وجهة نظر

الريسوني الذي أسقط ورقة التوت !

تصريح الريسوني

الريسوني ، فقط قال شعرا استوحاه من إغراقه في الماضوية السياسية ، لكن سرعان ما استفاق من غفوته أو بالأحرى هفوته ، فسارع إلى تسويد أوراق الاعتذارات وتحججه بأنه كان ضحية “سوء فهم” ، بيد أن الأدهى من هذا انتفاضة دول بقضها وقضيضها وبكل مكوناتها وأطيافها منددة وساخطة وغاضبة ومستهجنة… وكأن ألسنة حالها تلهج “أمسكوا بهذا المارق” ، ولو أنها أحالت “قضيته” على”مجلس استفتاء ” لأصدر أمرا بإباحة “إهدار دمه ” ! والمفارقة العظمى أن هؤلاء القوم ،بالكاد ، يصبحون ويمسون على صور دموية فظيعة لأطفال تتلاعب بهم آلة البطش الإسرائيلية ، ولا أحد منهم يجرؤ حتى أن يشجب”في قرارته ” مثل هذه الأفعال الإجرامية الوحشية ، فكيف بهذه الدولة أو تلك أن تتلكأ في أن تتوجه إلى الفاعل بأصبع الاتهام ؟!

كان واردا..

كان واردا جداً ، وتأسيسا على الدموية التي تلطخ بها التاريخ السياسي العربي لقرون خلت أن تستعر المواقف وردود الفعل من كل الأطراف والاتجاهات ، إزاء “هفوة” شفاهية صدرت من شخص ؛ حتى وإن تراجع عنها معتذرا ، من الأطراف من وظفها في تعميق سعار العداوة بين الجيران ، ومنهم من ذهب به خيلاؤه إلى أبعد الحدود مطالبا باعتذار رسمي من المغرب.. ومنهم من رأى في تصريح ؛ ببضع كلمات ؛ مؤشرا على نية التوسع والهيمنة لدى هذا الجار “النشاز” .

كان واردا جداً أن يوقظ فيهم تصريح الريسوني حمية الجاهلية الأولى التي سادت فيها الكلمة بمثابة السيف القاطع ؛ ذما كانت أو هجوا أو فخرا أو مدحا.. ترفع من قدر قبيلة أو تحط منها ، من خلال بيت شعري واحد. !

كان واردا جداً أن تهب الأقلام ؛ الطبّالة منها والمأجورة والمجانية ؛ وتخرج من شرنقتها لتندد وتستنكر وتنادي بوضع حد لأراجيف هذا الشخص ، وتعلن سخطها وبراءتها من “دمه” ؛

كان واردا جداً أن تحاك ضد الرجل دسائس مثلما حيكت من قبله ضد أشخاص تلذذت بها أحابيل الوشاة والقصاصين والخونة .

كان واردا جداً أن تتهافت على تصريح الرجل كل القبائل العربية ، لخُلة راسخة فيها قديما ، مثلما نعتهم بها ابن خلدون “لا يتغلبون إلا على البسائط..” ، أو حينما ناداهم المتنبي بيائه التعجبية “ياأمة ضحكت من جهلها الأمم” ، أو مثلما استوعبهم تشرشل من بين الشعوب فقال قولته الرنانة ” .. إذا مات الانجليز تموت السياسة وإذا مات الروس يموت السلام وإذا مات الأمريكان يموت الغنى وإذا مات الطليان يموت الإيمان وإذا مات الفرنسيون يموت الذوق وإذا مات العرب تموت الخيانة..” ؛

كان واردا جداً أن تقوم”القيامة” لمجرد كلمات “فضفاضة ” صادرة من”شيخ حالم ” ، وتؤلب عليه القاصي والداني ، وذلك لعدوانية فجة ؛ ما زالت تحكم العلاقات البينية للشعوب العربية ، وقد اشتهر العالم المصري أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل في توصيفها حينما قال”الغرب يدعم الفاشل حتى ينتج ونحن نحارب الناجح حتى يفشل ” ، فهي عدوانية وتحقير.. قديمة المنشأ ، حتى غدت جيناتها في العربي تفصح عنها كل وقت وحين ، وزادت أن تقوت بفعل عوامل الأمية واللاتربية وتكريس المجتمعات لها .. ولم يكن للإسلام سوى نصيب جد طفيف في التخفيف من حدتها ، بينما الاستعمار”الجغرافي” كان له النصيب الأوفر في الترويج للقيم الحضارية ، ولو في السلوكيات الاجتماعية ، لكنها سرعان ما انقرضت بجلاء المستعمر وذهاب أجياله التي عايشته.

وجاء “الربيع العربي” ..!

لتكشف أحداثه للعالم أجمع ؛ وكما كان متوقعا ؛ أن العقل العربي عموماً لم ينضج بعد ، بل وذهبت الآراء والتحليلات التي واكبته إلى أن “العنصر العربي غير مؤهل بعد لمشروع حضاري” ، وليست له ركائز سوسيوبيداغوجية للتعايش بسلام داخل دولة تحكمها مؤسسات ديمقراطية ، ولنا في انقلاب تركيا العسكري بالأمس سنة 2016 خير مثال على التمييز بين مؤسسات دستورية من الشعب وإليه والتي رفضت الانقلاب في بضع ساعات ، وبين مؤسسات دستورية صورية قابلة للسقوط في كل وقت وحين ، كما أكدته أحداث”الربيع العربي ” .

السؤال المحير!

ارتباطا بموضوعنا الأساس ، تساءلنا وتساءلت أقوام قبلنا ، لماذا اتسمت الأنظمة السياسية العربية ؛ في معظمها ؛ بالجبروت والاستبداد وخنق الحريات…؟ وكانت دوما تساؤلات تستلهم النموذج الغربي في طرحها والإجابة عنها ، وبالتالي توصيف الحكام بشتى النعوت ، بيد أن الدراسات والأبحاث الميدانية المعمقة التي أجريت في هذا السياق ، أكدت أن هذه الأنظمة “سليمة” في مراميها وأن آلة “الجبروت” والاستبداد والعسكرة والشمولية والديكتاتورية هي التي تتناسب مع العقلية العربية المتنطعة ؛ يؤكد هذا الطرح الغياب الفجائي للحاكم الذي ستعقبه لا محالة هياج الجماهير ونزوعها إلى التخريب والنهب والاقتتال.. من جهة ؛ أو انعدام “الأمن العام” ولو لبضع ساعات ، فستعقبه حتما فوضى جماهيرية عارمة ، ولسطا القوي على الضعيف ، ولآل الأمر إلى كوارث دراماتيكية غير مسبوقة ، في حين أن الشعوب المتحضرة والراسخة في تربة السوسيوبيداغوجية لن تهيج وتموج ، بل تحكم نفسها بنفسها ، ولها ضوابط أخلاقية غير قابلة للمساومة ، مهما كانت الظروف .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *