آخر أخبار الرياضة، العمق الرياضي، مجتمع

فوز المنتخب على مشرحة علم النفس.. طبيب ينبه الآباء والمربين لأوجه “خفية” في الاحتفالات

عاش المغاربة ومعهم محبو منتخب أسود الأطلس إفريقيا وعربيا وعالميا، فرحة كروية سابقة من نوعها بعد التأهل لنصف نهائي كأس العالم قطر 2022.

وجسد هذا الشعور، مظاهر الاحتفالات التي شهدتها المقاهي والشوارع والساحات العمومية في العديد من المدن الوطنية والدولية، عبر خروج آلاف الجماهير من مختلف الفئات العمرية، حيث انصهرت فيها كل الفوارق الاجتماعية تحت يافطة “الشعور بالانتماء الواحد”.

هذه الفرحة سبقتها لحظات ترقب وتوتر نفسي صعبة على الكبار، وبمستوى عالٍ على الأطفال والمراهقين، الذين يتابعون أطوار المباريات ويتفاعلون مع تفاصيلها لدرجة قطع الأنفاس مخافة الخسارة.

كما أنه بعد كل مباراة، تطفو على سطح مواقع التواصل الاجتماعي، ويردد الناس في ما بينهم، عبارات التنقيص والتنمر من الخصم واحتقاره وممارسة عنف لفظي اتجاهه، مما يتسبب في أضرار نفسية خفية على الجماهير ويحمل الكرة ما لا طاقة لها.

في هذا التقرير، سنقوم رفقة الدكتور النفساني، محمد سعيد الكرعاني، بمحاولة لتشخيص هذه السلوكيات لفهمها، بغاية تجاوزها، حفاظا على نفسية الأطفال والمراهقين خاصة.

كما سنحاول فهم وصفة الركراكي السحرية -نفسيا وليس كرويا- التي قادت الأسود لإنجازهم الغير المسبوق إفريقيا وعربيا، وكيف يمكن الاستفادة من هذه الوصفة في كل مناح الحياة المختلفة، على اعتبار أن للنجاح قيمٌ واحدة.

حالة نفسية جديدة

من المؤكد أن المغاربة وغيرهم من الجماهير المحبة للمنتخب المغربي، أو أي منخب آخر حقق نتائج مبهرة، دخلوا في أحوال نفسية وحالة من الفرح الاستثنائي الكبيرة جدا، وهذا الشعور، وفق الدكتور سعيد الكرهاني، “مُهمٌ جدا، ومحملٌ بالمعاني الجيدة المفيدة والصحية، من قبيل إذكاء روح الانتماء والشعور بالوجود ضمن مجموعة كبرى، وأن هذه الفرحة فرحة مشتركة وتعبر عن انتماء لشيء كبير يجمعنا”.

وأبرز الكرعاني، في حديثه لجريدة “العمق”، أن هذه المعاني “كلها صحية ومفيدة”، ومن الأهمية بما كان أن يستثمر الآباء والأمهات، ومعهم الأساتذة والمربون هذه المعاني من أجل تنبيه الناشئة إلى قيمة الانتماء التي جسدها الفوز المبهر للفريق الوطني.

وصفة النجاح

وأشار الطبيب ذاته، إلى أنه من المهم للوالدين والأساتذة والمربون، الانتباه لقوانين النجاح التي شكلت وصفة المنتخب المغربي، مشيرا أنها تكمن أساسا في قيم العمل الجاد، وليس عن طريق الصدفة، وقيمة الانضباط الذي شاهدناه في اللاعبين والمدرب، إضافة إلى قيمة التحفيز التي أبان عنها بفعالية المدرب وليد الركراكي، وقدرته المتميزة على خلق حافزية عند اللاعبين.

وركز الكرعاني، على أهمية عنصر “الحافزية”، مشددا على أنها من مسلمات النجاح في أي عملية تعليمية سواء في مجال الرياضة أو غيرها.

وأوضح أن ما يحرك “الحافزية” عند الإنسان، هو شعوره بالمعنى في الأعمال التي يقوم بها، وهذا ما لاحظناه في مجموعة المنتخب، فالمدرب جعل اللاعبين يستشعرون معنا كبير لوجودهم دخل المنتخب وارتدائهم قميص المغرب ورفعهم راية الوطن، وفق تعبير المتحدث.

الشعور بالانتماء

وأضاف الكرعاني أنه من بين الوصفات التي اعتمد عليها مدرب المنخب الوطني، هي إذكاء الشعور بالانتماء، كون هذا الشعور “حاجة أصيلة في الإنسان، وهو من أركان التقدير الذاتي”، ولهذا الشعور في الكرعاني “فوائد نفسية صحية، وفي نجاح الأعمال الجماعية كذلك.

وزاد المتحدث أن ما نعيشه خلال هذه الأيام في موضوع انتصارات الفريق الوطني المبهرة، يلعب فيه مكون الشعور بالانتماء دورا أساسيا مهما في الوصفة التي اشتغل بها المدرب الوطني.

كما نبه الطبيب المذكور إلى أن أي تفريط في أي مكون من مكونات الانتماء في عملية التربية، إنما هو تفريط في ركن أساسي من أركان النجاح، موضحا أنه لما نتكلم على الانتماء، لا يمكن التوقف عنده بعد نهاية كأس العالم، بل هو أمر مستمر باستمرار عملية التربية، في المدرسة وفي البيت وفي الحياة العامة، وأن التفريط في مكون الانتماء هو تفريط في النجاح.

من القدم إلى القلم

وأشار المتحدث إلى إمكانية تعميم قوانين النجاح على المجالات الحياتية الأخرى، بالقول: “اليوم نعيش نجاحا كرويا، والقيم التي استند عليها هذا النجاح، هي نفسها التي تُحقق النجاح في الدراسة، وفي البحث العلمي وفي سوق الشغل، وفي بناء الأسرة والعلاقات العائلية، وفي السلام والتضامن المجتمعي”.

وقال الدكتور الكرعاني إنه إمام الأجيال الصاعدة أوراش كبرى في كل قطاعات الحياة، وقواعد النجاح هي نفسها من الكرة إلى المجرة ومن القدم إلى القلم، داعية إلى الاستفادة من هذا القواعد في كل مناح الحياة.

هذا ولفت الكرعاني لأهمية الانتقال مع الناشئة من النقاش الكروي إلى نقاش القيم والأخلاق التي ساهمت في نجاح المنتخب المغربي، وذلك بتدشين حوار تربوي بين الوالدين وأبنائهم، وبين الأساتذة والتلاميذ، حوار يلفت النظر لجذور النجاح من الناحية القيمية والأخلاقية، حتى ينتبه الطفل والمراهق والشاب إلى أن النجاح ليس تمرة صدفة ولا مجرد ضربة حظ، مشيرا إلى أن للنجاح قوانين وقيم يقف عليها، والمربي النبيه يستطيع أن يحرك ذهن الطفل والمراهق إلى الربط بين القيم وبين النجاح.

تخفيف الضغط

أما بخصوص الحالة الهستيرية التي تعرفها لحظات متابعة مقابلات الكرة، ومنها نبه الطبيب النفساني، محمد سعيد الكرعاني، لأن “يحرص الآباء وأهل التربية على خلق نقاش في جوٍّ يرتب الأولويات ويضع كل شيء في خانته من غير إفراط ولا تفريط”.

واسترسل المتحدث إلى أنه يجب فهم الأمر والتعامل معه “بكونه لا يغدو مباراة في كرة القدم، وليس حربا ولا مجالا لتصفية الحسابات أو التنمر على بعض الرموز، إنما هي مباراة في كرة القدم، وهي أيضا محطة لاستخلاص دروس في جانب القيم والأخلاق الباعثة على النهوض والازدهار والتقدم الشخصي والمجتمعي العام”.  

النموذج السلوكي..

كما نبه إلى “النموذج السلوكي الذي يقدمه الكبار في تفاعلاتهم مع مثل هذه الأحداث والانتصارات، وأثناء لحظات الترقب، وكيف يتعاملون نفسيا مع هذه الوضعيات، لأنهم يشكلون قدوة للصغار من خلال نموذجهم السلوكي”. 

وأوضح الطبيب النفساني أنه على الكبار إعطاء القدوة، عبر فهم وإفهام الناشئة بأن الأمر يتعلق بمباراة في كرة قدم، وأنها ليس حربا ولا معركة مصيرة، وإنما هي مباراة رياضية، وذلك من أجل التخفيف من الضغط النفسي الذي يعيشه عدد من الأطفال في هذه الأيام، باعتباره ضغطا جديدا عليهم، وبعضهم لا يستطيع تحمله، ومن شأنه أن يؤثر على تمدرسهم وعلى أحوالهم الصحية. 

الانتماء المرضي

ومع أهمية مكون الشعور بالانتماء، نبه الدكتور محمد سعيد الكرعاني إلى كون الانتماء الذي تكلم عليه سابقا، “يجب أن يكون انتماء صحيا”، موضحا كلامه أن الانتماء الصحي يعرف بـ”الاعتزاز بما ينتمي إليه الفرد مع احترام انتماءات الآخرين والتعايش معها، محذرا كل الحذر من”الانتماء المرضي المُضر الذي يعني مصادرة حق الآخرين في انتماءات مغايرة”.

لهذه الأسباب، قال الكرعاني إنه من المفيد أن يستثمر أهل التربية ومعهم الآباء وأولياء الأطفال والمراهقين في أجواء المونديال والاحتفالات التي ترافقها، وما يتبع هذا من مظاهر التنمر على المنهزم ونشر صور حمالة لمعاني الاحتقار العنف وغيرها من التعبيرات الغير الصحية، في إذكاء الشعور بالانتماء الخاص مقابل احترام انتماءات الآخرين والتعايش معها وعدم إقصائها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • لحسن سبول
    منذ سنة واحدة

    صحيح ان كل ماحصل للفريق الوطني هو ايجابي وخاصة عندما ترى الجزاءري والمصري والعراقي واليمني والسعودي والليبي والسودان وخاصة المهاجرين حيث منعو من اعلان فرحتهم في دول ال المتقدمة والتي تحرص على حقوق الانسان اما الفلسطنيون هاجموهم عند رفعهم العلم المغربي والعلم الفلسطيني. وهادا ما يستوجب له العدة والانتصار الأكبر هو التعبير الموحد بين كل الشعوب العربية والإفريقية والمسلمين في انحاء العالم وشكرا جزيلا لكم لم تفضلتم به من افكار نيرة واهداف بناءة

  • عبد الله هاشي
    منذ سنة واحدة

    شكرا جزيلا على هذا المقال المليء بالأفكار الايجابية والمفيدة