وجهة نظر

الآباء والأبناء والدخول المدرسي.. أي تعامل وسط؟

مع كل دخول مدرسي، وبقدر ما تغمر مجمل الأطفال والتلاميذ مشاعر الفرحة وسرور العودة إلى الدراسة وحياة العلم والأساتذة والفصول والأصدقاء، خاصة بعد استراحة عطلة صيفية طويلة وفرحة النجاح والانتقال إلى مستوى أعلى يقربهم من تحقيق أحلامهم، بقدر ما يغبطهم كل هذا بقدر ما تتجدد معاناتهم مع وقائع دخول مدرسي ممتد ومضطرب وموغل في إجراءات إدارية روتينية بطيئة، واختلالات تربوية معقدة قد تكون مفتوحة على كل شيء وتتجاوز الجميع، أو على الأقل تخيب آمال فئة عريضة من التلاميذ والآباء، بدء من فرصة إيجاد مقعد في مؤسسة مناسبة.. إجراءات التسجيل الغارق في الكتابة والحضور بدل الرقمنة وإمكانية التسجيل عن بعد.. اقتناء الكتب والأدوات والتهاب الأسعار.. البحث عن وسيلة النقل.. المسكن.. اللباس.. الإقامة والإيواء المريح والمساعد على تمدرس جيد إن لم يكن ضامنا له؟.

وطبعا، تختلف مواقف الآباء اتجاه هذه الإكراهات ومواجهتهم لها بين الحرص والاهتمام إلى البرود والإهمال، بين الانفراد بالرأي والتصرف إلى التشاور والتعاون مع الأبناء وأفراد الأسرة، بين الانفاق بسخاء حد الاستدانة إلى تقتير مخل ومماطل..، فأي تعامل وسط ينبغي على الآباء اتخاذه؟، وما عائد ذلك على نفسية التلميذ(ة) وحسن تمدرسه أو تحصيله العلمي والتربوي وهو الأهم؟. إذن هذه دعوة صريحة إلى الحوار مع الأبناء والتعاون معهم بشأن أمر دراستهم التي تهم الأسرة ككل وينبغي أن تتعاون بشأنها، من بداياتها إلى نهايتها وليس فترة الامتحانات والنتائج فحسب. وأي حوار لابد له من أجواء الثقة المتبادلة المفعومة بالمحبة المحسوسة وغير المشروطة والأخذ والعطاء من المناقشة حسب اللازم والممكن من المقترحات والحلول، ومما تنبغي مناقشته بشأن الدخول المدرسي مثلا:

اختيار المؤسسة: وغالبا ما تكون أقرب مؤسسة في الحي، إذن ليس هناك فرصة أفضل، اللهم من أراد أن يقع اختياره على مؤسسة خصوصية، وأسعفه مدخوله الشهري على ذلك، فإنه يقع على اختيار الفرص الكثيرة، عمل تربوي مؤطر ومراقب وأنشطة موازية شيقة ومكثفة، نقل مدرسي و وسائل الإيضاح، وأجواء من الدوام المكثف لا إضراب ولا غياب..، وكيفما كان الحال فينبغي أن يتم ذلك بالتشاور مع الإبن (ة) الذي يهمه الأمر، ثم لا شيء سيغني عن المواكبة والتواصل مع المؤسسة في كلا التعليمين، وهما أمران ضروريان؟.

إجراءات التسجيل: من الأفضل أن يتحمل مسؤوليتها ويتكلف بها الأبناء أنفسهم، وإن لزمتهم بعض المساعدة فمن إخوانهم الكبار ممن سبقوهم في المستوى، وفي ذلك اعتماد على الذات وتدريب على اكتشاف الدواليب والمعاملات..، كما على الإدارة أن تيسر الأمر وتراعي حداثة مرتفقيها، بل أن ترقمنه حتى تخلصه من قلة الإطار البشري وعقليته الإدارية المتخلفة أو المزاجية أو فقط المضغوطة من كثرة المهام وقلة الوقت والمساعدة؟.

شراء الكتب والأدوات: وينبغي أن تقتصر على اللازم والضروري، بدء من طلبات الأساتذة ولوائحهم، ويمكن أن يتكلف بها الأبناء كذلك، وإن كان هناك من تدخل ومساعدة من طرف الآباء، ففقط من أجل مراعاة الجودة ومراقبة العلامات التي قد يعجب بها التلاميذ وهي تروج للشذوذ وتطعن في عقيدتهم؟. كما أن الكتب ينبغي طبعها وهي قابلة لإعادة الاستعمال حتى يمكن شراء بعض الكتب المستعملة وهي في حالة جيدة، أما الكراء من المكتبات المدرسية أو الاستفادة من الجمعيات الخيرية وحملة مليون محفظة الوطنية فينبغي تركه لمن يستحق، لا كما يحدث في بعض الأحيان حيث يستنفذها أبناء الموظفين ومن يتوسطون لهم على حساب غيرهم ممن يستحقها فعلا؟.

اللباس والنقل المدرسي والإيواء: وهنا يحتاج الأبناء إلى المساعدة الأبوية فعلا ، بحكم هذه الأشياء مرتبطة بإدارات خارجية وربما مواعيد قبلية كطلبات الحصول على الداخلية أو إقامة للفتيات أو السفر للبحث عن الكراء، أو إجراءات تأمين مقعد في النقل..، كما أن جل ملابس اليوم قد تحمل علامات وماركات قد تروج للشذوذ وتطعن في العقيدة، ولكنها تستهوي عاشقات وعشاق الموضة ويحرصون على اقتنائها، وينبغي حمايتهم من رمزيتها ودلالاتها المشينة؟.

تأمين الأجواء الدراسية منذ البداية: فهناك الكثير من الأشياء قد تضايق الأبناء وتشوش على بدايتهم الدراسية وربما استمراريتها، ومن ذلك من لا يعجبه قسمه ويريد تغييره بأي ثمن؟، من لا يعجبه أستاذ أو زملاء مكررين مشاغبين حشر معهم في نفس القسم؟، من يرى أنه سيدرس مع الصغار فقط أو مع المتفوقين لن يتركوا له مجالا للبروز فبالأحرى النجاح؟، من يرى أن قسمه فيه اكتظاظ ولا يجد فيه مقعدا مناسبا حسب طوله وسمعه وبصره؟، من يرى صعوبة مادة أساسية أو تواصلية لن يتغلب عليها وستسبب له مشاكل كثيرة؟، من يزعجه ميثاق القسم بكثرة ممنوعاته.. أجواؤه الأسرية المفككة والمتوترة.. كثرة إضرابات الأساتذة المتعاقدين.. بعد المؤسسة وغياب النقل.. الساعات الإضافية التي ستفرض عليه أو يضطر إليها..؟.

كما هناك أمور أخرى قليل ما يفكر فيها الآباء أو حتى يشير إليها الأساتذة ومنها مثلا، ما هي خطة التلميذ لدراسة جيدة وتحصيل علمي وتربوي مرضي؟، كيف سينجح التلميذ سنته الدراسية علميا وتربويا؟، ما هي أهدافه الدراسية؟، لماذا يدرس ولماذا عليه أن يتحمل عبء الدراسة لسنوات وسنوات؟، ما هي الإجراءات القانونية التي يدرس فيها خاصة إذا كان في سنة إشهادية ؟. ما منهجية الدراسة الموفقة عنده كتلميذ(ة) يريد الناجح(ة)؟. ما علاقته مع الأساتذة.، ما قيم تعامله داخل القسم مع الزملاء والزميلات؟، مع فضاء المؤسسة؟، مع تنظيم الوقت والأشغال؟، مع تنظيم التفكير و تعلم التحليل والتركيب؟، مع اتخاذ القرار وحل المشكلات؟، مع الإعداد للامتحانات وعدم السقوط في الغش؟، مع المحافظة على الصلاة التي ستعصمه من متاهات الانحراف والمعاصي؟. إلى غير ذلك من المواضيع التي تحتاج إلى جلسات حوار أطرافها الأساسية الأساتذة والتلاميذ وقبلهم الآباء والأبناء ولكن قل ما يفعلون، ناهيك عن كيف يفعلون؟.

بقي أن نضيف، أن ليس بالدراسة وحدها يعيش الأبناء، ولا ينبغي أن تكون كل اهتمامهم ومدار حياتهم – على أهميتها وقدسيتها – ثم إن ذواتا قاصرة ونفوسا عليلة لا يمكنها بحال من الأحوال أن تقوم بكل أعباء الدراسة وما تتطلبه من رجاحة عقل ونبل خلق واستواء معاملة واضطراد اجتهاد، لذا لابد من تنمية ذوات التلاميذ الأبناء عبر تشجيعهم للانخراط في الأندية التربوية للمؤسسة وفي جمعيات المجتمع المدني في الأحياء، التربوية والبيئية منها والفنية والرياضية..، لما ستساعدهم على تفتق شخصياتهم وتنمية ثقتهم بأنفسهم، وتعدد مهاراتهم وصقل مواهبهم وملإ فراغهم وتأطير نشاطهم، وتعويدهم على قيم المواطنة والتطوع والعمل الخيري والجماعي والإبداع، ولما قد يستفيدون منها أيضا في دروس الدعم والتقوية والإعداد للامتحانات الإشهادية، فهي في الأول وفي الأخير مدرسة داعمة عكس ما قد يعتقد البعض ويتوجس منه؟.

وأخيرا، كل هذه المهام التربوية للآباء اتجاه الأبناء، لا تتم بالتوتر والقسوة الزائدة ولا بالعطف والدلال الزائد، إلى درجة قد يقوم فيها بعض الآباء بمهام أبنائهم وبناتهم، فينجزون تمارينهم ويقومون بواجباتهم المنزلية بدلهم، وهذا خطأ غير مقبول، أولا، لأن فيه غش، ثانيا لن يترك للابن فرصة الاعتماد على النفس وتنمية القدرات، وهو أحوج ما يحتاج إليه في أحوال الدراسة ومواقف الحياة؟. إن المساعدة الحقيقية للأبناء تكون فقط بالمواكبة والسؤال عنهم وعن أحوالهم وقيمهم وسيرهم الدراسي حتى قبل نتائج الفصل والموسم ككل، وتكون بالتعرف عن قرب على الصعوبات التي يعانون منها لتوجيههم ومساعدتهم على تجاوزها، بالتعرف على الأجواء التربوية التي يدرسون فيها وما قد يتسرب إليها من سلوكات مشينة كالضغط والضرب أو التحرش والابتزاز أو غيرها من أنواع الانحراف العلني أو الصامت ؟.

كل هذا ينبغي أن تحمي المؤسسة منه تلاميذها وتلميذاتها، وعلى الآباء مراقبة أبنائهم وبناتهم واليقظة إلى أحوالهم هل يعانون شيئا من ذلك، وهل تبدو عليهم علامات معينة لشيء منه كالعزلة والاكتئاب أو فقدان الثقة والشهية أو الفتور والنفور من مدرسة أو مدرس(ة)..؟. وإن الثقة المتبادلة والحوار المقنع والمحبة غير المشروطة، أسهل طريق لتوضيح كل شيء بين الآباء والأبناء، هؤلاء الأبناء الذين لن يبخلوا بشيء كلما تيقنوا أن آبائهم لا يعملون إلا على مساعدتهم على تجاوز الصعوبات، وأنهم سيستمرون في محبتهم مهما تطورت أحوالهم، نتمنى موسما دراسيا موفقا للجميع، كل من مكانه وبإمكانه ؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *