثل تراكب اتجاهات عدم المساواة هذه فيما بين البلدان وداخلها مهمة ليست بالسهلة، على الرغم من أن معامل جيني العالمي انخفض قليلا بشكل عام على مدى يزيد قليلا عن الـعشرين عاما الماضية، بحسب بعض التقديرات (لاكنر وميلانوفيش، 2013)، ويعود ذلك إلى حد كبير لكون المأجورين في البلدان المتقدمة شهدوا تقلصا في مداخيلهم. وحتى كذلك، وباستثناء بعض البلدان القليلة الأكثر تفاوتا، لا يزال مستوى انعدام المساواة أكبر، وبمراحل، فيما بين البلدان منه داخل البلدان.

ولذلك فإن فهم ديناميات عدم المساواة وعلاقاتها داخل البلدان وفيما بينها هو واحد من أكبر التحديات التي تواجه المحللين، وهو يوجد أيضا في صميم خطة التنمية لما بعد عام 2015.

تهديدات عدم المساواة

من الواضح أن عدم المساواة يمكن أن يكون تهديدا خطيرا للاستقرار الاجتماعي والسياسي، حسب المصدر السابق، ولكن هناك إدراكا متناميا بأنها يمكن أن تهدد أيضا النمو المستدام.

وقد أظهرت دراسة أجراها صندوق النقد الدولي أن زيادة المساواة في الدخل تزيد مدة فترات النمو الاقتصادي للبلدان أكثر من التجارة الحرة وانخفاض الفساد الحكومي والاستثمار الأجنبي، أو انخفاض الديون الخارجية (بيرغ وأوستري، 2011). وهناك أدبيات تستكشف الصلات القائمة بين تنامي عدم المساواة والصدمات والأزمات الاقتصادية (بوردو وميسنر، 2012)، وهي صلة يبدو أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالوزن السياسي والاقتصادي الأكبر للتدفقات المالية والأسواق غير المنظمين (الأونكتاد، 2012).

وتُعرّض عدم المساواة للخطر تحقيق الأهداف الاقتصادية الشاملة التي اقترحها الفريق العامل المفتوح باب العضوية المعني بأهداف التنمية المستدامة التابع للجمعية العامة، من قبيل القضاء على الفقر المدقع، وتعزيز العمل اللائق، وتحويل الهياكل الاقتصادية. وعدم المساواة ليست مسألة قدر أو حظ، وبالإمكان عكس اتجاهها من خلال السياسات والإصلاحات، وهي وجهة نظر انتُصر لها مؤخرا في البحوث الرائدة لتوماس بيكيتي. وفي حين أن الحلول تبقى بيد واضعي السياسات الوطنيين والإقليميين، تلعب الإجراءات والتدابير على الصعيد الدولي دورا حاسما أيضا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *