حوارات، مجتمع

“خمسة أسئلة”.. هل الضريبة لوحدها وراء احتجاج المحامين وتسببهم في هدر الزمن القضائي؟

حماية المال العام

شلَّ المحامون محاكم المغرب في خطوة تصعيدية سابقة لمدة تزيد عن أشهر، بسبب المقتضيات الضريبة الجديدة عليهم، والتي جاءت بها الحكومة المغربية ضمن مشروع قانون المالية 2023. 

إلا أن المحامون، يعتبرون “الضريبة” النقطة الأخيرة في كأس الصراع بينهم وبين وزارة عبد اللطيف وهبي، وهناك قضايا شائكة أخرى أُريد غض الطرف عليها من أجل “شيطنة” المحامين. ولتسليط الضوء على الموضوع، استضافت جريدة “العمق” المحامي بهيئة مراكش محمد الغلوسي، في فقرة “خمسة أسئلة”، ليكون الحوار على الشكل التالي:

بداية، هل الضريبة هي السبب الرئيسي وراء اندلاع اضرابات المحامون المغاربة؟

في الحقيقة، الضريبة هي النقطة التي أفاضت الكأس في علاقة المحامين بوزارة العدل، على اعتبار أن هناك مؤشرات أخرى تدل على صراع بين المحامين والوزارة، في طريقة تدبير قضايا ذات الصلة بالمهنة.

فوزارة العدل تنكرت للمقاربة التشاركية واستفردت باتخاذ العديد من القرارات، ناهيك على التصريحات الغريبة التي أصدرها وزير العدل تجاه المحامين. وعلى سبيل المثال؛ فإن الوزارة سربت مسودة قانون مهنة المحاماة دون إشراك حقيقي وفعلي لممثلي المحامين، عن طريق جمعية هيئة المحامين بالمغرب.

أضف إلى ذلك انفراد وزارة العدل بالإعلان عن امتحان الأهلية لمزاولة المهنة دون إشراك للمحامين ودون دراسة لواقع وظروف المحامين وأيضا عدم إخراج -لحدود اليوم- المعهد المتعلق بتكونين المحامين رغم أن قانون المهنة أشار إلى هذا المعهد منذ سنة 1993.

وما يكشف أيضا أن مسببات الصراع متعددة؛ كون وزارة العدل والحكومة معا، ينظران إلى مهنة المحاماة باعتباره قطاع لامتصاص البطالة دون تقديم أية خدمة له، على اعتبار الناجح في المهنة بمجرد تسلمه ورقة الأهليه، تتخلى عنه الدولة والحكومة ولا تعرف عنه أي شيء وتتركه يواجه مصيره لوحده.

والحال أن الهيئات المهنية الممثلة للمحامين غير قادرة اليوم على استيعاب العدد الكبير من المحامين بالنظر لظروف وشروط المهنة التي عرفت تحولات عميقة على المستوى المهني والاجتماعي، وأصبح معها المحامي الذي ينتمي إلى الطبقة الوسطى يواجه متطلبات الحياة بعناء، مما يعني أن عدم مراعاة هذه التحولات أدى إلى احتقان وسط المحامين وعجّل باندلاع الصراع بين الوزارة والمحامين.

 سبق للمحامين أن علّقوا إضرابهم بعد اتفاق مع الحكومة المغربية، لماذا تم التراجع عن ذلك في مؤتمر الداخلة واستمرت بعض الهيئات في إضرابها؟

في تقديرنا، وحسب مداخلات المحامين، أثناء أشغال مؤتمر الداخلة، قيل أنه لم يكن هناك اتفاق بين المحامين والحكومة، بل كان تبادل وجهات نظر ومقترحات وأفكار، على اعتبار أن الاتفاق يقتضي صياغته ضمن محضر رسمي يوقعه الطرفين، والحال أنه لحدود اليوم لا وجود لهذا المحضر ولا لهذا لاتفاق بمعناه القانوني.

وللحديث عن هذا الاتفاق بين الحكومة والمحامين، لابد من إصدار مخرجات اللقاء في شكل اتفاق رسمي بين الطرفين يتضمن البنود المتفق عليها وتوقيع الأطراف المتفقة. وبما أن لا شيء من هذا قد حصل، اعتبر المحامون أنه لم يحل أي اتفاق بين الحكومة والمحامين.

لكن، لماذا يرفض المحامون المقتضيات الضريبية الجديدة؟

المحامون لا يرفضون أداء الضريبة كما يتم الترويج له، بل إن كل التدخلات واللقاءات المهنية تؤكد على أن المحامون جزء من المجتمع المغربي وأنهم مستعدون لأداء الضرائب، وأنهم يؤدونها فعلا، وهناك تحسيس وسط القطاع من طرف مجالس الهيئات لانخراط بعض المحامين الذين لم يصرحوا بالضريبة من أجل أداء ما عليهم من ضرائب وأن يصرحوا بالضرائب لدى الإدارات المكلفة.

إن المحامين يؤدون في غالبيتهم الضرائب ومستحقات الضمان الاجتماعي، وبالتالي اتهامهم بالتهرب الضريبي هو اتهام مجاني هدفه شيطنة مهنة المحاماة واستهداف هذه المهنة التي نعتبرها رسالة نبيلة في خدمة العدالة والمجتمع. إلا أنه لا يمكن أن يخضع المحامون للضريبة بمنطق تجاري ومنطق الشركات، وعلى الحكومة أن تجد الصيغة المناسبة للمحامين لأداء الضرائب على اعتبار أن منطق الربح والتجارة يتعارض مع الأسس السامية لرسالة المحاماة.

فالمحامون يتحملون كثيرا من الأعباء والتكاليف التي لا تدخل ضمن الخصوم الضريبية، منها تنقلاتهم والتنقل خارج دوائر المحاكم ومصاريف الطبع وغيرها من المصاريف الجانبية، دون أن تأخذها الضريبة بعين الاعتبار.

إضافة إلى أنهم يتحملون أداء نفقات تتعلق بالاشتراك في مهنة المحاماة ونفقات التعاضدية العام للمحامين، التي تتكفل بجانب التأمين، من حيث التطبيب والصحة، سواء تعلق الأمر بهم أو بأسرهم، بالتالي كل هذه الالتزامات الحكومة لا تساعدهم في أي شيء،  ولا تقدم أية خدمة لمهنة المحاماة، عكس ما توفره هذه المهنة من تشغيل وما تساهم به في الاقتصاد الوطني، ليبقى السؤال معلقا: ما الذي تقدمه الحكومة لهذه المهنة؟.

لقد تسبب إضراب المحامين في شل جل المحاكم المغربية، وهدر من الزمن القضائي الشيء الوفير، وضاع بذلك حقوق العديد من المواطنين المتابعين قضائي، ما تعليقك على هذا؟

المحامون لم يلجؤا إلى الإضراب بل فرضت عليهم أشكال نضالية تصعيدية، وصلت إلى مقاطعة الإجراءات والجلسات وشل كل المحاكم، وهذا لم يكن اختيارهم، بل كانوا مجبرين ودفعوا إلى هذا الخيار، لأن الحكومة ومعها وزارة العدل لم تتشاور معهم عندما وضعت مشروع قانون المالية.

وبعد لقاء جمعية هيئات المحامين بالوزير المكلف بالمالية، فوزي لقجع، صرح هذا الأخير بأن وزير العدل من اقترح هذه المقتضيات الضريبية، والحكومة فهمت من الأمر، أن وزير العدل قد تشاور مع المحامين في الموضوع، ليتبين في الأخير أن عبد اللطيف وهبي، تصرف من تلقاء نفسه، وتبين أن الحكومة مصممة على فرض الضرائب على الطبقة الوسطى، لأنها تعتبر مشروع قانون المالية يتطلب مدخلين أساسين، الأول هو مدخل الضرائب، والثاني هو مدخل الاستدانة.

وفي ما يتعلق بمدخل الضرائب، لجأت الحكومة إلى أسلوب فرض الضريبة على المحامين بناء على منطق غير قانوني وغير دستوري، وإلا كيف يعقل أن تؤدي الضريبة على دخل محتمل لم يتحقق بعد، والجميع يعرف أن الضريبة تؤدى على الدخل المتحقق الفعلي وليس على المحتمل.

هل يمكن للمقتضيات الضريبية الحالية أن تشكل عبئا على المواطنين أيضا؟

إن الضريبة المسبقة ستشكل عبئا إضافيا بالنسبة للمتقاضين بحيث هذا الأخير، سيصبح ملزما بأداء الضريبة والرسوم القضائية، وبالتالي سيشكل عائقا وتقييدا لحق المواطنين في اللجوء إلى العدالة، والحال أن اللجوء للعدالة يجب أن يكون بشكل مجاني ودون أية قيود.

وبما أن لكل احتجاج ضريبة، فإن المواطنين تفهموا جوهر احتجاج المحامين، وبالتالي لم نرى أي احتجاج لهم على الإضراب، لأنهم فهموا أن المقتضيات الضريبية تشكل عبئا إضافيا عليهم. 

وبالتالي، فإن المحامون ليسوا المتضررين من هذه الإجراءات، لأن المواطنين سيكونوا ملزمين بأداء التسبيق الضريبي إضافة على الرسوم والواجبات القضائية، مما يعني أن احتجاج المحامين ليس احتجاجا فئويا دفاعا عن مصالحهم الشخصية، بل دفاع عن المجتمع وحق المجتمع في الولوج المستنير إلى العدالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • سلوى
    منذ سنة واحدة

    فعلا اتفق مع ماجاء في المقال الا في نقطة واحدة استقيتها من تجارب مع عدة محامين الذين كان تعاملهم على اساس الربح والتجار ة وليس كما جاء في مقالكم ليس هناك اي وجود لمبادئ سامية كتحقيق العدالة وانصاف المواطن المضلوم بل هي منظومة يتخبط فيها المواطن منذ ان يقر ر التقاضي واستخلاص حقوقه عن طريق القضاء اولا المحامون ثم مستخدمو المحكمة وموظفوها ثم المفوضون القضائيون استنزاف متواصل للمواطن بشكل يجعله يندم على اليوم الذي فكر في استخلاص حقوقه في هذا البلد السعيد