وجهة نظر

الجماعات الترابية ومدركات الفساد..

كاتب رأي

تخرج بين الفينة والأخرى تقارير مؤسسات وطنية تعنى بالنزاهة ومحاربة الفساد، وهاته التقارير هي الية من اليات التي خطها الدستور المغربي لمتابعة ومحاسبة المسؤولين الترابيين ، وان كان اغلبية التقارير تبقى بدون تحريك للمتابعة فان اغلبيتها تشكل مادة أساسية لتخليق الحياة العامة ومحاسبة المسؤولين على جرائم المال العمومي والفساد.

ولذلك سنسعى في هذا المقال ان نعلم المواطن كيف يعرف ان مالية الجماعة تستنزف وكيف يمكنه ان يساهم في تبليغ على جرائم اهدار المال العام ومعاقبة الفاسدين والذين ربطوا مصالح شخصية وعامة وخلطوا الأمر وعدى المال العام يستنزف بلا قيد ولارقيب.

الفساد الترابي وسؤال المحاسبة :

يجب ان نقتنع ان الفساد في المغرب استشرى واصبح لاحد له ولا غطاء ،فهو لا يظهر بشكل جلي الا للراسخون في العلم ومن عرف بواطن الإدارة الترابية وتقاريرها ،ولذلك فان وجود مايقارب 1425صندوق جماعة يجعل من الصعب ان تحيط الإدارة الوصية بكل الأفعال المنسوبة الى من يسير هاته الجماعات ووضع صك الاتهام في يد وصك البراءة في يد أخرى ،ولذلك فاستشراء الفساد مسؤولية المواطن الذي هو جزء من العملية التي تقوم بها أيادي وخيوط في ليل او في خفاء ثم تمر بسلام وبشكل لا يترك أي أثر لفعل أو سلوك يشكل جرما في حق مالية الدولة .

ويجب ان يعلم الفاسدون ان جريمة الفساد كبذل عمل لمصلحة شخصية أوكتوظيف قريب او استفادة من مشروع ، كاوراش مثلا سواء لقريب او لجمعية يكون عضو فيها او بمكتبها الحالي او السابق ،أو استغلال سيارة الدولة لنقل زوجته او السفر الى صلة الرحم وهلمجرا ،كل هاته الأفعال هي صغيرة ووقعها اصغر لكنها ان استشرت أصبحت فسادا .

او بيع ذمة وامانة الى تاجر سياسي يقدم احسن العروض وفي الخفاء ، وبمبررات قد تكون مقنعة لك ولكنها للجميع تعتبر خيانة شعبية وديمقراطية تجر صاحبها الى المساءلة ،وحتى لوعددنا حالات وجرائم الفساد والافساد ،فان الضحية الأولى هو الوطن الذي يزداد تخلفا وأزمة .

ومكن الكشف عن الفساد من خلال مجموعة متنوعة من الأساليب، وأكثرها شيوعًا هي المراجعات (الداخلية والخارجية) والتقارير (من قبل المواطنين والصحفيين والمخبرين والإبلاغ الذاتي). وتناقش نقاط القوة والضعف في هذه الأساليب في الفقرات التالية. وعند الاقتضاء، يتم النظر في استخدام التكنولوجيا الحديثة في الكشف عن الفساد، بما في ذلك تقنية سلسلة الكتل وتطبيقات الهواتف الذكية ومنصات الويب المفتوحة للبيانات. ونظرًا لأهمية الإبلاغ عن المخالفات، و يتم تخصيص جزء لاحق للنهج الذي يشجع على مثل هذا الإبلاغ. وهناك طرق أخرى للكشف عن الفساد، مثل إعلانات الأصول والفوائد واستطلاعات العينة؛ ومع ذلك، نظرًا لطبيعتها التمهيدية، تركز هذه الوحدة التعليمية على الطرق الأساسية للمراجعة وإعداد التقارير.

فالواقعة الأخيرة بتمارة تدل ان استراتيجية محاربة الفساد تحتاج الى تحيين وتفعيل من شانه ان يعجل بإعادة النظر فيها ، وذلك بتفعيل تقارير المجالس وتحريك الدعاوى العمومية على الجناة .

الإبلاغ الذاتي

وتكمن آلية أخرى للكشف عن الفساد في الإبلاغ الذاتي. ولدى بعض الدول قوانين وحوافز تشجع الأفراد على الإبلاغ عن الفساد الذي لعبوا فيه دوراً. غالبًا ما ترتبط هذه العملية، المعروفة باسم الإبلاغ الذاتي، بكيانات القطاع الخاص، ولكنها تنطبق على الفساد في أي منظمة. ويمكن أن تكون العقوبة على الفساد شديدة، وبالتالي فإن تخفيف العقوبة هو حافز مشترك لتشجيع الإبلاغ الذاتي. ويلاحظ في هذا الصدد أن المادة 37 من اتفاقية مكافحة الفساد تقتضي من الدول تشجيع مرتكبي الفساد على الإبلاغ الذاتي، بما في ذلك من خلال عرض تخفيف العقوبة وحتى الحصانة في حالات معينة.

ويتمثل أحد تحديات معالجة الفساد من خلال الإبلاغ الذاتي في إيجاد التوازن بين فوائد التحقيق التي تنشأ عن التعاون ومحاكمة الأشخاص الذين يرتكبون أعمالا فاسدة. بينما لا يوجد واجب قانوني عام للكشف عن الأنشطة الفاسدة في العديد من البلدان، قد تتطلب تشريعات محددة في مجالات مثل الأوراق المالية وقانون الشركات الإبلاغ الذاتي. إن قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة للولايات المتحدة (FCPA)،الذي يعاقب الشركات، المسجلة في الولايات المتحدة، على أنشطتها في الخارج، ينشأ مخالفة او انتهاكا في حالة عدم الإبلاغ عن الأفعال الفاسدة التي تنطوي على دفاتر وسجلات مالية. والواقع أن العديد من البلدان لديها أحكام لتخفيف العقوبة كحافز للإبلاغ الذاتي.

وفي المملكة المتحدة، قد تجنب التقارير الذاتية المقاضاة الجنائية وتقصر العقوبات المفروضة على الغرامات المدنية. في الولايات المتحدة، يكون المدّعون أكثر تساهلاً عادةَ في توصيات الاتهام والحكم إذا أبلغ المتهمون عن أنفسهم. في أستراليا، يعد التعاون مع سلطات إنفاذ القانون عاملاً في فرض عقوبة أكثر تساهلاً. وفي الصين، هناك نص صريح “لتخفيض أو الإعفاء من العقوبة المطبقة في حالة إفشاء شخص طوعًا عن سلوك قد يشكل رشوة” لموظف عمومي أجنبي، وبشكل أعم بالرشوة المحلية  (تيرنيل وآخرون، 2012).

تقارير المواطنين

غالبًا ما يكون أفراد الجمهور أول من يشهد الفساد أو يعاني منه، لا سيما في مجال الخدمات العامة. للمساعدة في فضح الفساد، يمكن لأفراد الجمهور أن يكونوا وسيلة في الإبلاغ عن الفساد من خلال القنوات القياسية للإبلاغ عن الجرائم على المستوى الوطني أو البلدي، مثل الشرطة. لتشجيع تقارير المواطنين حول الفساد، طورت العديد من الحكومات طرقًا أكثر مباشرة للجمهور للإبلاغ عن الفساد. على سبيل المثال، يمكن لهيئات مكافحة الفساد المتخصصة إنشاء قنوات مخصصة للإبلاغ عن جرائم الفساد. يُطلب من الحكومات بموجب المادة 13 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد إطلاع الجمهور على هيئات مكافحة الفساد هذه وكيفية الإبلاغ عن الأفعال الفاسدة، بما في ذلك عدم الكشف عن الهوية. معلومات عن هيئات مكافحة الفساد حول العالم، تنظمها البلدان، متاحة على موقع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.

الصحافة، وتقارير الإعلام

تلعب الصحافة ووسائل الإعلام دورًا رئيسيًا في تغطية الفساد وكشفه وكبحه. إن الإبلاغ عن الفساد “يقدم مساهمة قيمة في تحسين المجتمع” والصحافة الاستقصائية على وجه الخصوص “تحمل القدرة على العمل كعيون وآذان المواطنين” (مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، 2014، الصفحتان 2، 6). ويمكن أن تكون التقارير الإعلامية وسيلة للكشف عن الفساد التي تدفع المنظمات ووكالات تطبيق القانون إلى إجراء تحقيقات (أو مزيد من التحقيقات) في مزاعم الفساد. ويمكن أيضًا استخدام تقارير الفساد في وسائل الإعلام لجمع المزيد من المعلومات حول الفساد وتقييم الحالات التي تم اكتشافه فيها وتتطلب مزيدًا من التحقيق. وأحد الأمثلة التي يتم نشرها بشكل كبير هي حالة أوراق موساك فونسيكا، والتي يشار إليها عادة باسم أوراق بنما (وتمت مناقشة هذه الحالة أيضًا في الوحدة التعليمية 10 من سلسلة الوحدات التعليمية الجامعية E4J حول مكافحة الفساد.

الإبلاغ عن المخالفات

بالنظر إلى أن الفساد يمكن أن يفيد الأفراد المتورطين بشكل مباشر، وهناك مجموعة متنوعة من الوسائل للتستر على الفساد داخل المنظمات، لا يمكن اكتشاف بعض حالات الفساد إلا إذا أبلغ عنها شخص من الداخل. وكثيرا ما يطلق على هذا النوع من أنشطة الإبلاغ “الإبلاغ عن المخالفات”، لأن الشخص المبلغ يرسل تنبيهًا بشأن النشاط، على أمل أن توقفه السلطات. وعادة، يقوم المخبر بإبلاغ الفعل إلى مدير داخلي أو تنفيذي أو عضو مجلس إدارة مناسب. ووضعت بعض الكيانات بروتوكولات للإبلاغ. وإذا ثبت أن ذلك غير ناجح، فقد يثير المخبرون المشكلة مع الهيئات التنظيمية أو وكالات إنفاذ القانون الخارجية أو قد يختارون فضح المسألة علنًا من خلال الاتصال بوسائل الإعلام.

الإبلاغ عن المخالفات مقابل التسريب  

إلى جانب عدم وجود تعريف متفق عليه للمبلغين عن المخالفات، هناك أيضًا ارتباك بشأن كيفية التمييز بين مفهوم المُبلغ عن المخالفات والمصطلحات الأخرى. في اللغة الإنجليزية، على سبيل المثال، هناك ارتباك حول ماهية التمييز بين المخبر و”المتسرب” (سافاج، 2018). ففي حين أن “تسريب” ليس مصطلحًا قانونيًا، فقد تم استخدامه على نطاق واسع في وسائل الإعلام. وتجدر الإشارة إلى أنه تم وصف بعض الحالات المعروفة على أنها تسريب وإبلاغ عن المخالفات. وتشمل الأمثلة: إفشاء تشيلسي مانينغ عن الوثائق إلى ويكيليكس، وتسريبات كرة القدم لروي بينتو، وأوراق موساك فونسيكا.

المكتسبات المؤسساتية والقانونية

يعلن الخطاب الرسمي أن الدولة تتوفر على الإرادة السياسية لمحاربة الفساد، ويستشهد على ذلك بمضمون الخطب الملكية، والمصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد؛ ومراجعة الدستور سنة 2011 متضمنا عدة مبادئ ومؤسسات يمكنها تشكيل ما يطلق عليه الإطار المؤسساتي للنظام الوطني للنزاهة؛ والتصريحات والبرامج الحكومية، ومجموعة من الإجراءات التقنية، فضلا عن ترسانة من القوانين. ومع ذلك تعترف الدوائر الرسمية المغربية بصعوبة التقدم العملي ومحدودية النتائج قياسا مع الطموحات.

تنطوي الكثير من الخطب الرسمية الملكية على دعوة مستمرة لتمثل قيم الحكامة الرشيدة ولتنزيل آليات المراقبة والمحاسبة والتقييم وإنفاذ القانون، ومحاربة الفساد في جميع القطاعات والمجالات. وقد كان آخرها وأعلاها نبرة خطاب العرش بتاريخ 29 يوليو 2017، الذي دعا فيه الملك إلى التفعيل الصارم لمبدأ “ربط المسؤولية بالمحاسبة”. وعلى إثر هذا الخطاب، تم إعفاء عدد من الوزراء والمسؤولين التابعين لوزارة الداخلية بمختلف درجاتهم. ويمكن وصف المقاربة التي تم اعتمادها في تنزيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بشأن ملف “الحسيمة منارة المتوسط” بأنها مقاربة مبنية على إعطاء القدوة أو تقديم المثال من أعلى إلى أسفل. ثم أعاد الملك محمد السادس بتاريخ فاتح يوليوز 2018 التأكيد على أن محاربة الفساد ينبغي أن توضع في صميم الأولويات، طالما أنه يشكل أكبر عقبة تعيق جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحد من طموح الشباب من خلال رسالة موجهة إلى القمة الـ 31 للاتحاد الإفريقي، قائلا ما نصه: “الفساد يساهم في الانحراف بقواعد الممارسة الديمقراطية، وفي تقويض سيادة الحق والقانون؛ كما يؤدي إلى تردي جودة العيش، وتفشي الجريمة المنظمة، وانعدام الأمن والإرهاب”.

حدود سياسات مكافحة الفساد

رغم كل الترسانة القانونية والمنظومة المؤسساتية وحزمة الإجراءات التي حققتها الدولة، فإن الفساد مازال مستشريا بالمغرب، مخلفا آثارا وخيمة اقتصادية واجتماعية ومعنوية على مستوى صورة المغرب. إذ تقدر الخسائر بما يتراوح بين 5% و7% من الناتج الداخلي الخام، أي ما لا يقل عن ربع ميزانية الدولة وثلاث مرات ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. كما شكلت وما تزال موجات الاحتجاجات والتوترات الاجتماعية صدى لعدم الرضا الشعبي بخصوص نزاهة وحسن تدبير الشأن العام بالمغرب. وتؤكد ذلك مجموعة من التقارير الوطنية والدولية وعلى رأسها مؤشر إدراك الفساد السنوي الذي تصدره منظمة ترانسبرانسي الدولية؛ وبحسب آخر تقرير للمنظمة صدر سنة 2018، ويهم سنة 2017، حصلت الدول العربية، باستثناء الإمارات وقطر، على مؤشرات متدنية في محاربة الفساد. فحصلت السعودية على 49 %، مقابل 44% لسلطنة عمان، و42% لتونس، بينما حصل المغرب على 40% فقط وجاء في المرتبة ال 81 بين دول العالم المعتمدة في المؤشر، وحل ثانيا بعد تونس على مستوى منطقة المغرب العربي.

ضعف تمثل المعايير الدولية من قبل أجهزة الحكامة ومكافحة الفساد

رغم ما يبدو من إرادة حسنة تتمثل في مجموعة من المساعي والإجراءات التي قامت بها الحكومة، إلا أنها تظل محدودة وغير فعالة. وأحد أهم الأسباب يتجلى في ضعف تمثل المعايير والممارسات الفضلى الدولية لحسن سير أجهزة الحكامة ومكافحة الفساد، ولا سيما فيما يخص الاستقلالية والحرية في العمل والموارد والقدرات، وضعف التواصل والتنسيق فيما بينها وفي علاقاتها مع كل من الحكومة والبرلمان والقضاء. وتتمثل أبرز المعايير “الكامنة”، أي التي لم تتحقق بعد، أو أنها محدودة أو غير مستكملة التفعيل، فيما يلي:

– بخصوص استقلال وفعالية هذه الأجهزة: غياب أو محدودية مقتضيات التطبيق الفعلي لعناصر إطارها القانوني والمؤسساتي؛ والسلطات والصلاحيات الفعلية بالقدر الكافي؛ والحرية الكاملة في وضع البرنامج السنوي والاضطلاع بجميع الوظائف والمهام المخولة لها قانونا؛ والحق الكامل في الولوج إلى المعلومات؛ والحق والواجب في نشر جميع نتائج أعمالها؛ وأخيرا وليس آخرا في الآليات المناسبة لتتبع التوصيات وضمان عدم الإفلات من العقاب بصدد المخالفات المضبوطة.

– بخصوص شفافية هذه الأجهزة ومسؤوليتها: يلاحظ أن هذه الأجهزة لا تنشر استراتيجيتها المحددة الأهداف والميزانية والجدولة الزمنية، ولا تقارير التدقيق المستقل لماليتها؛ والتقييم الخارجي أو بواسطة النظراء لمنجزاتها. كما أنها لا تنشر معلومات مقنعة عن مدى التزامها المعايير المهنية الموضوعية في انتقاء تدخلاتها، مما يغذي الشكوك والتصريحات حول نزاهة هذه التدخلات.

وهكذا، وبالرغم من أن المغرب يتوفر على العناصر الأساسية لمنظومة معيارية ومؤسساتية عصرية نسبيا، لكن تبقى مسألة الفعالية العملية لمنظومة الحكامة ومكافحة الفساد من أهم أسباب ضعف سياسات محاربة الفساد؛ والتي يمكن تفسيرها من خلال التحديات الخمسة الأساسية التالية:

– أولا: تعدد الهيئات والأجهزة في غياب إطار مؤسساتي للتنسيق والتعاون ولا سيما بين هيئات الرقابة الداخلية والخارجية من جهة والبرلمان والقضاء من جهة أخرى، وهو ما يصعب إمكانية التنسيق والتواصل الوظيفي المطلوب بين هذه المؤسسات التي تتشارك نفس الهدف الاستراتيجي.

