منوعات

لماذا تبكي النساء أكثر من الرجال؟

ارتبط البكاء بالنساء في معظم الثقافات، وفي سائر المجتمعات، وتشكلت صورة نمطية تربط البكاء بالجنس اللين، إلى درجة أن أحد أبرز عناوين الرجولة هو عدم البكاء!

وفي الواقع تبكي النساء أكثر من الرجال بشكل كبير وواضح، وهذه حقيقة علمية لا مراء فيها، لكن الحمولة الثقافية التي تعطى لها والتمثلات الاجتماعية للظاهرة لا علاقة لها بالحقيقة العلمية، ذلك أن بكاء النساء ليس ضعفا، كما أن جفاف أعين الرجال ليس قوة.

وكيفما كان الحال يبقى السؤال الجوهري لماذا تبكي النساء أكثر من الرجال؟ سؤالا يفرض نفسه ويحتاج إلى جواب علمي، وهذا ما يروم هذا التقرير مقاربته، حسب الجزيرة نت.

البكاء بسبب الانفعالات العاطفية

حسب الجزيرة نت، الإنسان هو النوع الوحيد من بين جميع الكائنات الحية الذي يبكي بسبب الانفعالات العاطفية، فالبكاء استجابة طبيعية وصحية للعديد من المواقف، لكن إذا كنت تبكي من دون حسيب أو رقيب ومن دون أسباب في كثير من الأحيان، فذلك يمكن أن يؤثر بشكل كبير على حياتك وحياة من حولك، وعلى قدرتك على العمل والإنجاز.

وحسب نفس المصدر، لا توجد إرشادات أو معايير محددة بشأن مقدار البكاء المفرط أو الزائد عن الحد، فقد تؤدي حالات كالاكتئاب، أو التجارب العاطفية المؤلمة، أو الفشل في العمل، أو فقدان القدرة على الإنجاب عند النساء إلى البكاء الحادّ والشعور بالحزن، فالحياة مليئة بالمواقف الصعبة والأحداث المؤلمة.

لا شك في أن المعاناة جزء من حياة الإنسان على هذه الأرض، فقد يتعرض البشر لبعض الأحداث المروعة التي تدفعهم للانهيار أو الوقوف على مشارفه، مما يؤدي إلى حدوث الصدمة النفسية التي تحتاج لعلاج من قبل طبيب نفسي متمرس، علاوة على الألم الجسدي الناتج عن مرض أو حادث ما، لدرجة لا نملك أنفسنا من الصراخ والبكاء من شدته.

وفي الحقيقة، البكاء هو استجابة فسيولوجية لها معنى تكيّفي، فمن خلاله نجذب انتباه من حولنا ليتمكنوا من مساعدتنا والوقوف إلى جانبنا وقت الشدائد والمحن، وفق ما ذكرت منصة “ميديكو بلوس” (medicoplus) الإسبانية في تقرير لها مؤخرا.

لماذا تبكي النساء أكثر من الرجال؟

هناك اختلافات حقيقية بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالبكاء، لكن لعقود من الزمن وفي جميع أنحاء العالم، توصلت جميع الدراسات إلى النتيجة ذاتها: النساء يبكين أكثر من الرجال. فعلى سبيل المثال، وجد عالم الكيمياء الحيوية ويليام إتش أيفري في ثمانينيات القرن المنصرم أن النساء يبكين بمعدل 5.3 مرات في الشهر، في حين يبكي الرجال بمعدل 1.3 مرة في الشهر، مع تعريف البكاء بأنه أي شيء من اغريراق العينين بالدموع إلى البكاء الكامل، ولا تزال هذه المعدلات متشابهة في الدراسات والأبحاث الجديدة، بحسب ما ذكرت “الجمعية الأميركية لعلم النفس” (American Psychological Association).

وقد يكون هناك سبب لبكاء النساء أكثر من الرجال من الناحية البيولوجية؛ فهرمون “التستوستيرون” (Testosterone) عند الرجال قد يمنع البكاء، في حين أن هرمون “البرولاكتين” (Prolactin) المرتفع عند النساء قد يعززه، إضافة إلى التركيبة السيكولوجية للمرأة، وكونها أكثر رقة وأقل قسوة من الرجال، مما يجعل البكاء أكثر سهولة لديها.

وثمة فروق حضارية وثقافية أخرى لها دور هام في عملية البكاء، فقد وجدت دراسة أجريت على أشخاص في 35 دولة مختلفة أن الفرق بين عدد مرات بكاء الرجال والنساء قد يكون أكثر وضوحا في البلدان التي تسمح بقدر أكبر من حرية التعبير مثل تشيلي والسويد والولايات المتحدة، وتقول مؤلفة الدراسة الرئيسية الدكتورة ديان فان هيمرت -وهي باحثة مخضرمة في المنظمة الهولندية للبحوث العلمية التطبيقية- إن “الناس وخصوصا الرجال في البلدان الأكثر ثراءً يبكون أكثر، لأنهم يعيشون في ثقافة تسمح بذلك، بيد أن الناس في البلدان الفقيرة لا يفعلون ذلك بسبب الأعراف الثقافية التي تستهجن التعبير العاطفي”.

ما الذي يجعل الناس يبكون بشكل متكرر؟

هناك عدة أسباب، إضافة إلى وجود استجابة عاطفية فورية لحدث ما، تجعلك تبكي أكثر من المعتاد، وقد لخصت منصة “هيلث لاين” (healthline) دوافع البكاء المتكرر فيما يلي:

+ الاكتئاب

يعد الاكتئاب اضطرابا مزاجيا ينتاب المصاب به شعور بالحزن يستمر أسابيع وأحيانا أشهرا طويلة، وتشمل أعراض الاكتئاب ما يلي:

  • الحزن الشديد، ومشاعر اليأس أو انعدام المعنى والقيمة للحياة، وصعوبات في التركيز، والكسل وعدم الرغبة في فعل أي شيء.
  • وعادة ما يبكي الأشخاص المصابون بالاكتئاب على أشياء صغيرة لا معنى لها، وفي كثير من الأحيان يجدون صعوبة في تحديد سبب بكائهم، ويجدون صعوبة في إيقاف دموعهم.
  • ومن المرجح أن يحدث البكاء المفرط إذا كان الاكتئاب أكثر اعتدالا، وذلك لأن الأشخاص المصابين بالاكتئاب الشديد يجدون صعوبة في البكاء أو التعبير عن مشاعرهم.

+ التوتر والقلق

لدينا جميعا أوقات نشعر فيها بالتوتر والقلق، لكن قد يصل الأمر إلى حالة مرضية تسمى بـ”اضطراب القلق” (anxiety disorder)، إذ يشعر المرء بالقلق والعصبية معظم الوقت، ومن أهم أعراض هذا الاضطراب: الحدة في التصرفات، والقلق المفرط المستمر، والشد العضلي في أنحاء مختلفة من الجسم، والشعور بالإعياء والتعب، مع مشاكل واضطرابات في النوم.

+ التأثير البصلي الكاذب

يمكن أن يكون البكاء، أو الشعور بالغضب، أو حتى الضحك المفاجئ، من أعراض حالة تسمى “التأثير البصلي الكاذب” (Pseudobulbar affect)، وهي حالة عصبية لا إرادية تتعلق بإصابة أو اضطراب يحدث في أجزاء من الدماغ تتحكم في العواطف، بحيث لا تتطابق غالبا المشاعر غير المنضبطة مع ما يحسّ به أو ما يعانيه المصاب في الواقع.

وقد يتم تشخيص الأفراد المصابين بهذه الحالة بشكلٍ خاطئ على أنهم مصابون بالاكتئاب، نظرا لتشابه الأعراض بين الاضطرابين، وللتمييز بينهما غالبا ما يحدث هذا الاضطراب (التأثير البصلي الكاذب) للأشخاص الذين لهم تاريخ مع السكتة الدماغية، أو مرض الرعاش، أو ألزهايمر، أو لديهم أمراض عقلية سابقة، أو مصابون بالتصلب الجانبي الضموري “أيه إل إس” (ALS)، المعروف بمرض “لو جيريج”.

وقد ذكرت منصة “شوزينج ثيرابي” (choosing therapy) أسبابا أخرى للبكاء، أهمها:

+ الشعور بالاحتراق

تحدث هذه الحالة بالدرجة الأولى من الشعور بالإرهاق العقلي والجسدي الكامل الناتج عن الضغوط المزمنة والمستمرة التي يواجهها الإنسان في العمل والوتيرة السريعة للحياة، مما يجعلنا نلهث كل يوم وراء توفير مستلزمات العيش المختلفة لنا ولأسرنا وأطفالنا، وقد يؤدي هذا كله إلى نوبات بكاء غير متوقعة في كثير من الأحيان، وتحديدا لدى النساء.

+ الخجل والشعور بالعار

قد يدفع هذا الإحساس المضني الكثير من البشر للبكاء الذي تصعب السيطرة عليه، نتيجة تصرف أو فعل يندم عليه الشخص كثيرا لأنه يتناقض مع الأعراف والعادات الاجتماعية السائدة.

+ مشاعر مبهجة قد تدفعنا للبكاء

لكن ليست كلّ أسباب البكاء سلبية، فثمة مشاعر إيجابية تنشأ من مشاعر عاطفية مبهجة قد تدفعنا للبكاء، كما ذكرت منصة ميديكو بلوس الإسبانية، ومنها:

+ تقدير الجمال

الجمال موجود في كل مكان من الحياة، قد تجده في تفتح زهرة، أو في زقزقة العصافير على شجرة، أو في لوحة فنية، أو أغنية أو رواية ممتعة أو فيلم سينمائي يجعلنا نبكي من التأثر، وهناك الكثير من الأفراد الذين لديهم حساسية خاصة تجاه الجمال بأشكاله المختلفة، مما يدفعهم للبكاء تقديرا للجمال ومحبة له.

+ الشعور بالسعادة العارمة

قد يحدث البكاء نتيجة فرح شديد بسبب شيء ما كالنجاح في الدراسة، أو الحصول على جائزة غير متوقعة، أو تحقيق حلم كان يبدو بعيد المنال. ويبدو أن البكاء في مثل هذه الحالات أشبه ما يكون بإستراتيجية تنظيمية لجسمنا في مواجهة فرط النشاط المفاجئ، إذ يساعدنا البكاء على العودة إلى حالتنا القاعدية شيئا فشيئا، بحيث يعوض النشوة التي نختبرها.

البكاء شيء طبيعي وعادي في حياة البشر

وبعد، فإن البكاء شيء طبيعي وعادي في حياة البشر، فلا يوجد إنسان لم يبكِ يوما، لأنّ البكاء رد فسيولوجي ونفسي يحدث نتيجة تجربة مؤلمة في غالب الأحيان، ومفرحة في بعضها، وهو مفيد وضروري في العديد من اللحظات والمواقف، وطبيعي تماما حين نشعر بالحزن، أو عند الإحساس أو المرور بحالات عاطفية أخرى مثل الغضب الشديد أو الفرح.

ولا توجد معايير عالمية لتحديد متى يكون البكاء المتكرر أمرا طبيعيا، ويعتمد هذا على المدة التي قضاها الشخص في البكاء، والتجربة التي أدت إليه، والتداخل الذي يسببه في أدائه الطبيعي.

والبكاء رد متوقع لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية كالاكتئاب أو ضغوط ما بعد الصدمة أو القلق، وفي هذه الحالة يكون دعم أخصائي الصحة العقلية ضروريا، فلا تتردد في مراجعة طبيبك النفسي لأخذ العلاج المناسب بدلا من تطور الحالة إلى ما لا تحمد عقباه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *