سياسة

لماذا لا يخاطب محمد السادس المغاربة في ذكرى عيد الاستقلال؟

تُعتبر ذكرى عيد الاستقلال من أهم الأعياد التي تحتفل بها دول العالم التي تخلصت من نير الاستعمار، حيث تكون مناسبة للإشادة بالأجداد الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الدفاع عن الأرض والعرض، فيما يستغل رئيس الدولة هذه المناسبة لتوجيه خطاب للشعب من أجل تذكير الأجيال الناشئة بمدى معاناة الآباء من أجل الحصول على الحرية وغرس روح المواطنة وحب الوطن في قلوبهم.

وتقوم معظم الدول باتخاذ هذا اليوم كعطلة رسمية وطنية، حيث يتميز هذا اليوم عادة بتنظيم استعراضات عسكرية، وإطلاق الألعاب النارية، وأداء الرقصات الشعبية، غير أن شيئا من ذلك لا يحدث في المغرب حيث تمر هذه المناسبة في هدوء تام، اللهم إلا من عطلة رسمية يستفيد منها الموظفون، في حين لا يوجه عاهل البلاد أي خطاب للشعب بهذه المناسبة، التي تُعتبر عند كثير من الشعوب التي كانت تحت وطأة الاستعمار يوما بهيجا، يتم الاحتفال به بشكل مختلف عن باقي الأعياد الوطنية.

18 نونبر أم 3 مارس

إذا كان المغاربة يحتفلون اليوم بالذكرى الـ 61 لعيد الاستقلال، فإن كثيرا منهم لا يعرفون بأن عيد الاستقلال الحقيقي للمغرب كان بتاريخ 2 مارس من سنة 1956، حينما توصلت الحكومة المغربية التي شكلها الملك محمد الخامس بتاريخ 18 نونبر 1955 لمباشرة المفاوضات من الدولة الفرنسية، إلى اتفاق يقضي بإعلان استقلال الدولة المغربية، وهو التاريخ الذي ظل الملك محمد الخامس والمغاربة يحتفلون به كل سنة إلى غاية وصول الحسن الثاني لسُدّة العرش، بعد وفاة أبيه في نهاية فبراير 1961.

وفي هذا السياق يقول المؤرخ المعطي منجب في تصريح لجريدة “العمق”، أن تاريخ 18 نونبر ليس عيدا للاستقلال بل هو عيد عرش للسلطان محمد الخامس، مشيرا أن تغيير تاريخ عيد الاستقلال في عهد الحسن الثاني، سببه هو الصراع بين ايدلوجية القصر والوطنيين، وهو الشيء الذي انتهى بتغيير الحسن الثاني لتاريخ عيد الاستقلال إلى يوم 18 نونبر، وذلك بسبب تزامن عيد الاستقلال الذي يكون بتاريخ 2 مارس مع احتفال الملك الحسن الثاني بذكرى تربعه على العرش الذي يصادف 3 مارس من كل سنة.

ووفق مؤرخين فإن تغيير الحسن الثاني لتاريخ عيد الاستقلال جاء بسبب رغبته في ألا يغطي تاريخ الحصول على الاستقلال الذي كان حينها يوما مميزا عند المغاربة، على ذكرى عيد العرش، حيث اعتمد يوم 18 نونبر عيدا للاستقلال وهو اليوم الذي ألقى فيه محمد الخامس خطابا تاريخيا أعلن فيه العزم على إنهاء نظام الحماية وبزوغ عهد الاستقلال، حيث في نفس الوقت تم تشكيل الحكومة المغربية الأولى، برئاسة امبارك البكاي، وهي الحكومة التي كان معظم وزرائها من حزب الاستقلال.

صراع على المشروعية

وفي السياق ذاته، زكّى الناشط الحقوقي فؤاد عبد المومني، ما ذهب إليه المعطي منجب، من أن تغيير الملك لتاريخ عيد الاستقلال الحقيقي، يأتي في إطار الصراع بين المشروعية الملكية والمشروعية الوطنية، مبرزا في تصريح لجريدة “العمق” أن المشروعية الوطنية كانت تحضر بشكل قوي في مثل هذه المناسبات، وهو الأمر الذي دفع بالملكية إلى عدم إعطاء مثل هذا العيد أي حظوة أو اهتمام كبير، وهو ما أدى إلى تحوير تاريخ عيد الاستقلال، حتى لا يكون هذا اليوم أهم من ذكرى عيد العرش التي يكون يوم 3 مارس في عهد الحسن الثاني.

وأضاف المومني أن عدم توجيه الملك الحسن الثاني لأي خُطب للشعب في ذكرى عيد الاستقلال يأتي بسبب رغبته في ألا يعطي لهذا العيد أي قوة مرجعية، عكس التواريخ الأخرى التي يوجه فيها خطابه للأمة كيعد العرش مثلا، حتى تكون لهذه المناسبة قوة مرجعية كبيرة، وكأنه يقول بأن أعياد الملك أهم من أي عيد آخر، مبرزا بأن العرش العلوي الذي كان يعتبر عند الوطنيين لمدة طويلة “عميلا” للاستعمار، لم يرغب في أن يكون مدينا للوطنيين بحصول المغرب على الاستقلال وهو الشيء الذي دفع الملوك إلى تهميش هذه الذكرى وعدم الاهتمام بها.

من جانبه استغرب المحلل السياسي عبد الرحيم العلام، من عدم اهتمام الدولة المغربية بذكرى عيد الاستقلال، حيث تكون الاحتفالات باهتة ويكاد يكون هذا اليوم يوم عطلة فقط للموظفين، بدون أي مظاهر للاحتفال، عكس الأعياد الأخرى كعيد العرش وعيد ذكرى ميلاد الملك الذي يصادف عيد الشباب، وكذا عيد المسيرة الخضراء وغيرها من الأعياد الوطنية، مبرزا أن المغرب هو البلد الوحيد في العالم الذي لا يحتفل بهذه المناسبة، التي تكون عند الشعوب الأخرى مناسبة للاحتفال وتوجيه زعيم الدولة خطابا للشعب.

وشدد العلام في تصريح مماثل لجريدة “العمق” على أن الأخطر هو أن يكون ملك البلاد خارج البلاد في هذه المناسبة، وأن يتواجد خلال هذه المناسبة بالدولة التي احتلت المغرب، حيث سبق للملك محمد السادس أن قضى عطلته السنة قبل الماضية في فرنسا دون أن يقطع عطلته في هذه الذكرى، من أجل مشاركة الشعب المغربي احتفالاته بهذه المناسبة، مبرزا أن ذلك يطرح أسئلة من قبيل؛ هل المغرب مستقل فعلا أم أن الخوف من إغضاب فرنسا لو تطرق خطاب الملك للحقبة الاستعمارية هو السبب في تجاهل هذه المناسبة؟

واعتبر المصدر ذاته، أنه مهما كانت التبريرات لهذا التجاهل لعيد الاستقلال فإنها ستظل مستغربة، خصوصا وأن المواطن لن يفهم كيف لا يتم الاحتفال بهذه الذكرى التي انتزعها الشعب المغربي بواسطة آلاف الشهداء والجرحى والمآسي التي سببها الاستعمار، حيث كان من المفروض أن تكون هذه المناسبة فرصة للاحتفال من الانعتاق من قيود الاستعمار والاستعباد.

استقلال ناقص

وفي الإطار ذاته، اعتبر ميلود بلقاضي، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن قيام الملك محمد السادس بزيارة إثيوبيا في ذكرى عيد الاستقلال يمكن تفسيره بأن ملك البلاد يعتبر أن النضال من أجل استقلال المغرب لم يتم في بعده الإفريقي، مبرزا أن اختيار الملك محمد السادس زيارة إثيوبيا التي تحمل رمزية كبيرة يوم 18 نونبر ليس اعتباطيا ولكنه خيار مرتبط بأجندة معينة، وهو أن استقلال المغرب هو من استقلال إفريقيا، التي لا تزال ترزح تحت أشكال الظلم والاستعمار الاقتصادي.

وأبرز أنه إذا كانت إفريقيا قد استقلت سياسيا فإنها لم تستقل بعد في جوانب أخرى، وهو ما يعني أن زيارة الملك إلى هذه الدولة في ذكرى استقلال المغرب وراءها رسالة مفادها أن الاستقلال السياسي لا يعني أنه استقلال كامل، بل إن الاستقلال الحقيقي هو الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي، مشددا في السياق ذاته، على أنه من الصعب معرفة لماذا لا يوجه الملك خطابا للأمة، وأن المؤرخين هم المؤهلين للإجابة عن تساؤل لماذا لم يكن الحسن الثاني يلقي خطابات بهذه المناسبة.