– ثانيا: شيوع ثقافة رقابية غارقة في النظامية والمطابقة ومبنية على تقديس الوثيقة والقاعدة المكتوبة الشكلية على حساب النتيجة والأداء. ولا يعرف بالضبط ما هي القيمة المضافة للتوصيات الصادرة عن مؤسسات الحكامة ومكافحة الفساد في تجويد مردودية الإدارة العمومية وفي الحد من تبذير المال العام والاعتداء عليه، في غياب نظم وآليات “قياس الجودة”؛ فالمؤسستان المعنيتان بإصلاح الحكامة الإدارية والمالية ، لم تصدرا أية دراسة تقييمية لفوائد التقارير التي أصدرتاها على مستوى فعالية وآثار الأعمال المنجزة من قبلهما، أي أنهما تقفان عند حد الإفراج عن المخرجات من ملاحظات وتوصيات ولا تتعديان ذلك إلى مستوى تقييم أثر تلك الأعمال وفق مقاربة “القيمة والفوائد”.

– ثالثا: شفافية محدودة ونتائج دون التوقعات بخصوص عملية إنفاذ القانون بشأن المآلات المخصصة للقضايا المتعلقة بجرائم الفساد المضبوطة والمحالة على القضاء مما يشيع جملة من التساؤلات في أوساط الرأي العام بصدد جدية الالتزام بمبدأ عدم الإفلات من العقاب.

– رابعا: عدم التمييز بين الملاحظات المتعلقة بسوء تدبير المؤسسات والبرامج والمشاريع العمومية، والتي ينبغي ترتيب جزائها الإداري والسياسي، وبين المخالفات والانزلاقات التي تكتسي طابع الجرائم والاختلاسات، والتي ينبغي متابعة مقترفيها جنائيا، الأمر الذي يؤدي للخلط بين مفهوم الحكامة ومفهوم محاربة الفساد أوبين تصحيح اختلالات التدبير وبين زجر الفساد في تدبير الشأن العام، أو بعبارة أخرى بين المقاربة الوقائية والمقاربة الزجرية لسياسات مكافحة الفساد، فالمجتمع يركز على الزجر والجهات الرسمية تركز على الوقاية، وكأننا أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما: إما الإفلات الكلي من العقاب أو الزجر الجنائي الكلي.

– خامسا : المعيقات الثقافية المتمثلة في رسوخ سلوك تطبيعي مع الفساد في الوعي الجمعي لقطاعات معتبرة من المجتمع تعبر عنها مقولات شعبية شائعة من قبيل : (اللي ماعندو فلوس كلامو مسوس)، (اذهن السير يسير)، يزيد في استفحاله الصعوبات التي تعترض إدماج المجتمع المدني في الجهود الرسمية، وشكاوى جمعياته من بعض المضايقات ومن ضعف الموارد والإمكانيات.

نقص في الموارد والقدرات وبطء في تفعيل مؤسسات الحكامة

علاوة على مسألة جدية الإرادة السياسية والتحديات المؤسساتية والثقافية، تعتبر مسألة الموارد البشرية والمادية والمالية المناسبة والقدرات المؤسسية والتدبيرية لأجهزة الحكامة ومكافحة الفساد أحد التحديات الأساسية وراء بطء سياسات مكافحة الفساد في المغرب. ومن أجل كسب النقاط في معركة التغلب على الفساد ينبغي توفير شرط مسبق بديهي وهو رص الصفوف، وجعل المعركة معركة وطنية بامتياز. تنخرط فيها الدولة والمجتمع السياسي والمدني والمواطنون والشركاء الدوليون، وذلك من خلال نزع الطابع السياسوي عن موضوع مكافحة الفساد وإخراجه من سوق المزايدات السياسية. ومن خلال العمل على تشكيل تكتل عريض وتوافق سياسي واجتماعي واسع يؤطره ميثاق وطني لمكافحة الفساد؛ باعتباره سندا مرجعيا مسبقا وضروريا لنجاح واستمرارية ورسوخ أية سياسات جادة لمكافحة الفساد.

*خبير بالمعهد العربي للتخطيط بالكويت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *